في ظل التغيّر المناخي الآخذ في الازدياد، فضلاً عن الارتفاع الحاد بأسعار النفط عالمياً، أعلنت المفوضيّة الأوروبية في يوليو/تموز الماضي أنّها تدرس خطّة لوقف إنتاج وبيع السيّارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035 وتشجيع الانتقال نحو وسائل النقل والسيارات العاملة بالكهرباء، وهو ما سينعكس سلباً على اقتصادات الدول النفطية، والعربية منها على وجه الخصوص.
ووفقاً لبيانات عام 2019، نجد أن قطاع المواصلات في العالم يستحوذ على قرابة 60% من استهلاك النفط العالمي السنوي. ومن المعروف أن قطاع المواصلات لا يضم السيارات والباصات والشاحنات وحسب، لكنه يضم أيضاً الطائرات والسفن والقطع العسكرية.
وعلى الرغم من أن مختصين يرون أن شحن بطاريات السيارات سيحتاج إلى طاقة كهربائية مولدة من خلال محطات طاقة تعمل بالمشتقات النفطية، أشارت بيانات عام 2019 إلى أن استخدام النفط في توليد الكهرباء لا يتجاوز 5% من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط، أغلبه في الدول النامية. كما أن من شأن التطور العلمي في صناعة البطاريات بجانب الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية أن يقلل الاعتماد على النفط أيضاً في توليد الكهرباء.
حصة السيارات الكهربائية
على الرغم من ظهور السيارات الكهربائية منذ وقت قصير نسبياً، فإن عدد السيارات الكهربائية على الطرقات العالمية حتى نهاية العام الماضي بلغ نحو 10 ملايين سيارة، بزيادة 3 ملايين سيارة على عام 2019، أي بارتفاع سنوي مقداره 43%.
وشهد العام الماضي 2020 تفوق أوروبا للمرة الأولى على الصين من حيث الزيادة السنوية في عدد السيارات الكهربائية الجديدة ليصل عددها الإجمالي إلى 3.2 مليون سيارة، في حين لا تزال الصين صاحبة أكبر أسطول للسيارات الكهربائية عالمياً بـ4.5 مليون سيارة، وفقاً لتقرير وكالة الطاقة الدولية.
ووفقاً لتحليل جديد لسوق السيارات الكهربائية أجرته "بلومبيرغ لتمويل الطاقة الجديدة" (BNEF)، يتوقع أن تكون السيارات الكهربائية رخيصة الثمن مثل سيارات البنزين في غضون السنوات الـ8 القادمة، وأن يبلغ عددها 40-70 مليون سيارة بحلول 2025، وصولاً إلى 530 مليون سيارة بحلول 2040.
في السياق ذاته، وبعد هيمنة شركة "تسلا" الأمريكية على سوق السيارات الكهربائية، أعلنت شركات أوروبية كبرى مُنتجة للسيّارات مثل "فولفو" السويدية المملوكة للصين حالياً، و"فولكس فاغن" و"أودي" الألمانيتين، عن أنها ستتوقّف عن إنتاج سيارات الديزل والبنزين بحلول عام 2033 كجزء من خططها للحدّ من انبعاثات غاز الكربون، والتحول إلى السيارات الكهربائيّة التي يتزايد عليها الطلب عالمياً.
تشريعات تسارع الانتقال إلى السيارات الكهربائية
وفقاً لدراسة أجراها مركز سياسات الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا الأمريكية، فإن استهلاك سيارات الركاب من النفط يصل إلى نحو 25% من الطلب الإجمالي العالمي للنفط، لهذا حاز موضوع الانتقال إلى السيارات الكهربائية على اهتمام ضخم من الأشخاص والحكومات ووسائل الإعلام، اعتقاداً منهم أن الانتقال السريع من السيارات التقليدية العاملة بالمشتقات النفطية إلى السيارة الكهربائية النظيفة هو أمر ممكن وضروري، ليس فقط لتقليص الاحتباس الحراري، بل أيضاً لتخفيض استهلاك النفط الملوّث للبيئة وصاحب الأسعار غير المستقرة.
وعليه، بدأت الدول وعلى رأسها الصين ودول الاتحاد الأوربي وبعض الولايات الأمريكية سن القوانين والأنظمة التي تمنع بيع السيارات التقليدية بحلول العقود القادمة، وأبعدها 2050، في محاولة منهم لتنفيذ تعهدات "اتفاق باريس للمناخ 2015" الرامي إلى الحد من ارتفاع حرارة الأرض درجتين مئويتين.
تأثير السيارات الكهربائية على دول الخليج
لم يؤدِّ ارتفاع أسعار النفط إلى قلة الطلب عليه وحسب، بل فتح الباب واسعاً أمام البحث عن مصادر طاقة أخرى صديقة للبيئة على المدى القريب ورخيصة على المديين المتوسط والبعيد، الأمر الذي يشكّل تهديداً حقيقياً لاقتصادات الدول النفطية، بالأخصّ الخليجية، التي تشكّل العوائد النفطية نحو 80% من إيرادات حكوماتها، خصوصاً أن النسبة الكبرى من النفط تستهلكها السيارات التقليدية التي بدأت بخسارة المعركة أمام نظيراتها الكهربائية.
وفي تقرير لـ"CNBC" توقع محللو "باركليز" أن يتأثر الإنتاج اليومي للنفط لمنظمة أوبك بعد اعتماد السيارات الكهربائية وتحسين كفاءة استهلاك الوقود بالإضافة إلى محاولات الدول الأوروبية المستمرة للحدّ من استخدام الوقود الأحفوري، الأمر الذي سيقلص 3.5 ملايين برميل من الاستهلاك اليومي للنفط بحلول 2025.
وعلى أثر ذلك قد يواجهة النفط الخليجي انخفاضاً حادّاً في الطلب، وقد يصبح أرخص من الماء في المستقبل كما يتوقع البعض، الأمر الذي سيدفع الدول الخليجية إلى البحث عن بدائل أخرى غير النفط لتمويل ميزانيتها من خلال التوجه نحو توطين الصناعات والاستثمارات وإحداث نهضة حقيقية في الاقتصاد.