تابعنا
يستعرض هذا المقال جهود دولة الاحتلال الإسرائيلي للتعامل مع البنية التحتية للمقاومة من الأنفاق، والأدوات التي استخدمتها، ومدى فعالية ونجاح هذه الخطوات.

استُخدمت الأنفاق منذ قديم الأزل للأغراض العسكرية، ووظفت في محاولات اختراق الحصون والمدن، أما حديثاً فقد ارتبطت الأنفاق بالمعارك في المناطق الحضرية، وبرزت في حرب فيتنام بما عرف بـ"أنفاق كوتشي"، وعادت إلى الظهور مع تجربة قطاع غزة مطلع الألفية الحالية.

وبعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً واسعة ضد قطاع غزة تضمنت مناورةً عسكرية برية، كانت شبكة الأنفاق التابعة للمقاومة أحد أهدافها لما تشكله من أهمية لبنية المقاومة التحتية.

يستعرض هذا المقال جهود دولة الاحتلال الإسرائيلي للتعامل مع البنية التحتية للمقاومة من الأنفاق، والأدوات التي استخدمتها، ومدى فعالية ونجاح هذه الخطوات.

الهجوم برّاً: معركة العصف المأكول

في السادس من يوليو/تموز 2014، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي نفقاً بالقرب من السياج الفاصل عند أطلال مطار غزة شرق مدينة رفح، سقط على أثره 6 شهداء من كتائب القسّام كانوا يحفرون باطن الأرض للتسلل تحت موقع كرم أبو سالم، وأدى هذا القصف بشكل أو بآخر إلى شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً واسعة على القطاع سمّتها المقاومة بمعركة "العصف المأكول"، وبعد 10 أيام من قصف النفق ناورت القوات البرية على طول حدود القطاع.

حدد جيش الاحتلال الإسرائيلي هدفاً رئيسيّاً للمناورة البرية وهو القضاء على الأنفاق الهجومية، وخلال الحرب نفذ القسّام 4 عمليات خلف الخطوط الإسرائيلية، وتسلّل للمواقع العسكرية خلف السياج الفاصل عبر الأنفاق الهجومية، وادعى جيش الاحتلال تدمير 32 نفقاً في القطاع، حسب بيان نشر على موقعه، واعتمد الجيش بشكل كبير في تدمير الأنفاق على تفخيخها بالألغام لصعوبة تأمين معداته الهندسية مثل شاحنة "الأمولوسيا" والحفارات لتعرضها المستمر للاستهداف من المقاومة.

وقالت صحيفة "هآرتس" العبرية، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر الأنفاق التي حددت الاستخبارات الإسرائيلية مواقعها مسبقاً، وإن عدم وجود خطط واضحة وتدريبات مسبقة للعمل على الأنفاق أدى إلى إطالة مدة المناورة البرية إلى ما هو أبعد بكثير من توقعات المؤسسة العسكرية، وفي ضوء ذلك قال العميد "مئير فينكل"، قائد مركز دادو للتفكير العسكري، إن "الأنفاق الهجومية في حرب 2014 هي مثال آخر على الفجوة بين المعرفة المسبقة بالمشكلة العملياتية والفهم المنهجي لها".

وحسب مواقع "واي نت" العبري، فقد أجرى جيش الاحتلال تحقيقاً بعد حرب 2014 أثبت أنه لم يكن ملتزماً مهمة "تدمير الأنفاق"، وأنه لا تزال الأنفاق الهجومية تخترق السياج الفاصل مع غزة، وبعد إنشاء المختبر الجنوبي لاكتشاف الأنفاق الهجومية حدد الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد على 18 نفقاً اخترقت أو كانت تحاول أن تخترق السياج الفاصل، وذلك في الفترة بين 2015 و2020 حسب ما ذكر موقع "والا" العبري، وكان أبرزها نفق "كيسوفيم" شمال خان يونس الذي اكتشفه جيش الاحتلال في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017.

"يوجد دائماً خداع في أساس كل عملية على كل مستوى من الاستراتيجية الكبرى إلى التكتيكات العملياتية على الحافة"، هذه الجملة هي مبدأ وركن ثابت في عقيدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، كتبها اللواء "يعقوب بانجو" الذي كان قائداً لتشكيل "المناورة البرية" في جيش الاحتلال الإسرائيلي في الفترة بين أغسطس/آب 2020 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

واستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أسلوباً جديداً غير معروف في تفجير النفق، أدى إلى استشهاد 12 مقاوماً، من بينهم قائد لواء الوسطى في سرايا القدس "عرفات أبو مرشد" ونائبه، وأيضاً اثنين من كتائب القسّام كانا من الوحدة المخصصة للإنقاذ في حالات انهيار الأنفاق، ورغم أن عناصر وحدة الإنقاذ كانوا يرتدون أجهزة تنفس باستخدام أسطوانات هوائية فإنهم قد تعرضوا للاختناق داخل النفق واستُشهدوا على الفور.

استمرت عمليات الحفر وتوسيع شبكة الأنفاق، لكنها قد تعرضت لمرحلة فاصلة في تاريخها عندما بدأ الاحتلال الإسرائيلي العمل على مشروع الجدار تحت الأرضي، فقد كُشف معظم الأنفاق التي اخترقت السياج الفاصل مسبقاً، أو الأنفاق التي تقترب من الوصول إلى السياج بفعل أجهزة المسح الزلزلي والحساسات التي زرعت في الجدار تحت الأرضي، وهنا أيقنت قيادة المقاومة أن الاستثمار في الأنفاق الهجومية في هذه المرحلة لم يعد ذا أولوية، وأن الأجدر التوسع في الشبكة الداخلية الدفاعية ذات الاستخدامات المتعددة.

معركة سيف القدس ومحاولة تدمير الأنفاق جوّاً

"يوجد دائماً خداع في أساس كل عملية على كل مستوى من الاستراتيجية الكبرى إلى التكتيكات العملياتية على الحافة"، هذه الجملة هي مبدأ وركن ثابت في عقيدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، كتبها اللواء "يعقوب بانجو" الذي كان قائداً لتشكيل "المناورة البرية" في جيش الاحتلال الإسرائيلي في الفترة بين أغسطس/آب 2020 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وفي مايو/أيار 2021 أطلقت المقاومة الفلسطينية معركة "سيف القدس" الصاروخية ضد أهداف إسرائيلية نصرة للمسجد الأقصى ومدينة القدس، فانتهز الاحتلال الفرصة لتنفيذ العملية الثانية ضد أنفاق المقاومة في غزة.

حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ خدعة عسكرية، من خلال إيهام المقاومة بتنفيذ مناورة برية في شمال القطاع يضطر على إثرها مقاتلو كتائب القسام إلى النزول في الأنفاق الدفاعية ومن ثم قصفها بواسطة أسراب من ذراع الجو الإسرائيلي، لكن استخبارات المقاومة كشفت هذه الخدعة، ونفذت خدعة مضادة، إذ نفذ الإسرائيليون هجومهم الجوي على ما اعتقدوا أنها الشبكة الكاملة لأنفاق المقاومة في شمال القطاع وأنهم قضوا على كثير من عناصر القسّام، لكن الإخفاق كان من نصيبهم ولم تحقق ضرباتهم إلا ضرراً لبعض الخطوط.

لكن الضربة الأكبر والخسارة الأوجع التي تلقتها المقاومة كانت في استهداف وضرب خطوط وأنفاق القيادة والسيطرة، التي أدت إلى استشهاد كثير من القادة البارزين، مثل قائد لواء غزة في كتائب القسام الشهيد باسم عيسى ورفاقه من قادة الهندسة والتصنيع وآخرين.

لم تقتصر عمليات البحث واكتشاف الأنفاق على الحدود مع غزة، وإنما امتدت إلى الشمال على الحدود مع لبنان، إذ أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية موسعة أطلق عليها "درع الشمال" لكشف وتحييد الأنفاق الهجومية لـ"حزب الله" اللبناني، وبدأت العملية في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2018 واستمرت لما يقرب من سبعة أسابيع.

عثر جيش الاحتلال خلال هذه العملية على 6 أنفاق حفرها "حزب الله" على طول المنطقة الحدودية، كان أطولها وأعمقها النفق الأخير الذي اكتُشف في 12 يناير/كانون الثاني 2019، ويعرف باسم "نفق رامية"، نسبة إلى البلدة اللبنانية التي انطلق منها النفق، حسب ادعاء جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقال الجيش إن نفق رامية هو الأكثر تطوراً، إذ يصل عمقه إلى 55 متراً وجرى طمر النفق وحقن مساره بمواد مانعة للتسرب مثل مادة البنتونيت مع الأسمنت.

جرت عملية تدمير أنفاق "حزب الله" بصعوبة بالغة، إذ لم يكن جيش الاحتلال الإسرائيلي معتاداً هذا النوع من الأنفاق، بحيث تميزت الأنفاق في الجنوب عند قطاع غزة بطبيعة التربة الرملية والناعمة إلى حد ما، أما في الشمال فطبيعة التربة صخرية وصُلبة، وكانت هذه العملية أولى مهام مختبر اكتشاف الأنفاق الشمالي، الذي حدد بعض الأنفاق بناء على المعلومات الاستخبارية التي قدمتها شعبة الاستخبارات "أمان".

الطوفان من حيث لا يحتسب

قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يخطر مطلقاً في أذهان الإسرائيليين أن جحافل المقاومين ستعبر السياج "الذكي" وستغزو مستوطنات وكيبوتسات غلاف غزة، وتقتحم قاعدة الاستخبارات في "أوريم" وتصلُ إلى "أوفكيم" على بعد 20 كيلومتراً من القطاع، وكان مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي مطمئنّاً، فالسياج الجديد قويٌ لا يُخترق، والجدار تحت الأرضي أراح قلوبهم ولم توجد وسيلة للعبور نحو الحرية.

حقيقة الأمر أن نخبة القسّام لم تتسلل إلى الغلاف في 7 أكتوبر/تشرين الأول من تحت الأرض، ولم يكن للأنفاق دورٌ جوهري في العبور إلى المستوطنات، فقد حلق سرب "صقر" في سماء الغلاف واخترق المجال الجوي الإسرائيلي، حيث لا سلطة لوحدة "ابن عرس" هناك، وفتحت فِرقُ الهندسة ثَغرات في الجدار العلوي الفولاذي لعبور المقاتلين.

ما إنْ اكتمل مشروع جيش الاحتلال الإسرائيلي لبناء الجدار تحت الأرضي في عام 2021 اقتصرت حينها الأنفاق في المنطقة المتاخمة للسياج على الدور الدفاعي، أو فتحت منها بعض العيون بالقرب من السياج مع ترك مسافة آمنة، كي لا تكتشفها الحساسات وأجهزة المسح الزلزالي بجوار الجدار، وذلك بغرض تنفيذ بعض عمليات الاستطلاع القتالي أو التسلل منها للوصول إلى السياج بوقت أقل دون التعرض للكشف.

مترو حماس: أكبر وأعقد مما توقع الاحتلال

منذ الأيام الأولى للحرب، بدأت طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفاً عنيفاً وواسعاً على مناطق مختلفة من القطاع بهدف تدمير أنفاق القيادة والسيطرة وخطوط الإمداد وخطوط الاتصالات والبنية التحتية للمقاومة، لكن القصف الجوي وحده لم يأتِ بنتيجة مُرضية.

وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اجتاح جيش الاحتلال شمال قطاع غزة، بقوام فرقة مدرعة وتحت غطاء جوي ناري كثيف وبدأت قواته الهندسية البحث والتنقيب عن أنفاق المقاومة، وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني أعلن الاحتلال عثوره على الأنفاق الأولى، وبدأت وحدة "يهلوم" والوحدات الهندسية الأخرى تدمير الأنفاق المكتشفة، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا أصدر الجيش أكثر من 150 بياناً حول اكتشاف وتدمير الأنفاق، ويدّعي أنه عثر على آلاف من العيون وخطوط الأنفاق.

في بداية المناورة البرية، اتبع الاحتلال الإسرائيلي أسلوباً محدداً في البحث عن الأنفاق، من خلال التوجه مباشرة إلى الأنفاق المحددة لديه مسبقاً من الاستخبارات، سواء كانت بئر نفق، أو عين نفق، الآبار هي المكان الذي يجري منه حفر النفق للمرة الأولى.

وبالعادة بعد الانتهاء من الحفر تُردم بئر النفق، وتُفتح عيون متفرعة، لذلك أغلب آبار الأنفاق تكون مكشوفة لاستخبارات الاحتلال بسبب الحاجة إلى نقل الرمال التي تُستخرج من خطوط الأنفاق والحركة الملفتة في "المشغل"، وهي الغرفة التي يجري الحفر من خلالها وتكون مكشوفة لجيران المنطقة بسبب ضوضاء محركات الكهرباء أو موتور السحب والرفع.

لذلك، حفر جيش الاحتلال وبحث عن الأنفاق في النقاط المعروفة لديه مسبقاً، وعند العثور على النفق ينفذ فصيل "ابن عرس" إنزال روبوت إلى داخل النفق ويكشف ما بداخله حتى لا تقع قواتهم في كمين لعناصر المقاومة، بعد ذلك تفخخ قوات الهندسة الخط على طوله من الداخل باستخدام الألغام ومن ثم تفجيره.

واجه الاحتلال الإسرائيلي مقاومة عنيفة خلال تقدمه في أحياء ومناطق القطاع المختلفة، حيث خرج المقاومون من عيون الأنفاق والتفوا حول آليات جيش الاحتلال وقواته المنتشرة، مما دعا قوات الجيش إلى البحث والكشف عن مواقع هذه العيون التي لم تكن في حسبانهم ولا في قاعدة بيانات استخباراتهم، وعثروا على كثير من هذه العيون.

وفقاً لشهادات الشبان الذين اعتُقلوا من شمال قطاع غزة خلال المناورة البرية والمفرج عنهم في الأيام الأخيرة، فقد تركزت أسئلة ضباط جيش الاحتلال على ثلاث نقاط رئيسية، الأنفاق، الصواريخ والأسرى، مما يعني أن الاحتلال الإسرائيلي يجهل الحجم الحقيقي لشبكة الأنفاق ويبحث عن أي خيط يوصله إليها.

كانت تدريبات جيش الاحتلال الإسرائيلي على القتال تحت الأرضي تقتصر على كيفية مواجهة عناصر المقاومة من خلال التدرب على القتال في المناطق الضيقة والتعرف على طبيعة وتكوين الأنفاق، لكن ما لم يكن في حسبان الجيش وقواته الهندسية هو "العيون المفخخة"، فقد قضت على كثير من أفراد الوحدات الهندسية بدءاً من "يهلوم" ولم تنتهِ، وقد أصدرت المقاومة ما يزيد على 15 بياناً حول إيقاع قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في شِراك "العيون المفخخة".

إن الصيد الثمين أعمى عيون أفراد الهندسة، فسحبتهم المقاومة في أكمنة متعددة، وأعلنت كتائب القسّام أنها فجرت ما يزيد على خمس عشرة من العيون المفخخة في قوات الجيش وأوقعتهم بين قتيل وجريح، لذلك اضطرت فرق الهندسة إلى استخدام الطائرات دون طيار صغيرة الحجم مثل طائرة "سكاي لورد" وطائرة "دي جي أي أفاتا" لكشف وفحص عيون وفتحات الأنفاق قبل الوصول إليها لضمان سلامة جنودها.

العثور على هذا العدد الهائل من العيون وخطوط الأنفاق جعل الإسرائيليين يدركون أن "مترو حماس" أكبر مما كانوا يعتقدون، وذلك يتفق مع ما قالته صحيفة "معاريف" العبرية، بأن التقدير الاستخباري لحجم الأنفاق كان خاطئاً، وحسب موقع "واي نت" العبري فإن تقديرات الجيش الإسرائيلي الحالية لشبكة الأنفاق تقدر بطول 750 كيلومتراً، وهذه ضعف تقديرات الجيش التي كان يتوقعها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأن عيون الأنفاق تصل إلى 5700 عين وفتحة، حسب التقديرات.

وفقاً لشهادات الشبان الذين اعتُقلوا من شمال قطاع غزة خلال المناورة البرية والمفرج عنهم في الأيام الأخيرة، فقد تركزت أسئلة ضباط جيش الاحتلال على ثلاث نقاط رئيسية، الأنفاق، الصواريخ والأسرى، مما يعني أن الاحتلال الإسرائيلي يجهل الحجم الحقيقي لشبكة الأنفاق ويبحث عن أي خيط يوصله إليها.

أيضاً، شَكَّل النفق الضخم الذي اكتشفه جيش الاحتلال الإسرائيلي بجوار معبر "إيرز" صدمة كبيرة لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وللمجتمع الإسرائيلي ككل، إذ فُوجئ الجميع بمدى حجم النفق وعمقه واتساعه، الذي يبلغ قطره نحو ثلاثة أمتار، ويمكن عبور سيارة جيب داخله وسيرها بأريحية بالغة.

وقد استمر العمل على النفق لسنوات طويلة، ونعتقد أن كتائب القسّام قد توقفت عن العمل على النفق عندما أكمل جيش الاحتلال الإسرائيلي مشروع الجدار تحت الأرضي، وتوقفت قبل الوصول إلى منطقة السياج حتى لا يكشف، واستغل النفق لمهام وأغراض أخرى من خلال فتح تفريعات جانبية وتوصيله بخطوط أخرى.

أساليب التعامل مع الأنفاق

في الواقع، إن العدد الكبير للأنفاق المكتشفة أدى إلى بطء عملية تقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل الأحياء، خصوصاً المزدحمة منها، إذ انشغلت وحدات كبيرة في البحث واكتشاف وتدمير الأنفاق، وخلال ذلك لجأ جيش الاحتلال إلى طرق وأساليب متعددة لتدميرها.

وكان من أبرز الطرق، تفجير النفق، وهي الوسيلة الأكثر شيوعاً في تدمير الأنفاق، إذ يلاحظ أن جيش الاحتلال الإسرائيلي حفر بحثاً على الأنفاق باستخدام الحفار ذي الرافعة الهيدروليكية، لكشف مسار النفق ومن ثم إدخال الروبوت إليه وفحصه، وإذا كان خالياً من عناصر المقاومة ينزل الجنود و يفخخونه بالألغام ثم يفجرونه، وفي حال عُثر على عين نفق ولم يستطع الجنود النزول إليه يُكتفى بتفجير عين النفق.

ويُلاحظ أن تفخيخ النفق لا يؤدي في جميع الحالات إلى تدمير الخط بأكمله، ويعود السبب إلى وجود أبواب فولاذية توضع داخل مسار النفق وتتكرر بعد مسافة معينة، تكسر هذه الأبواب الموجة الانفجارية وتحول دون انهيار الخط بأكمله، كما لوحظ أيضاً نسف المقاومين أجزاء من النفق لفصل الجزء المعرض للانكشاف للحيلولة دون تدمير باقي النفق، بالإضافة إلى وجود مجموعات مختصة بإعادة إحياء الأنفاق التي تعرضت لأضرار كبيرة وتنفذ صيانة لها وإعادتها إلى العمل من تحت الأرض دون الحاجة إلى الخروج من الأنفاق.

من أساليب الاحتلال، إغراق الأنفاق، إذ نفذت الوحدات الهندسية والكتائب اللوجستية تركيب محركات شفط مياه ضخمة على شاطئ بحر غزة، ومدّ خراطيم تصل إلى الأحياء السكنية المجاورة للشاطئ، في محاولة لإغراق الأنفاق المكتشفة بمياه البحر المالح، لكن هذه العملية لم تستمر.

ويعود سبب توقف هذا الأسلوب إلى اكتشاف جيش الاحتلال أن شبكة الأنفاق ليست شبكة بالمعنى الحرفي، وأن كل "خط" منفصل عن الآخر، حتى إن إغراق نفق واحد لن يؤدي إلى تدمير الخط، لأن التحصينات الخرسانية ستعمل على منع جوانب النفق من الانهيار، وسيكون الإغراق مؤقتاً لأنه مع مرور الوقت ستتسرب المياه إلى باطن الأرض عدا المناطق ذات التربة الطينية، وهي منطقة صغيرة لا تتجاوز 12% من مساحة القطاع.

وأيضاً لن ينجح إغراق الأنفاق الطويلة، لأن المياه لن تنتشر على طول الخط بسبب وجود الأبواب الفولاذية، وعلى ما يبدو أن هذه التجربة الفاشلة دعت جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى التخلي عن الخراطيم التي مدّها وتركها على شاطئ بحر غزة والانسحاب.

ويعد ضخ الغاز السام أيضاً من الطرق التي اتبعها الاحتلال، إذ قالت صحيفة "هآرتس" العبرية إن ثلاثة من جنود الاحتلال الإسرائيلي الأسرى لدى كتائب القسام تعرضوا للقتل إثر استنشاقهم الغاز السام الذي نتج عن حقن مواد كيماويّة في نفق يوجد به قائد لواء شمال غزة "أحمد الغندور".

ووفقاً لوالدة أحد الجنود الأسرى، بعد اطلاعها على تقرير الطب الشرعي، فقد تبين عدم تعرض الجندي لأي إصابات جسدية تؤدي إلى الموت، وأنه من المرجح قد قُتل بسبب الاختناق، وليست هذه أول الاستخدامات للغاز، فقد استخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي في نفق "كيسوفيم" الذي اكتُشف عام 2017.

كما استخدم جيش الاحتلال أسلوب القنبلة الإسفنجية، وقد ذكرت صحيفة "التليغراف" البريطانية أن الاحتلال الإسرائيلي سيستخدم وسائل جديدة للتعامل مع الأنفاق، وهي عبارة عن قنابل إسفنجية، وللدقة فإن هذه القنابل ليست جديدة والمتابع للشأن العسكري الإسرائيلي يعلم بوجودها.

ونشر سلاح الهندسة الإسرائيلي مقطعاً مرئيّاً يوضح تدريبات الجنود الإسرائيليين ضد الأنفاق والحرب تحت الأرضية، ومن بينها استخدام كيس كبير يحتوي على مادتين معزولتين عن بعضهما، وعند مزج المادتين تولد مادة جديدة عبارة عن كتلة إسفنجية متيبّسة، أو ما يعرف باسم "الفوم" وهي عبارة عن مادتي "راتنجات الإيزوسيانات" و"البوليول" وعند مزجهما تتكون مادة رغوة البولي يوريثان الصلبة، لذلك يستخدمها الجنود لسد أعين الأنفاق، أو مسارات خطوط الأنفاق، وتكون حلّاً مؤقتاً لحين تفخيخ النفق وتفجيره.

النتيجة؟

بعد ثلاثة أشهر على بدء العمليات البرية واحتلال كامل لشمال قطاع غزة وأجزاء واسعة من المنطقة الوسطى وخان يونس، وتدمير للبنية التحتية المدنية للقطاع، رغم ذلك ما زالت مجموعات المقاومين تخرج من باطن الأرض، وتشتبك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتصل إلى الحافة الشرقية للقطاع وتضرب بقذائف "آر بي جي-7" منزلاً مُفخخاً وتقتل 21 جنديّاً، وتنسحب مجدداً من الأنفاق، ويبقى ظلها كابوساً يؤرق حُلم القادة الإسرائيليين بتدمير الأنفاق.

لعبت الأنفاق دوراً رئيسيّاً في معركة "طوفان الأقصى"، إذ استطاعت المقاومة إدارة المعركة ببراعة في أشهرها الأولى، واستمرت على معدلات رماياتها الصاروخية تجاه مدن المركز الإسرائيلي، وحفظت مقدراتها العسكرية، ووزعت أغلب الأسرى داخل خطوط الأنفاق المنتشرة في القطاع وحافظت عليهم، وأصبحوا ورقة مهمة في المفاوضات السياسية، ما مكنهم من إجراء هدنة مؤقتة.

لا تزال توجد مناطق واسعة لم يعمل فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي وجود الأنفاق لم ينتهِ، وقد يوسع الاحتلال عملياته في الأسابيع القادمة لتشمل محور فيلادلفيا الممتد على الحدود بين قطاع غزة ومصر ليكمل حصار القطاع، ويقضي بشكل تام على الأنفاق الحدودية التي لم يبقَ منها سوى بضعة خطوط للاستخدامات البسيطة.

وما بقي مقاتل واحد فقط يخرج من عين النفق ويعود إليها، ومع استمرار قيادة الكتائب في إصدار بياناتها، والناطق العسكري يُطل بالصوت والصورة، ورغم الخسائر الموجعة والأثمان الباهظة، فإن الهدف الرئيسي لعملية جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الأنفاق لم يتحقق.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً