لكن الأزمات بلغت ذروتها في العام الماضي بعد تشديد العقوبات الأمريكية وتفشي وباء كورونا ووقوع البلاد على حافة مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، إضافة إلى اتساع الهوة بين المواطن والنظام. فكيف سيكون الحال في العام الجديد؟
على الصعيد الاقتصادي
كان العام الماضي من أقسى الأعوام بتاريخ الجمهورية الإسلامية من الناحية الاقتصادية، وهو ما اعترف به الرئيس حسن روحاني الذي زاد بأن اعتبره أسوأ عام يمر على البلاد من حيث الإيرادات النفطية خلال 60 عاماً.
حرمت العقوبات المفروضة على قطاع النفط الحكومة من 50 مليار دولار سنويًا. وجرى تجميد ما لا يقل عن 45 مليار دولار من الأموال الإيرانية في بنوك "أصدقاء إيران"، وكان لانخفاض أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا آثار كارثية على الاقتصاد.
أسفرت العقوبات والوباء إضافة إلى عوامل كالفساد وانعدام الكفاءة والشفافية وسوء الإدارة والمحسوبية عن ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين إلى مستويات غير مسبوقة. كما أدت إلى كساد لم تعرفه البلاد في العقود الأخيرة إضافة إلى إغلاق ألوف المعامل وورش الإنتاج. ونُظمت نتيجة ذلك مئات الوقفات الاحتجاجية المطلبية.
على الصعيد السياسي والأمني
شهدت السنة الفائتة تراجعاً كبيراً بثقة المواطن بالنظام لا سيما بعد تنصّل الرئيس روحاني من وعوده، والكشف عن محاولة السلطات إخفاء حقيقة إسقاط الحرس الثوري طائرة الركاب الأوكرانية، وكذلك عن مدى العنف المستخدم في قمع الاحتجاجات في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
اتضحت نتيجة فقدان الثقة هذه في نسبة المشاركة المنخفضة في الانتخابات البرلمانية والتي أسفرت عن اكتساح المحافظين مقاعد مجلس الشورى.
وكما كان متوقعاً، طفا الخلاف بين المجلس الجديد والحكومة على السطح ووصل إلى حد محاولة عزل الرئيس روحاني لولا تدخل المرشد. كما أقر المجلس قانوناً عارضته الحكومة يُلزمها بالتخلي عن التزاماتها النووية تدريجياً في حال عدم رفع العقوبات.
وشهدت الشهور الأخيرة من ولاية ترمب تصعيداً من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل جعل البعض يعتقد بإمكانية حدوث مواجهة ولو محدودة. وبرز هذا التصعيد في فرض مزيد من العقوبات، ومحاولات توقيف شحنات نفط إيرانية إلى فنزويلا، وقوع سلسلة من الحرائق والانفجارات في منشآت إيرانية حساسة كان أبرزها انفجار في منشأة نظنز النووية، واغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، وتكثيف الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع تابعة للحرس الثوري في سوريا، وإرسال بوارج حربية إلى الخليج.
تنفست إيران الصعداء مع رحيل ترمب وصعود بايدن للسلطة، إلا أن الآمال برفع العقوبات وعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي لم تتحقق. صحيح أن الإدارة الجديدة أرسلت رسائل إيجابية لطهران، لكن الأخيرة اعتبرتها غير كافية لتعود لالتزاماتها وفق الاتفاق النووي.
ورغم مضي أكثر من شهرين على تسلم إدارة بايدن السلطة، يصر كل من الجانبين على أن يبدأ الطرف الآخر بالخطوة الأولى.
تحاول إيران منذ شهور تحسين أوراقها التفاوضية والضغط على الإدارة الأمريكية من خلال سلسلة من الخطوات التصعيدية، كإيقاف العمل بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي، إعلان المرشد عن إمكانية رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% إن اقتضت الحاجة، تكثيف الميليشيات الموالية لها من حملاتها ضد القوات الأمريكية في العراق، تكثيف الحوثيين من استهدافهم لمواقع سعودية حساسة والكشف عن قواعد صواريخ بالستية تحت الأرض على سواحل الخليج. وفي هذا السياق أيضاً يمكن وضع الإعلان عن توقيع وثيقة للتعاون الشامل بين طهران وبيجين بعد أيام من بدء العام الجديد.
خارطة طريق العام الجديد
كما جرت العادة ألقى المرشد الإيراني علي خامنئي كلمة بمناسبة السنة الجديدة رسم فيها الخطوط العريضة للسياسة في المرحلة المقبلة. وبدا واضحاً أن الانتخابات الرئاسية تشكل أكبر الهواجس لديه. حدّد الصفات الواجب توفرها في الرئيس المقبل ما يمكن اعتباره إشارة لمرشح معيّن وهي: الكفاءة، والإيمان، والمطالبة بالعدالة، ومحاربة الفساد، والتوجهات الثورية والجهادية، والاعتقاد بالقدرات الداخلية، الاعتقاد بأهمية الشباب، التفاؤل بالمستقبل، القرب من المواطنين وهمومهم.
كما وجّه انتقادات للقائلين بأن رئيس الجمهورية لا يمتلك صلاحيات واسعة ورأى أن هذا الكلام يعبر إما عن جهل بحقيقة الأمور أو سوء نية أو تهرب من المسؤولية.
من الواضح أنه يهدف من خلال هذه الانتقادات إلى أمرين: أولاً، دفع الناخبين إلى صناديق الاقتراع بعد ظهور مؤشرات تنبؤ بضعف المشاركة في الانتخابات. وثانيًا، إنكار المزاعم بأن منصب الرئاسة غير مهم في ظل وجود المرشد. كما أن حديثه عن محاولات أمريكا وإسرائيل التأثير في الانتخابات عبر حثّ المواطنين على عدم المشاركة فيها يشير إلى مخاوفه من انخفاض حاد في نسبة المشاركة.
على صعيد آخر، بعد أقل من ثلاثة شهور على تصريحاته بأنه لا ينبغي التأخر ولو لساعة واحدة في رفع العقوبات إن أمكن ذلك، وبعد أن تراجعت الآمال بتخلي إدارة بايدن عن ورقة العقوبات قبل عودة طهران للاتفاق، صرّح المرشد بأنه غير مستعجل في التفاوض.
وأكد أنه لا تغيير في مطالب بلاده بخصوص إلغاء الإدارة الأمريكية لجميع العقوبات وتحقُّق طهران من ذلك قبل عودتها لالتزاماتها وفق الاتفاق النووي، وطالب رئيس الجمهورية القادم ببناء خططه الاقتصادية على أساس بقاء العقوبات.
يبدو من هذه التصريحات أنها تأتي لقطع الطريق على حكومة روحاني التي تبذل كل ما بوسعها لإقناع واشنطن بالعودة للاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية في حزيران المقبل وأن المرشد يعوّل على الوثيقة الموقّعة مع الصين.
وبعد التوقيع على الوثيقة، اتفق زعماء فرنسا وألمانيا وروسيا على العمل معاً لإعادة إيران لالتزاماتها وفق الاتفاق النووي ويتوقع أن تنضم الصين لهذه الجهود.
كما شهدنا في الأيام الأخيرة ارتفاع الأصوات الغربية المطالبة بعودة الولايات المتحدة للاتفاق بذريعة عدم إفساح المجال للصين للنفوذ أكثر في المنطقة. لكن رغم هذه الجهود، من المستبعد أن نشهد مفاوضات جادة بين إيران وأمريكا خلال الشهور الثلاثة المقبلة في الحد الأدنى.
سيكون النظام الإيراني بعد الانتخابات الإيرانية المزمعة على مفترق طرق: إما القبول بالعودة لاتفاق نووي معدّل والرضوخ للتفاوض على الملفين الصاروخي والنفوذ الإقليمي، وإما الاستمرار في تحمل العقوبات والضغوط الاقتصادية وحرمانه من الاستفادة المرجوة من وثيقة التعاون المشترك مع الصين. صحيح أن الوثيقة المذكورة ستعود عليه بالنفع في حال تنفيذها، لكن من غير المتوقع أن يكون لها أثر على المدى المنظور.
أزمة النظام الإيراني لا تتلخص في الجانب الاقتصادي، بل تتعدّى ذلك إلى جوانب أعمق تأثيراً وأكثر خطورة، ويبدو من الرسالة التي أرسلها أكثر من مائة ناشط سياسي ومدني إيراني من داخل البلاد إلى الأمين العام للأمم المتحدة مع بداية العام الجديد والمطالبة بدعم المنظمة الدولية "لإجراء استفتاء وطني بإشراف دولي من أجل انتقال سلمي إلى حكومة ديمقراطية علمانية في إيران" أنه سيتعين على النظام أن يواجه تحديات أكبر في العام الحالي بعد تزايد الفجوة بينه وبين شريحة واسعة من مواطنيه ممّن فقد الأمل تماماً بإمكانية إصلاحه.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.