تابعنا
يطلق العناق هرمون الأوكسيتوسين، وهو يُسمى أيضاً بـ"عقّار الحب"، تُعتبر وظيفة هذا الهرمون معقدة نوعاً ما، فقد جرى تعريفه في الأصل على أنّه الهرمون الذي يساعد على تقلصات الرحم أثناء الولادة ويحفز عمليّة المخاض، عندما ينتشر في دم المرأة.

لا يعدّ العناق الدافئ مجرّد لفتة من المودة، بل هو محفز قوي لنمو دماغ الطفل، يحسّن الثقة ويقلل الخوف ويقوي العلاقات، وفق ما أكدته دراسات متخصصة.

وفي الوقت الذي يكثر فيه جلوس الراشدين -كما القصّر- أمام الشاشات، يصبح للعناق قوة وتأثير كبيران على الطفل، ومنذ المرة الأولى التي تحمل فيها الأم وليدها، يتشكل رابط قوي بينهما ويتطور ذلك بمرور الوقت وتصبح هناك حاجة دائمة إلى اللمسة والعناق.

كم حضناً يحتاج إليه الطفل؟

في إحدى مقولاتها الشهيرة، تؤكد المؤلفة الأمريكية والمعالجة الأسرية فيرجينيا ساتير قائلةً: "نحن بحاجة إلى أن نحضن أربع مرات يومياً من أجل البقاء، وإلى ثماني مرات يومياً من أجل إصلاح ما جرى إفساده، ونحن بحاجة إلى 12 عناقاً يومياً من أجل النمو".

وتدعم هذه المقولة دراسات علمية تشير إلى أنّ دفء حضن الوالدين يقدم فوائد مهمة للأطفال، ويرتبط بالنجاح الأكاديمي ومهارات التنظيم الذاتي، ويساعد في أن يصبحوا أكثر مرونة طوال الوقت.

ورغم مقولة فيرجينيا عن أهمية 12 عناقاً يومياً للنمو، فإنّ ديان فرانز، مديرة قسم علم النفس في مستشفى الأطفال في مدينة نيو أورليانز الأمريكية، تؤكد أنّه عندما يتعلق الأمر بالعناق الذي يحتاج إليه الطفل لينمو، فإنّ الحدّ غير موجود.

وتبيّن أنّه "لا يوجد رقم سحريّ، ويختلف الأطفال في مقدار المودّة الجسدية التي يريدونها ويحتاجون إليها، وكقاعدة عامة، يسعى الأطفال الأصغر سناً بشكل عام إلى العناق أكثر من الأطفال الأكبر سناً، لكن يمكن أن يختلف الأمر مع كل طفل ويعتمد على مستوى راحته مع المودة الجسدية".

فوائد العناق

يطلق العناق هرمون الأوكسيتوسين، وهو يُسمى أيضاً بـ"عقّار الحب" و"هرمون الترابط"، تُعتبر وظيفة هذا الهرمون معقدة نوعاً ما، فقد جرى تعريفه في الأصل على أنّه الهرمون الذي يساعد على تقلصات الرحم أثناء الولادة ويحفز عمليّة المخاض، عندما ينتشر في دم المرأة.

ومع مرور الوقت، اكتُشف أنّ له ردّ فعل مختلفاً عندما يجري إطلاقه في الدماغ، إذ ترتفع مستوياته عند العناق، ويعمل كمرسل كيميائي لزيادة الترابط بين الأم والرضيع.

ويمنح العناق كثيراً من الفوائد الأخرى للطفل على المستويات كافة، وهي نفسية وعقلية وصحية وإدراكية ومعرفية وإنسانية وثقافية أيضاً.

وحتى تسعينيات القرن الماضي، كانت دور الأيتام في رومانيا سيئة السمعة بسبب ظروفها القاسية، إذ كشفت دراسة طويلة المدى أُجريت على الأطفال في تلك الدور، بأنّهم لم يتلقوا سوى قدر ضئيل من الاتصال الجسدي اللازم لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

هؤلاء الأطفال لم يتلقوا أي عناق على الإطلاق، ومع نموهم، أظهروا تأخراً كبيراً في عمل الدماغ، ولم يحققوا مكاسب معرفية عندما جرى وضعهم مع آباء بالتبني ومحاولة تعويضهم عاطفياً في سنوات لاحقة.

وخلصت الدراسة إلى أنّ تجارب الطفولة المبكرة يمكن أن يكون لها تأثير دائم على الدماغ، إذ إنّ إساءة معاملة الأطفال وعدم إعطائهم قدراً كبيراً من الدفء والحنان قد يؤدي إلى تقليص مناطق في أحد المكونات الرئيسية للدماغ يطلق عليه الحصين، وإلى انخفاض جودة نشاطه. في الوقت ذاته، تكشف الأبحاث أنّ الأطفال الذين يحصلون على مزيدٍ من العناق لديهم أدمغة أكثر تطوراً وذكاءً.

دور العناق في النمو

يمتلك الأطفال الذين يتلقون كثيراً من اللمس الجسدي والعناق أنماط نمو أكثر سلامة من أولئك الذين يُحرمون من اللمس، فعندما يُحرم الأطفال من الاتصال الجسدي، تتوقف أجسادهم عن النمو رغم تناولهم للعناصر الغذائية، وتُسمى هذه الحالة بـ"الفشل في الازدهار".

وقد أثبتت دراسات علمية عدّة قيمة اللمس على المشاعر وصحة الجسد، وإمكانية تحسين صحة الأطفال الذين يعانون من فشل النمو من خلال توفير اللمسات والعناق.

وتتأثر الصحة النفسية للطفل بالفراق والهجر ويمكن أن ينكسر القلب حرفياً بسببهما، وفي المقابل يمكن أيضاً للطف والعناق أن يقوّيا القلب ويجعلاه سليماً.

ويمتد تأثير العناق إلى الحفاظ على الصحة القلبية للأطفال والآباء على حدّ سواء، إذ يساعد على تنظيم معدل ضربات القلب ويخفض ضغط الدم، ويقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب. وحتى الرضع يمكن أن يكون تأثير العناق واضحاً على قلوبهم ومعدل ضرباتها التي تكون أكثر ثباتاً وسكينة عندما يتلقون العناق من الأبوين.

بفضل العناق.. نوبات غضب أقل

لا يقتصر تأثير العناق على نمو دماغ الأطفال ونموهم الجسدي فحسب، بل إنّه يدعم أيضاً نموَّهم العاطفي، ولا يوجد تأثير "سحريّ" يساعد على تهدئة الطفل وامتصاص نوبات غضبه أكثر من حضن دافئ من والديه.

ويعلّم العناق الطفل كيف يكون أكثر استرخاءً وهدوءاً، ومع ذلك، يتحفظ الآباء على عناق الطفل في حالة الغضب خوفاً من إرسال رسالة خاطئة مفادها الاستسلام لنوبة الغضب وتشجيعه على تكرارها.

ويمكن إدراك ذلك الخلط بالعناق الواعي من دون استسلام، والذي يساعد الطفل على تعلم التنظيم الذاتي، وتنظيم العواطف.

من المهم أيضاً، أنه على الآباء إدراك أنّ العناق في حالات التوتر والغضب يحمي الطفل من الانهيار العاطفي، ويساعده على إدارة التوتر، عن طريق تقليل إفراز هرمون التوتر المسمى بـ"الكورتيزول".

نمو معرفي وترابط

مع دخول مرحلة المدرسة وما بعدها، تستمر آثار المعانقة المبكرة في الظهور، وتكون مرونة الدماغ وقدرته على التكيف والتغيير أكثر وضوحاً خلال هذه السنوات، إذ يظل العناق حجر الزاوية في تعزيز المرونة والتنظيم العاطفي والنمو المعرفي.

ويفرز الدماغ أثناء العناق هرمون الإندورفين، الذي يعمل مسكّناً طبيعياً للألم ومحسّناً للمزاج، كما يساهم هذا الاندفاع من المواد الكيميائية الإيجابية في تقليل التوتر والقلق، مما يسمح للطفل بالتغلب على تحديات النمو بنظرة أكثر تفاؤلاً.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ الارتباط الآمن الذي يتكون من خلال العناق يعمل بمثابة شبكة أمان للطفل أثناء استكشافه للعالم من حوله، واختبار التجارب الجديدة بثقة، والتعامل بمرونة وثقة مع المتغيرات والأشخاص، كما للعناق تأثير في قدرته على تطوير روابط اجتماعية وعاطفية قوية مع والديه وأفراد أسرته.

وترتبط السعادة واحترام الذات في جزء كبير منهما بالعناق، إذ إنّ الطفل الذي يجري احتضانه كثيراً يكون في الغالب طفلاً سعيداً وواثقاً من نفسه؛ لأنه يدرك أنّه يستحق الحب، ويمتد ذلك الشعور بالثقة ليعزّز قيمة احترام الذات لديه، وهي التي تمكنه من اكتشاف العالم حوله وتجربته.

في المقابل، تدني احترام الذات يمكن أن يمهد الطريق أمام خيارات سيئة في وقت لاحق من الحياة، بما في ذلك تعاطي المخدرات والعلاقات غير الصحية.

إلى ذلك، تعدّ "الأنانية" إحدى سمات الأطفال صغار السنّ وفي مرحلة ما قبل المدرسة، وهو أمر طبيعي، ورغم أنّ الأطفال من جميع الأعمار يمكنهم إظهار التعاطف، فإنّ نظرتهم الرئيسية للعالم تتمحور في سن مبكرة حول أنفسهم ويصعب عليهم التعاطف مع الآخرين، وفي تلك المرحلة، يبرز عناق الأم هنا كأحد أسس التعاطف، ويمتدّ تأثيره الملموس لعقود على أداء الدماغ وتطوير القدرة على التعاطف والتواصل مع الآخرين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً