"إحدى وعشرون سنةً، مئتان وخمسون شهراً، قدّمنا خلالها أكثر من ألف أغنية ومئات أعمال الآنمي والكارتون وآلاف الفقرات التعليمية الهادفة.. حملت جميعها أسمى القيم وأجمل الحكايات، وما زلنا مستمرّين"، بهذه الكلمات احتفت سبيستون صانعة لحظات المتعة الجارفة أيام طفولتنا، بذكرى تأسيسها، على شبكات التواصل الاجتماعي.
لكلمة سبيستون وقع عجيب على الأذن؛ بسماعها ينتابك سيلٌ فياض من المشاعر الجميلة، كأنها مفتاح لباب سحري، نحو عالم كثيف من الذكريات والصور والكلمات والأغاني، بخاصة بالنسبة إلى مواليد نهاية الثمانينيات وجيل التسعينيات الذين عايشوا لحظات بداية التجربة سنة 2000، فبعدما كانوا حبيسي ساعات قليلة من البرامج المخصصة لهم في التليفزيونات الرسمية لبلدانهم، جاءت القناة الجديدة بباقة لا محدودة من برامج الأطفال.
بالعودة إلى البدايات، انطلقت "قناة شباب المستقبل" في شهر مارس/آذار من سنة 2000، بفقرة أطفال ضمن تليفزيون البحرين الحكومي، قبل أن تستقلّ بعدها بسنتين، وتبدأ عرض تشكيلة برامجها من المسلسلات الكارتونية العالمية المدبلجة، خصوصاً "الآنمي" الياباني، بالإضافة إلى عدد من الأناشيد والأغاني والفقرات الفكاهية والتثقيفية، التي حقّقت لها انتشاراً واسعاً دخلت به أغلب البيوت العربية.
"كواكب الدهشة"
اعتمدت القناة منذ بداياتها على برمجة فريدة كانت من أهمّ أسباب نجاحها، من خلال تقسيم بثّها إلى كواكب (أكشن، رياضة، أفلام، علوم، كوميديا، مغامرات، تاريخ، زمردة، بون بون، أبجد)، تصنّف البرامج حسب النوعية والفئة السِّنِّية المستهدَفة، لتستجيب بذلك لكل الأذواق والرغبات.
بفضل هذا التنوّع، صنعت كواكب سبيستون ذاكرة أجيال كاملة، ونحتت بألوانها خيالَها. ونفخت مسلسلاتها الكارتونية قيم النبل والوفاء والشجاعة في أرواحهم الصغيرة، وهم يتتبعون بدهشة مغامرات الأبطال وحكاياتهم التي تتمحور ثيمات أغلبها حول الصداقة والأخوّة والمغامرة.
"كنت أتسمّر أمام شاشة التلفاز لساعات، أدخل في لحظات من الدهشة والمتعة العارمة في متابعة برامج القناة، خصوصاً رسوم الكارتون، لا يعكّر صفو هذه اللحظات إلا الذهاب إلى المدرسة"، يصرّح بشير ضاحكاً، ويتابع: "بعد العودة من المدرسة، لا بديل من سبيستون رغم عتاب والدي لي لإنجاز واجباتي الدراسية".
بكثير من النوستالجيا والحنين، يتابع بشير البالغ من العمر سنّ الثلاثين: "عانينا مع القنوات العمومية؛ كان الحيّز المخصَّص لنا ضئيلاً في برنامج أو اثنين، يقاطعهما بثّ مباراة كرة قدم أو جلسة برلمان، كانت هذه حصص تعذيب قاسية، لكن سبيستون عوّضتنا عن كل هذه اللحظات".
بدورها تقول وصال: "سبيستون واحدة من القنوات الفضائية الموجهة إلى الأطفال التي بصمت طفولتي. أتذكر تشوُّقي وأنا أشاهد الرسوم المتحركة، كانت أمّي عادةً ما تشاركني أوقات مشاهدة التلفاز، وكانت تساعدني في اختيار المسلسلات المناسبة لسِنِّي".
"ذكريات راسخة"
"أنا وأخي"، "هزيم الرعد"، "القناص"، "ريمي"، "مغامرات روبن هود"، "بي بليد"، "السهم الملتهب"، "الكابتن ماجد"، "لحن الحياة"، "كونان"، "ماوكلي"، وغيرها كثير، مسلسلات كارتونية حافلة بالمشاعر الإنسانية، استطاعت ملامسة مشاعرنا الطفولية البريئة، لننسج مع شخصياتها علاقات وجدانية استمرت في الزمن.
تضيف وصال: "لا يزال يشدني الحنين إلى كل البرامج التي شاهدتها، فأبحث عن حلقاتها على يوتيوب، أو أصادف إعادتها على التليفزيون فألتمس مقعداً وسط أطفال العائلة أشاهدها بنفس الشغف والتشوُّق، كلّ مرة مثل أول مرة".
قد تنسى أجيال مشاهدي الرسوم المتحركة على سبيستون، تفاصيل القصص والأحداث، لكن ذاكرتهم السمعية، قطعاً لن تنسَى كلمات وألحان شارات البداية والنهاية، التي تمكّنت من النفاذ إلى دواخلهم لتسكن في قلوبهم وألسنتهم معاً، وبسماعها اليوم يعاودون ترديدها بخشوع صارم وتأثُّر عميق.
تكشفُ وصال في حديثها لـTRT عربي أنه "رغم أني نسيت تفاصيل قصص هذه الرسوم، فإن أغاني البداية والنهاية وكلماتها منقوشة بذاكرتي، ولا أزال أدندن بعضها من حين إلى آخر. حينما كبرت أصبحت أدرك معاني تلك الكلمات أكثر من ذي قبل، فمعظمها يدور في فلك القيم النبيلة والأخلاق السامية، كحب الوطن، وتقدير الصداقة، والأخوّة، والتمسك بالأحلام...".
"حمولات عاطفية وسلوكية"
إلى جانب الجماليات السمعية البصرية التي تمنح لحظات السعادة وتُذكِي الخيال، ساهمت الرسوم المتحركة التي تبثّها "قناة شباب المستقبل" في ترسيخ عدد من المبادئ والقيم النبيلة لدى المشاهدين الصغار، إذ يرتبط معظم برامجها المدبلجة والخاصة، بالعلاقات الإنسانية، مما يحفّز على أنماط سلوكية إيجابية، رغم الملاحظات المسجَّلة بخصوص بعض مشاهد العنف المعروضة في بعض الأفلام الكارتونية.
الإخصائي التربوي جمال العسري، يوضّح أنّ للتليفزيون ومختلف الوسائط السمعية-البصرية، تأثيراً كبيراً في تكوين الطفل وسلوكياته، ويشكّل وعيه بما يحيط، تحديداً البرامج الموجَّهة إليه التي تلقى متابعة كبيرة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الرسوم الكارتونية، خصوصاً خلال السنوات الماضية التي كان فيها استعمال الأجهزة التكنولوجية ضعيفاً، بل منعدماً".
ويتابع العسري في تصريح لموقع TRT عربي، بأنّ الأجيال الماضية ربما كانت أكثر حظّاً من الحالية، لكونها فتحت أعينها على قنوات فضائية، واكبت طفولتهم ببرامج ومسلسلات كارتونية محدودة وذات حمولات إنسانية وعاطفية مهمة، وتحت مراقبة ومتابعة حثيثة من الأبوين، عكس بعض أطفال اليوم، المبحرين في بحر كبير وشاسع من المعطيات والمعلومات الرقمية ووسط شبه لا مبالاة من طرف الآباء والأمهات، ما من شأنه أن يشكّل خطراً على تكوينهم، سواء النفسي والجسدي".
وبخصوص الحنين إلى فترات الطفولة وبرامجها، قال المتحدث إنّ "الطفل في سنواته الأولى يكون حسّاساً وسهل التأثّر بكل ما يحيط به، وبالتالي يسهل بناء علاقات وجدانية مع الفضاءات والأماكن والأشخاص، وهو نفس الشيء بالنسبة إلى المسلسلات والأغاني والشخصيات الخيالية التي يكبر معها".