منذ أسابيع والحدود بيلاروسيا تعرف تدفّق عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين المتوجهين نحو جيرانها في الاتحاد الأوروبي، بولندا وليتوانيا ولاتفيا. أمام هذا الواقع قررت الدول الثلاث شرعنة الترحيل القسري، في وقت تتعالى فيه أصوات داخل البرلمان الأوروبي مطالبة بمنع حدوث كارثة إنسانية، تُضاف لما يعانونه أساساً من ويلات البرد والجوع.
من جهة أخرى، وشتاء أوروبا يقترب، أحوال المهاجرين الآخرين الذين نجحوا في عبور الحدود الأوروبية ليست بأفضل. حيث يكابدون الظروف الجحيمية نفسها على الحدود بين فرنسا وإيطاليا، أو يواجهون الموت غرقاً في قناة المانش فداءً للعبة يريد بها ماكرون ابتزاز جارته الشمالية.
ترحيل قسري ورفض للاستقبال
منذ أسابيع والحدود البيلاروسية البولندية تعيش توافداً كبيراً لطالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي. مأساة، بحسب ما تداوله مراقبون، أثارها العداء بين بروكسل وحكومة لوكاشينكو في مينسك، فدفع هذا الأخير بالمهاجرين نحو جحيم غابات الحدود بينهما كرد فعل انتقامي على ذلك العداء.
فيما الجديد في القضية هو تدارس الدول الثلاث الحدودية مع بيلاروسيا إقرار قانون الترحيل القسري لهؤلاء اللاجئين نحو الحدود التي عبروا منها. وحشدت بولندا شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي آلاف الجنود على الحدود وشيّدت سياجاً شائكاً وفرضت حالة طوارئ ثلاثة أشهر في المنطقة الحدودية التي يُمنع على الصحافيين والمنظمات الإنسانية دخولها.
في المقابل، تعالت أصوات داخل البرلمان الأوروبي منددة بهذا الواقع المأساوي الذي تصرّ الدول الثلاث فرضه على أرض الواقع. وقالت النائبة البرلمانية الأوروبية عن ائتلاف الخضر، تينكي ستريك، إنّ "على المفوضية الأوروبية أن تكون حازمة إزاء دول بولندا ولتوانيا ولاتفيا كي تحضها على المضي قدماً في إقرار تلك الإجراءات".
وأضافت ستريك أن المخاوف جدية من أن تكون تلك الدول مثالاً يحتذى به بالنسبة لدول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي. فيما بالتزامن مع تحركات الدول الأوروبية الثلاث، قررت منظمات المجتمع المدني الألمانية الأخذ بزمام المبادرة، وإنقاذ مجموعة لاجئين من جحيم الحدود ونقلهم إلى البلاد.
وقالت منظمتا "زيبروكه دويتشلاند" و"ليف نون واند بيهايند"، في بيان لهما يوم الجمعة 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إنّ نشطاء في ألمانيا يخططون لقيادة حافلة إلى بولندا لجمع المهاجرين بهدف إحضارهم إلى ألمانيا. وأضافتا أنهما طلبتا من وزارة الداخلية "ضمان منح الحافلة تصريحاً في رحلة العودة لإحضار اللاجئين بأمان إلى ألمانيا كدليل على التضامن الأوروبي".
وردّت الداخلية الألمانية، على لسان المتحدث باسمها، شتيفه ألتر، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية بأنّ "النقل غير المصرّح به وأي دخول بدون إذنٍ قد يؤدي إلى عواقب قانونية"، مضيفاً أنّ الإعلان عن الإجراء في وقت مبكّر لن يغيّر شيئاً في هذا الصدد، مشدداً على وجوب مراعاة لوائح الاتحاد الأوروبي ذات الصلة.
جحيم بين فرنسا وإيطاليا
مأساة أخرى يعيشها المهاجرون داخل الاتحاد الأوروبي، وهي اقتراب الشتاء القارس مع ندرة مراكز الإيواء على الحدود بين إيطاليا وفرنسا. هذا ما تدقّ له منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" ناقوس الخطر، واصفة الوضع بـ"المعقّد والخطير على الحدود الإيطالية الفرنسية على حدٍ سواء في منطقة بريانسون الفرنسية وفي أولكس الإيطالية".
وأوضحت المنظمة في بيان أنّ عائلات بأكملها قادمة عبر طريق البلقان كما بعض المهاجرين الوافدين عبر البحر المتوسط، يواصلون محاولة عبور الحدود عند معبري "مونتجينيفر" و"فريجوس" للوصول إلى فرنسا، لكنّ مركزي الاستقبال على الحدود لا يحويان أماكن كافية للاستقبال. وأكّد موقع "ميلتينغ بوت أوروبا"، في تغريدته أنّ "فصل الشتاء قد حلّ في المنطقة وأنّ المركزين على جانبي الحدود لا يحويان أماكن كافية".
وقال بييرو جورزا، المسؤول عن منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" في بيدمونت الإيطالية، إنّ القضية تتعلق بالحجم والنوع، مشيراً إلى أنّ "التعقيد ليس فقط في الأعداد، التي تصل إلى أكثر من 1550 شخصاً في أولكس، لكن أيضاً في المكوّنات الاجتماعية للأشخاص الواصلين".
وأضاف أنّ "المهاجرين الذين يمرّون عبر الوادي في الوقت الحالي هم في الأساس عائلات، وهناك أطفال ورضّع ونساء حوامل، والخطر هو أنّ رحلة هؤلاء الأشخاص تصبح أكثر خطورة عندما تنخفض درجات الحرارة، علاوة على ذلك، قُلل عدد الحافلات والقطارات إلى مناطق أخرى في فرنسا، ويلزم إجراء اختبار كوفيد-19 السلبي للسفر".
فيما لا يزال ضغط العبور على قناة المانش مشتداً مع اشتداد الخلاف بين فرنسا وبريطانيا حول مسألة الصيد البحري والإعانات المالية البريطانية لشرطة الحدود الفرنسية. حيث سجّل مطلع الشهر الماضي عبور نحو 1500 مرشح للهجرة إلى السواحل البريطانية على متن نحو 40 قارباً، وفق المحافظة البحرية للمانش وبحر الشمال.
أتى ذلك تزامناً مع تحذير وزير الداخلية الفرنسي الجانبَ البريطاني من التأخّر في تسليم ما اتُّفق عليه من مساعدات مالية لفرنسا. وكانت بريطانيا قد وافقت في شهر يوليو/تموز الماضي، على تقديم حزمة إعانات مالية بلغ قدرها 63 مليون يورو، لمنع قوارب المهاجرين من الانطلاق من شواطئ فرنسا الشمالية.