خلال الأيام الماضية ناقش مجلس الأمن الإسرائيلي المصغر إمكانية الاستعانة بشركات أمنية للمساعدة على توزيع المساعدات داخل القطاع. ووفقاً لوسائل إعلام عبرية، تختلف هذه النقاشات عن سابقاتها، إذ غابت عنها معارضة وزير الدفاع السابق غالانت، الذي سبق أن عارض مثل هذه التوجهات مراراً خلال فترة ولايته، خصوصاً مع إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
على خلفية هذه التطورات، صرّح غالانت الأربعاء الماضي بأن "الحديث عن توزيع الغذاء على سكان غزة من خلال شركات خاصة تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، ليس إلا مدخلاً لبداية حكم عسكري". وأضاف: "ثمن الدم سيدفعه جنود الجيش الإسرائيلي، كما ستتحمل دولة إسرائيل كلفة ترتيب سيّئ للأولويات سيؤدي إلى إهمال مهامّ أمنية أكثر أهمية".
ضبابية اليوم التالي إسرائيلياً
تتفادى حكومة الاحتلال منذ بداية الحرب تقديم تصورات واضحة لما بعد الحرب على غزة، لكنّها تؤكد رفضها القاطع لأي دور للسلطة الفلسطينية أو حركة حماس في إدارة القطاع، فيما تظلّ قضايا مثل طبيعة الحكم وإدارة السكان غامضة.
يشير الباحث والكاتب الفلسطيني حسن كمال إلى أن "الخطط والتصورات الأساسية ليست واضحة، فالاستراتيجية السياسية لجيش الاحتلال قائمة على إلحاق أكبر قدر ممكن من الدمار في غزة، وتدمير كل منظومات الحكم والمقاومة، وأي أشكال للتنظيم الاجتماعي للمجتمع الغزي".
وأضاف كمال في حديثه لـTRT عربي، أن النتائج التي ستفرزها عمليات جيش الاحتلال "ستبلور السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع، إذ يعتبر اليمين الإسرائيلي الوضع فرصة للاستيطان، أو على الأقلّ لإنهاء الوجود السياسي للمجتمع الفلسطيني في غزة".
أما الباحث في الشؤون الإسرائيلية صلاح العواودة، فيرى أن "هدف الجيش هو ممارسة الضغط العسكري على المقاومة لتحقيق صفقة تبادل. يشمل ذلك تقييد حركة السكان، بخاصة في شمال القطاع، وكذلك في المناطق الأخرى".
خيار الاحتلال
ليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها الحديث عن بناء وجود إسرائيلي دائم في قطاع غزة، فمنذ بداية الحرب عبّر اليمين الإسرائيلي المتطرف عن رغبته في إعادة الاستيطان إلى القطاع. في يناير الماضي، نظمت أحزاب يمينية متطرفة مؤتمراً يدعو إلى العودة للاستيطان في غزة، وعاد الحديث عن هذا الخيار في مايو/أيار الماضي بعد تسريبات لرئيس الوزراء نتنياهو ألمح فيها إلى إمكانية بناء حكم عسكري هناك.
يشير حسن كمال إلى أن الداخل الإسرائيلي منقسم إلى اتجاهين رئيسيين: "الأول يمثله اليمين المتطرف، الذي يدعو إلى بقاء دائم في غزة من خلال إدارة محلية غير سياسية وغير مرتبطة بحماس أو السلطة الفلسطينية، مع إقامة مجتمعات معزول بعضها عن بعض". أما الاتجاه الثاني فيمثله رأي المؤسسة العسكرية التي ترى أن "البقاء في غزة مكلّف جدّاً، ويمكن التعاون مع السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع مع الاحتفاظ بنفوذ أمني إسرائيلي داخله".
ويؤكّد العواودة لـTRT عربي أن جيش الاحتلال جادّ في مسألة الحكم العسكري، لكنه "يسعى إلى تحقيقه بشكل غير مباشر كما هو الحال في الضفة الغربية، إذ لا يرغب في تَحمُّل أعباء إدارة حياة السكان والاحتكاك اليومي معهم، لذلك يبحث عن بدائل عديدة. أما من حيث السيطرة العسكرية والأمنية، فهو جادّ جدّاً".
من جانبه، يرى الباحث الفلسطيني محمود الرنتيسي أن الاحتلال سيواجه تحديات كبيرة إذا ما استمر وجوده في القطاع، موضحاً أنه "ما دام في غزة فلسطينيون يحملون السلاح، فسيظل الاحتلال تحت تهديد دائم".
ويضيف الرنتيسي لـTRT عربي أن "هذا التهديد يعني الحاجة إلى تخصيص موارد ضخمة وأعداد كبيرة من الجنود لمتابعة الوضع هناك، ما يشكل عبئاً كبيراً على الاحتلال، سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، بخاصة أن خيار الحكم العسكري قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع في مناطق أخرى".
السياسة على ظهر المساعدات
تُعَدّ قضية توزيع المساعدات من أكثر الملفات حساسية، إذ تعكس شكل السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع في الفترة المقبلة. خلال الأشهر الماضية بحثت حكومة وجيش الاحتلال الأساليب الأنسب لإدارة توزيع المساعدات في غزة.
يوضح الرنتيسي أن "استخدام هذه الآليات لأغراض سياسية أو محاولة جعلها دائمة ليس سهلاً، إذ يصعب على الاحتلال ترسيخ مثل هذه الحلول سياسياً على المدى الطويل". ويشير إلى أن هذه الحلول مؤقتة يمكن تنفيذها "في المناطق التي فُرّغَت كثيراً من السكان، لكن رغم ذلك ستظلّ تواجه تحديات كبيرة إذا حاول الاحتلال فرضها دائماً".
سبق للقناة 12 العبرية أن أشارت في سبتمبر/أيلول الماضي إلى اقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتولى جيش الاحتلال نفسه توزيع المساعدات، وهو ما قوبل برفض من الجيش خشية التورط في احتلال دائم وتكبد خسائر بشرية.
في الآونة الأخيرة ظهرت مقترحات جديدة تتمثل في تكليف شركات أمنية أمريكية مهمة تأمين وتوزيع المساعدات. ويؤكد حسن كمال أن فرص نجاح هذه الخيارات "لا تزال محدودة في ظل طبيعة الحرب الجارية في غزة واستمرار المقاومة. القضاء الكامل على المقاومة يبدو مستبعَداً، ما يجعل نجاح هذه الخطط مؤقتاً وغير مضمون".