ومنذ الاستقلال سعت الحكومات الهندية لتفتيت وجود المسلمين كقوة سياسية مؤثرة في البلاد، كما عملت على إضعاف وجودهم في الولايات التي كانوا يشكلون فيها غالبية سكانية، من خلال سن قوانين إحلال تسمح للهندوس بالاستيلاء على مناطقهم وترحيلهم منها، وهو ما حدث في ما كان يُعرف بولاية حيدر آباد وغيرها، ويطبَّق الآن في ولاية آسام وإقليم كشمير.
التوازن الديموغرافي
وعند الحديث عن المسلمين في الهند، لا بد من الإشارة إلى محورين أساسيين يشكلان في ذات الوقت مفارقة تظهر كيف يتم التعامل مع كونهم أقلية -رغم تعدادهم الكبير- في بلاد تحكمها ثقافة دينية موغلة في التعصب والطبقية.
يتمثل المحور الأول في الحركة القومية الهندوسية (الهِندوتوا) التي تشنّ حرباً بلا هوادة ضد الأقليات في الهند وفي مقدمتهم المسلمون، ويُعتبر الحزب القومي الهندوسي المتطرف الحاكم اليوم الذي يقوده رئيس الوزراء ناريندرا مودي الجناح السياسي لهذه الحركة، التي تعتبر المسلمين خطراً على أمن الهند وهويتها الأصيلة.
تدعو هذه الحركة إلى نقاء العرق الهندوسي، بحيث تكون الهند للهندوس فقط، أما غيرهم فهم دخلاء غرباء يجب طردهم، أو أن يعيشوا كمواطنين من الدرجة الثانية.
كما تحذر هذه الحركة وفق أدبياتها من انحراف التوازن الديموغرافي الوطني لصالح المسلمين، رغم أن عدد المسلمين في الهند لا يتجاوز 200 مليون، في حين يبلغ عدد الهندوس نحو مليار.
وتزعم الحركة أن المسلمين لهم مخطط مدروس للاستيلاء على السلطة السياسية من خلال نموهم السكاني بوتيرة متسارعة بحيث تصعب السيطرة عليه.
وقد نشأ عن هذا الفكر الشعبوي المتطرف، ممارسات عديدة برعاية حكومية ضد مسلمي البلاد، إلى الحد الذي استهدفت فيه حياتهم في كثير من الأوقات، فضلاً عن أرضهم وثقافتهم وقيمهم الثقافية ومقدساتهم الدينية.
التهميش السياسي وتمثيل المسلمين
أما المحور الآخر فهو سعي القوميين الهندوس أنفسهم إلى التقليل من أعداد المسلمين عند الحديث عن حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، مثل التمثيل في البرلمان والحكومات المحلية والمناصب الوزارية، والحق في التملك والاستثمار.
وقد أظهر آخر تعداد للسكان عام 2011 أن عدد الهندوس بلغ نحو 80% من عدد السكان، فيما يشكل المسلمون نحو 15%، والمسيحيون عند نسبة 2.3%، وطائفة السيخ نحو 2%.
دخل الإسلام الهند في القرن الحادي عشر للميلاد، واستقر الحكم له وقامت دولته على يد السلطان محمود الغزنوي، وامتد الحكم الإسلامي في البلاد لأكثر من ثمانية قرون، حتى مجيء الاحتلال البريطاني أواسط القرن التاسع عشر.
واليوم يشكّل المسلمون السنة نحو 85% من عدد مسلمي الهند في حين يشكّل الشيعة النسبة الباقية، ويتبع معظم السنة في الهند مذهب الإمام أبي حنيفة، فيما توجد نسبة قليلة منهم يتبعون المذهب الشافعي في جنوبي البلاد، وتتركز غالبيتهم في شمال الهند وخصوصاً في ولايات أوتار براديش وبيهار وآسام والبنغال الغربية وكشمير وفي مدينة حيدر آباد عاصمة ولاية تيلانغانا التي تقع في الشطر الشمالي من جنوب الهند، كما توجد مناطق للمسلمين في شمال ولاية كيرالا جنوباً.
ورغم هذا الوجود الكبير للمسلمين في الهند، فإن القوانين الهندية على مر المراحل السياسية في البلاد حالت دون تشكيل أحزاب كبيرة تمثلهم وتدافع عن قضاياهم، ويكفي أن نعلم أن تمثيل المسلمين في مؤسسات الدولة لا يتجاوز نسبة 2%.
ونتيجة لهذا التهميش فقد اضطُرّ معظم السياسيين من المسلمين إلى الانخراط في بعض الأحزاب الهندوسية الكبيرة مثل حزب المؤتمر الذي قادته عائلة القائد السياسي جواهر لال نهرو ومن بعده ابنته أنديرا غاندي ونجلها راجيف ومن بعده زوجته سونيا ثم أخيراً نجلها راهول.
كما شكّل المسلمون اتحادات ومجالس ومنظمات تنشط على المستوى الاجتماعي المحلي، لكن لم يكن لها حضور في الحلبة السياسية، مع استثناء ظهر في تمثيل حزبي بسيط في ولاية كيرلا تمثل بحزب الرابطة الإسلامية، وحزب الجبهة الديمقراطية في جنوب ولاية آسام، وحزب مجلس اتحاد المسلمين في مدينة حيدر آباد.
أما تمثيلهم في البرلمان المركزي (لوك سابها) الذي يبلغ عدد أعضائه 545، فلم يتجاوز بأحسن الأحوال 40 نائباً، فيما يبلغ عددهم الآن 23 نائباً موزعين على عدد من الأحزاب، ولا يمثلون قوة سياسية، ولا يحسب لهم حساب، والصورة نفسها تنعكس على المجالس التشريعية للولايات.
وفي الناحية التعليمية أسس المسلمون في الهند عدداً من الجامعات والمدارس الدينية، من أشهرها الجامعة الإسلامية دار العلوم في مدينة ديوبند، وجامعة ندوة العلماء في مدينة لكناو التي ينتمي إليها الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله، والجامعة العثمانية في حيدر آباد، والجامعة الملية في العاصمة دلهي.
وبالنظر إلى تأثيرهم الاقتصادي في البلاد، فهو قليل جداً مقارنة مع عددهم، وهناك عدد قليل من الشركات الكبرى التي يملكها مسلمون مثل شركة ويبرو Wipro ووكهاردت Wokhardt، أما في العموم فهم من صغار التجار.
ويصنَّف المسلمون في الهند ضمن الشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً، إذ يعيش نحو نصفهم تحت خط الفقر.
ومنذ عهد الاستقلال شكّل فقدان القيادة الموحدة التحدي الأكبر للمسلمين في الهند، وفقد المسلمون زمام المبادرة مع هجرة النخبة إلى باكستان التي كانت تتأسس فيها جمهورية إسلامية ناشئة تحت قيادة الزعيم المسلم محمد علي جناح.
واليوم يهتمّ بشؤون الأقلية المسلمة عدة جمعيات، أهمها الجماعة الإسلامية، وجمعية علماء الهند، والجمعية التعليمية الإسلامية لعموم الهند، ومن خلال مجالس منبثقة عن هذه التشكيلات ترتب شؤون المسلمين، كإعلان الأعياد وثبوت رؤية شهر رمضان وشؤون الحج والزواج والأحوال الشخصية والمدنية الأخرى، بالتنسيق مع حكومات الولايات.
المسلمون في الهند وتحديات العنصرية الهندوسية
كثيرة هي التحديات التي تواجه المسلمين في الهند، لكنها تزايدت بشكل مطّرد منذ أن تولى الحزب القومي الهندوسي المتعصب الحكم عام 2014، وكما يقول بعض علماء الاجتماع فإن العنف الطائفي ليس ظاهرة حديثة، وإنما ينمو ويتزايد مع حالة التجييش التي يقوم بها مَن هم في السلطة.
خلال العقود الماضية ومنذ الاستقلال بقي المسلمون في الهند يبحثون عن هويتهم وعن قوة سياسية تحميهم وتحقق لهم مصالحهم، أما في ظل حكومة مودي المتطرفة فالحال ازداد سوءاً وأصبحت النجاة بحد ذاتها إنجازاً.
انتهجت حكومة مودي برنامجاً واضحاً لاستهداف المسلمين، يمكن الإشارة هنا إلى 4 من أهم مظاهره:
إلغاء الحكم الذاتي في كشمير، في أغسطس/آب 2019 حين أعلن وزير الداخلية الهندي أميت شاه في البرلمان الهندي إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، وتقسيم ولاية جامو وكشمير إلى "منطقتين اتحاديتين" أي تابعتين مباشرة للحكومة المركزية.
حسم قضية المسجد البابري، إذ قضى حكم المحكمة العليا الهندية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بتسليم الأرض التاريخية للمسجد التاريخي للهندوس لتشييد معبد عليه، مقابل منح المسلمين أرضاً بديلة لبناء مسجد عليها في نفس منطقة المعبد.
تطبيق قانون الجنسية في ديسمبر/كانون الأول 2019، الذي يهدف إلى حرمان ملايين المسلمين الهنود خصوصاً في ولاية آسام من جنسيتهم، وبالتالي طردهم أو حرمانهم على الأقل من أبسط حقوقهم في الحياة.
اشتداد الحملة على المسلمين خلال العامين الماضيين، إذ صدرت دعوات صريحة من قادة الهندوس إلى قتلهم وتطبيق نموذج الروهينغيا في إبادتهم جماعياً، أو إعادتهم إلى الحظيرة الهندوسية، من خلال نشر حركة لإجبارهم على اعتناق الهندوسية، وهو برنامج قديم كان يسمى "التطهير"، ويحمل الآن شعار "العودة إلى البيت".
وتستوجب هذه الممارسات السافرة ضد المسلمين في الهند، إعادة نظر في العلاقات السياسية العربية والإسلامية مع حكومة مودي المتطرفة، كما تستدعي وقفة من المنظمات الحقوقية الدولية للدفاع عن حقوق أكبر أقلية في العالم التي تواجه مصيرها وسط طوفان هادر من التعصب والكراهية، وعلى الجانب الشعبي فلا بد من وجود برنامج مُوازٍ يفضح ممارسات هذه الحكومة ويجرّمها أمام العالم.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.