تابعنا
خلال السنوات الأخيرة، أصبح عدد من الدول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يتجه نحو الشرق، بما في ذلك شرق آسيا أو روسيا، لعقد شراكات في مجال الطاقة، سواء على مستوى الإنتاج أم تجارة الموارد الطاقية، وتشمل الطاقات الأحفورية كما الطاقات البديلة والمتجددة.

وهو الأمر الذي تأكد، خلال المنتدى العربي الصيني الأخير، والذي احتضنته بكين نهاية شهر مايو/أيار المنصرم، إذ حدد الرئيس الصيني شي جين بينغ، في كلمته أمام الحضور، الذي كان من بينهم قادة ووزراء دول عربية، 5 ركائز للتعاون بين الصين وتلك الدول، وعلى رأسها التعاون في مجال الطاقة.

وأكد شي في معرض كلامه مواصلة الجانب الصيني تعزيز التعاون الاستراتيجي مع نظرائه العرب في مجال النفط والغاز، وكذلك في البحث والتطوير لتقنيات الطاقة المتجددة وإنتاج المعدات المتعلقة بها.

كما أعلن عن مشاركة شركات الطاقة والمؤسسات المالية الصينية في مشاريع الطاقة المتجددة في الدول العربية، راصدة قدرة إنتاجية إجمالية تفوق 3 ملايين كيلوواط هدفاً لهذه المشاريع.

الطاقة عنوان التعاون بين الدول العربية والشرق

وأصبح هذا التعاون بين الصين ودول المنطقة العربية في مجال الطاقة، يأخذ حجماً وأهمية أكبر منذ تأسيس المنتدى العربي-الصيني عام 2004. بينما شهد وتيرة تنامٍ متسارع خلال العامين الأخيرين، إثر أزمة الطاقة التي شهدها العالم التي تضاعفت أيضاً بعد الحرب الروسية-الأوكرانية.

وهو ما يبرز في عدة محاور، على رأسها استيراد الطاقة الأحفورية من الشرق الأوسط والعمل على تطوير الطاقة المتجددة في المنطقة، إذ استوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية في عام 2023، وهو ما يعادل 47% من واردات الصين الإجمالية للنفط.

وفي فبراير/شباط الماضي، كشفت السفارة الصينية في بغداد أن بكين تستورد 44% من النفط في العراق، أي ما يعادل 55.49 مليون طن من الخام العراقي بقيمة 39.04 مليار دولار.

وفي السياق نفسه تعتبر الصين أيضاً المستورد الأول للنفط السعودي، إذ كشف تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" قبل عام، أن السعودية تتشاور مع الصين لتسعير بعض صادراتها النفطية باليوان، في خطوة يُتوقع أن تؤثر في سيادة الدولار بأسواق النفط العالمية، بتحالف أكبر مستورد في العالم للنفط مع أكبر مصدّر له.

ومن ناحية الطاقات المتجددة، تنامى في السنوات الأخيرة التعاون الصيني-العربي في مجال الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح والطاقة النووية والطاقة الهيدروجينية.

وفي هذا الصدد، نهاية 2022، وقّعت الرياض اتفاقية صادرات بتروكيماوية مع شركة تكرير صينية، بلغت قيمتها 10 مليارات دولار. وشملت الاتفاقية أيضاً تمويل إنشاء محطة تكرير البترول في الصين، واتفق الجانبان على التعاون في مجال "الاستخدامات السلمية للطاقة النووية"، حسبما كشفت وكالة الأنباء السعودية.

وفي مارس/آذار الماضي، جمع لقاء وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، مع رئيس فريق العمل الجزائري-الصيني المتخصص في التعاون في مجال الصناعة النووية ونائب رئيس الشركة الوطنية للطاقة النووية الصينية (CNNC) شانغ يانغ فانغ.

وأفاد بيان لوزارة الطاقة والمناجم الجزائرية وقتها بأن محادثات الجانبين تركّزت على البرنامج النووي الجزائري، وعلى علاقات التعاون بين محافظة الطاقة الذرية الجزائرية والشركة الصينية "سي إن إن سي" في مجال الطاقة النووية واستعمالاتها النشطة وغير النشطة للأغراض السلمية، وآفاق تطويرها مستقبلاً.

ويُعدُّ هذا اللقاء هو الثاني خلال عام، الذي يلتقي فيه مسؤولون جزائريون نظراءهم من دول الشرق لتباحث الملف النووي، إذ استقبل وزير الطاقة، محمد عرقاب، في مارس/آذار 2023 وفداً من شركة "روساتوم" الروسية، لمناقشة التعاون في تطوير مجال الطاقة النووية واستعمالاتها للأغراض السلمية.

وشرعت أبو ظبي في بناء محطة براكة عام 2011 بتعاون كوري جنوبي، وبتمويل إجمالي بلغ 24.4 مليار دولار، وتتكون هذه المحطة من أربع محطات حرارية، بقدرة توليدية تعادل 1345 ميغاواط/ساعة لكل واحدة منها، أي بمجموع 5600 ميغاواط/ساعة، وهو ما يغطي 25% من الحاجة الطاقية للبلاد.

وأعلنت مؤسَّسة الإمارات للطاقة النووية، في يوم 23 مارس/آذار الماضي، أنها أتمَّت بنجاح ربط المحطة الرابعة من محطات براكة بشبكة كهرباء دولة الإمارات العربية المتحدة، ما سيضيف نحو 1400 ميغاواط من الكهرباء النظيفة إلى الشبكة، وسيعزز مسار الإمارات نحو تحقيق أهداف مبادرة الدولة الاستراتيجية للحياد المُناخي بحلول عام 2050.

وقبل ما يقرب من عامين، أعلن مسؤول رئاسي في كوريا الجنوبية أن بلاده ستتولى بناء محطة "الضبعة" للطاقة النووية في مصر، وفق ما نقلت وكالة "يونهاب" الكورية.

كذلك تتجه مصر إلى الاستعانة بالشركات من كوريا الجنوبية لإقامة شبكة كهرباء ذات جهد عالٍ فائق، وفي هذا الإطار، أعلنت شركة "تايهان" الكورية للخطوط وحلول الطاقة، أنها فازت بمشروع طرحته القاهرة، لإقامة شبكة كهرباء، وفق منصة الطاقة المتخصصة.

وكشفت تقارير إعلامية نهاية عام 2022، استعداد الحكومة المغربية لتوقيع اتفاقات إنشاء أول محطة نووية في البلاد، وأضافت التقارير وقتها أن رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين وافق من جانبه على مشروع اتفاقية بين الحكومتين الروسية والمغربية للتعاون في مجال استخدام الطاقة النووية.

وحسب تلك التقارير، "ستساعد روسيا المغرب على إنشاء وتحسين البنية التحتية للطاقة النووية، وتصميم وبناء المفاعلات النووية"، كما "ستقدّم روسيا المساعدة للمغرب من أجل التنقيب عن رواسب اليورانيوم وتطويرها ودراسة قاعدة الموارد المعدنية في البلاد، وتدريب الكوادر العاملة في محطات الطاقة النووية"، غير أن وسائل إعلام مغربية أوضحت أن الأمر يتعلق بـ"مُفاعل نووي تجريبي (...) شبيه بذاك الموجود مسبقاً لدى المغرب في غابة المعمورة".

نحو تكامل عربي في مجال الطاقة

وبالإضافة إلى غناها بموارد الطاقة الأحفورية، تمتاز المنطقة العربية بمؤهلات طبيعية لتكون في ريادة إنتاج الطاقات البديلة، وهي أيضاً فرصة لتكامل تلك الدول فيما بينها من أجل تحقيق هذا الهدف. وفي 30 مايو/أيار الفائت، اختُتم معرض مصر للطاقة الشمسية "سولار شو مينا 2024" بتأكيده ضرورة الإسراع في تنفيذ مشاريع تحول الطاقة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحفيز مشروعات الطاقة المتجددة من أجل التغلب على أزمات الكهرباء الحالية.

وفي كلمته خلال الجلسة الحوارية بالمنتدى، أشار المستشار السابق بوزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية إيلي بو غصن إلى أن مصر والسعودية "تتبنيان خططاً طموحة في قطاع الطاقة المتجددة للاستفادة من موارد البلدين الهائلة من الشمس والرياح، وتخططان لإقامة مشروعات ضخمة"، ما ينتج عنه تبادل فائض الكهرباء المتوقع بين البلدين.

وأوضح أن مشروع الربط الكهربائي بين البلدين سيُسهِم في تغذية دول المنطقة بالكهرباء؛ نظراً إلى الموقع الجغرافي المتميز لكل من مصر والسعودية، لافتاً إلى أن مصر مرتبطة بقوة مع السودان وليبيا والأردن، في حين ترتبط السعودية مع دول الخليج.

وتوقّع كذلك أن تسهم مشروعات الربط الكهربائي في تقديم حل مميز لمشكلة عدم الاستقرار الشبكي في بعض دول المنطقة مثل لبنان وسوريا.

بدوره أوضح الخبير في نظم الطاقة الكهربائية ورئيس قسم شبكات النقل بمؤسسة كهرباء لبنان رمزي الدبيسي، في كلمته خلال فاعليات المعرض أن مشروعات الربط الكهربائي تسهم في إنشاء سوق طاقة متكاملة بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، كما تعمل على تشجيع التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة وتوفيرها بأقل الأسعار.

ولفت إلى أن الحرب الروسية-الأوكرانية، منحت فرصة فريدة لدول البحر المتوسط لتصدير الطاقة إلى القارة الأوروبية.

وبحسب محللين، هناك توجه مهم داخل الدول العربية نحو توطيد الشراكات مع نظرائهم في الشرق، وكذلك بين دول المنطقة في ما بينها، وهو ما تؤكده كل المعطيات الآنف ذكرها. بالمقابل، يمثل هذا التوجه إعادة رسم لخريطة التعاون الطاقي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد أصبحت هذه الشراكات تزحف شيئاً فشيئاً على حساب تحالفاتها التقليدية مع أوروبا والولايات المتحدة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً