قال شكري في المؤتمر الصحفي المشترك الذى عُقد في القاهرة الإثنين 12 أبريل/نيسان 2021 مع نظيره الروسي: "إنّ أيّ إجراء أحادي الجانب من إثيوبيا ستكون له تداعياته على مصر والسودان". مضيفاً أنّ مصر تعوّل على الدور الروسي في الحيلولة دون قيام إثيوبيا بدور أحادي.
ومنذ انهيار مفاوضات كينشاسا في 6 أبريل/نيسان 2021 الجاري، اتخذت مصر والسودان مساراً تصعيدياً موحداً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً. حيث أجرت الدولتان التدريب الجوي المشترك في قاعدة مروي العسكرية شمال السودان تزامناً مع مفاوضات الكونغو سُمّيت بـ(نسور النّيل 2)، ووصفها رئيسا هيئة الأركان في الجيشين المصري والسوداني "بأنّها قياس مدى جاهزية واستعداد القوات لتنفيذ عمليات مشتركة على الأهداف المختلفة".
ومن جانبها حمّلت إثيوبيا دولتي المصبّ مصر والسودان فشل المفاوضات، وقال بيان الخارجية الإثيوبية إنّ البلدين اتبعا نهجاً يسعى إلى تقويض العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي، كما عرقلا استئناف المفاوضات. وأكدت أنّ إثيوبيا لا يمكن أن تكون جزءاً مِن اتفاق مِن شأنه حرمانها مِن حقوقها في استخدام نهر النيل، معلنة أنّ بداية التعبئة الثانية للسدّ ستكون في موعدها، في شهر يونيو/حزيران القادم، لأنّ تأجيل ذلك سيكلف إثيوبيا مليار دولار، وسيؤدّي إلى تأخّر التنمية. مِن ناحية أخرى توقعت إثيوبيا استئناف الاجتماعات بشأن سدّ النهضة في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري، بناء على دعوةٍ من الاتحاد الإفريقي، حسب البيان ذاته.
هل يتحوّل صراع سدّ النهضة مِن الصراع الفنيّ والقانوني إلى العسكري؟
منذ تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحفي في زيارته قناةَ السويس في 30 مارس/آذار الماضي الذي قال فيه: "إنّ أحداً لن يستطيع المساس بحق مصر في مياه النيل". محذراً مِن أنّ المساس به "خط أحمر" وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها.
وأضاف السيسي في تصريحاته: "لا أحد يستطيع أخذ قطرة مياه من مياه مصر. ومن يريد المحاولة فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوّتنا".
وأشار السيسي إلى أنّه لا يهدد أحداً بتصريحاته، مؤكداً أنّ "العمل العدائي أمر قبيح وله تأثيرات طويلة لا تنساها الشعوب".
اعتُبرت هذه التصريحات انتقالاً إلى مربع الاستعداد لمرحلة قادمة لا محالة. كما تعبّر عن فقدان مصر الثقة في التفاوض، ومخاوفها مِن إصرار إثيوبيا على بدء المرحلة الثانية مِن تعبئة البحيرة المقدر بـ74 مليار متر مكعب. وفي ذات الاتجاه يمضي السودان، حيث قال عضو مجلس السيادة السوداني الفريق ياسر العطا الأحد 12 أبريل/نيسان 2021 في كلمة ألقاها بمنطقة مروي العسكرية أمام ضباط وجنود القوات المسلحة إنّ بلاده "لا ترغب في حرب مع إثيوبيا، ولكنْ إذا فُرضت عليها فستنتصر لأنّها على حق". وأضاف العطا أنّ السودان لن يتنازل عن مناطق الفشقة الحدودية، وقال: "لا نريد الدخول معهم في حرب".
بات واضحاً أنّ الجانب العسكري إذا لم يدخل مباشرة في قضية سدّ النهضة، أصبح التلويح به والاستعداد إليه من السيناريوهات متوقعة الحدوث.
الموقف السوداني
يرى مراقبون أنّ الموقف السوداني المتضامن والدّاعم للموقف المصري أحدث تغييراً كبيراً في سير المفاوضات. إذ إنّ المخاوف السودانية الفنيّة مِن إنشاء سد النهضة سبق وأن تعهدت الحكومة الإثيوبية بتلبيتها، خاصة المتضمنة مخاوف السودان بشأن سلامة السد، وتبادل البيانات والقضايا الفنية الأخرى في جدول أعمال التفاوض. ولم يعد السودان يشعر بالقلق مِن تأثيرٍ سلبي على حصته المائية بقيام السد. بل يذهب كثيرٌ مِن الخبراء إلى أنّ السودان هو الطرف الأكثر استفادة من قيام سد النهضة. وأنّ السودان يمكن أن يستفيد سنوياً مِن عشرة مليار متر مكعب من حصته المائية والتي كانت تذهب إلى مصر. كما يمكن للسودان الاستفادة من انتظام انسياب مياه النيل الأزرق في إقامة ثلاثة مواسم زراعية بدلاً من عروة واحدة في موسم الفيضان، ويستفيد أيضاً من تقليل كمية الإطماء، مما يساعد في ارتفاع نسبة التوليد الكهربائي في خزّاني الرصيرص ومروي. والسيطرة على الفيضانات التي كانت تضرّ بالسودان سنوياً. بيد أنّ تغيّر موقف السودان أدى إلى تعقيد ملف التفاوض وتباعد المواقف كما يرى الكاتب الصحفي محمد عمر في حديثه إلى TRT عربي مبيّناً أنّ "الخبراء في السودان منشقّون حول فوائد سد النهضة، والمتخوّفون منهم يرون أنّ إثيوبيا يمكن أن تستخدم سلاح المياه ضد السودان، إذا لم يكن هناك اتفاق فني وقانوني ملزم، كما يطالب السودان ومصر".
الموقف الإثيوبي
ظلّت إثيوبيا تكرر دائما أنّ سدّ النهضة مشروع قومي وأنّ الحكومة ستواصل استكماله، مع التّأكيد على أنّ إثيوبيا لا تريد الإضرار بجيرانها، في حين عدّت الخارجية الإثيوبية مقترح الوساطة الرباعية الدولية الذي قدمه السودان وأيّدته مصر بشأن السد غير مُجدٍ. في وقت يرى فيه مراقبون أنّ المقترحات التي قدّمتها إثيوبيا للسودان ومصر بعد انهيار مفاوضات كينشاسا "هي محاولة لكسب الوقت ومناورات لا تجدي". ففي تصريحات خاصة لـTRT عربي أكّد الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بالخرطوم جمال شريف "أنّ المقترح الإثيوبي الذي قدمته كلٌّ مِن مصر والسودان بقبول تبادل المعلومات والخبرات الفنية، مِن دون إلزام قانوني يُعتبر محاولة غير مجدية، وأنّ إثيوبيا ماضية في تعبئة السد في يوليو/حزيران القادم، خاصة وأنّ بناء السد قد اكتمل بنسبة 79%، الأمر الذي يجعل السدّ أمراً واقعياً والمواجهة قادمة لا محالة".
الموقف المصري
بات واضحاً أنّ مصر فقدت الأمل في الوصول إلى اتفاق ثلاثي يضمن لها حقوقها التاريخية في مياه النيل. وأنّ مصر أصبحت مقتنعة أيضا بأن إثيوبيا لن توقف العمل في سد النهضة، لذلك بدأت تستعد للأسوأ، فباتت تلوّح باستخدام القوة إذا ما أقدمت إثيوبيا على إجراءات أحادية وعبّأت السد منفردة. ويرى مراقبون أنّ إستراتيجية مصر كانت قائمة على تعطيل بناء السد، الأمر الذي يعد خطأً إستراتيجيا، متزامناً مع تفاوض استمر عشر سنوات، دون أن توقف إثيوبيا مشروعها، حتى أوصلته إلى مراحله النهائية.
هل المواجهة العسكرية باتت وشيكة؟
يرى الخبير العسكري الصوارمي خالد سعد، الناطق الرسمي الأسبق باسم القوات المسلحة السودانية في حديثه لـTRT عربي "أنّ الخيار العسكري إذا ما وقع فمن المرجح أن تكون ضربة جوية عبر الطائرات أو الصواريخ، ولكن لا يمكن لمصر القيام بهذا العمل دون دعم لوجستي من السودان، أو مِن البحر عبر إرتريا. مرجّحاً أن يكون السّودان هو من يُسهّل العملية العسكرية إذا ما قامت بها مصر مستبعداً المشاركة المباشرة"، مضيفاً "أنّ إثيوبيا لها القدرة الدفاعية، وأنّها تتحسّب لمثل هذا السيناريو. كما يمكن لإثيوبيا الردّ بضرب السد العالي. وستكون حرباً معقّدة ومدمرة إذا ما بدأت فلن تنتهي". والسودان سيكون الخاسر الأكبر إذا ما انهار سد النهضة بضربة جوية، فإن ذلك سيؤدي إلى تدمير كل الأراضي حول النيل الأزرق وغرقها، وسيكون له بالغ الأثر في خزاني الروصيرص وسنار.
حالة الترقب قبل مرحلة التعبئة الثانية
ستسود المنطقة حالة مِن التوتر والترقب السياسي والأمني حتى يوليو/حزيران موعد المرحلة الثانية للتعبئة، ويرى متابعون أنّ الموقف الإثيوبي سيظلّ متقدماً على محاولات السودان ومصر الرامية إلى إعاقته، كما أنّ جولة المفاوضات القادمة التي دعا إليها الاتحاد الإفريقي في الأسبوع الثالث مِن الشهر الجاري ستكون مثل سابقاتها، ولن تخرج باتفاق يُرضي جميع الأطراف، بيد أنّ مَن يقود الحرب سيضطرّ إلى دفع تكلفتها المادية والإنسانية في إقليم مضطرب وهش.