مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا أواخر فبراير/شباط الماضي، تزامُناً مع موجات العقوبات الغربية الصارمة التي تستهدف ضرب الاقتصاد الروسي وفي الصميم منه قطاع الطاقة، حطّم الغرب المعتمد اعتماداً وثيقاً على روسيا كل المحرمات في مجال الطاقة وبدأ على الفور البحث عن مزودي طاقة آخرين لسد احتياجهم الهائل.
وإلى جانب البحث عن بدائل محتملة، تقود الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي مفاوضات حثيثة لإقناع أوبك بزيادة الإنتاج، ضاربين في ذلك بقضية المناخ عُرض الحائط، ومحطمين جميع المحظورات في ما يخصّ سياسات الحدّ من الانبعاثات التي تَبنَّوها قبل سنوات قليلة.
وفي استناد معظم الدول الكبرى إلى النفط والفحم ضمن مساعيهم للاستبدال بمصادر الطاقة الروسية، نُسيَت الوعود التي قطعوها حول السياسات نفسها التي شدّدوا على تبنّيها وتعهدوا بتنفيذها ضمن فاعليات مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ الذي عُقد في غلاسكو قريباً.
اضطراب أسواق الطاقة
في ظل الجائحة التي خيّمت ظلالها طوال السنتين الماضيتين، انخفض الطلب العالمي اليومي على النفط من 100 مليون برميل إلى 82 مليون برميل، لكن عودة الحياة إلى طبيعتها قبل بداية العام الجاري رفعت الطلب مرة أخرى إلى أكثر من 100 مليون برميل.
ومع الحرب الأوكرانية الروسية، وتزامناً مع تحوُّل الطاقة إلى سلاح، بلغت الأسعار ذروتها في جميع أنحاء العالم، عندما سجّل برميل نفط برنت 140 دولاراً، وتجاوز طن الفحم 500 دولار.
وحسب الباحثة في مركز "سيتا" بشرى أوزدمير التي تحدثت لموقع TRT Haber، فعلى الرغم من ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، لا يزال الوقود الأحفوري في الواقع أكثر فاعلية من حيث التكلفة مقارنة بعديد من التقنيات النظيفة. لذلك لا يزال خطيراً الطلب على النفط والموارد الأحفورية من البلدان النامية التي تسعى للحفاظ على استدامة اقتصادها.
وبينما بدأ عديد من الدول الأوروبية البحث عن خطط للتخلص من الاعتماد على روسيا، دفعت المشكلات الاقتصادية العالم إلى العودة إلى الفحم الرخيص، الذي استُهلك منه العام الماضي نحو 8 مليارات طن حول العالم.
تجاوُز كل المحرَّمات
قبل وباء كورونا والحرب الأوكرانية التي تلته، كان من المتوقع بلوغ الطلب على النفط في العالم ذروته بحلول عام 2030، ثم تُستبدل به موارد متجددة، فيما كانت الدول الغربية، لا سيما الأوروبية، ماضية قدماً في تنفيذ الخطط التي وضعتها بعناية لتقليص حضور الوقود الأحفوري في الأسواق العالمية، تحت شعار تقليص الانبعاثات.
وبعد أن كانت الدول الغربية تراهن حتى وقت قريب جداً على الطاقة النظيفة للحدّ من الوقود الأحفوري، يعمل كثير منها الآن لإيجاد البدائل وزيادة إمدادات الطاقة، نظيفة كانت أم لا، خوفاً من توقف الإمدادات الروسية فجأة، تماماً كما حصل مع بولندا وبلغاريا مؤخراً عندما قطعت موسكو الغاز عنهما لرفضهما التسديد بالروبل.
وفي ظل انهماك معظم دول العالم في دعم إمداداتها من الطاقة في أوقات غير مستقرة تشهدها الأسواق، حذّر الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن البعض قد يميل إلى "إهمال سياسات الحدّ من استخدام الوقود الأحفوري".
هل يأبه أحد بأمر الاحترار؟
خلال السنوات الأخيرة تمحورت النقاشات المتعلقة بسياسات المناخ حول التخلص التدريجي من الفحم، الوقود الأحفوري الأكثر إطلاقاً لغاز الكربون (أحد الأسباب الرئيسية في احترار كوكبنا). ورغم تعهُّد الاتحاد الأوروبي بمنع رواسب الفحم تدريجياً حتى عام 2030، فقد تؤثر التطورات الأخيرة في أوكرانيا سلباً على هذا القرار أيضاً.
ودفعت ارتدادات الحرب الأوكرانية الروسية بعض الحكومات الأوروبية إلى الاعتراف بمدى إدمان بلادها للوقود الأحفوري وصعوبة التخلص منه في ظل العقوبات الغربية التي تفرضها تباعاً على موسكو، وكان آخرها حظر إمدادات النفط الروسية عن الاتحاد الأوروبي تدريجياً خلال الأشهر الـ6 القادمة.
ووفقاً لمعظم خبراء الطاقة فإن العقوبات الغربية والمساعي التي ترافقها لقطع إمدادات النفط والغاز الروسيين من شأنها أن تزيد الانبعاثات رغم تَوسُّع استخدام الطاقة النظيفة، لأن هذه الممارسات قد تعرقل تنفيذ خطة التخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030 والاستعاضة عنه بالغاز المسال.
أما عالِم المناخ في جامعة مانشستر البريطانية كيفن أندرسون، فلا يرى أي إمكانية للحفاظ على نسبة احترار سنوية دون 1.5 درجة مئوية، إذا ما سجّل منتجو النفط والفحم أي زيادة في إنتاجهم.