وجسدت الزيارة علامة بارزة في رغبة وليي العهد، السعودي والإماراتي، في الحفاظ على شعرة معاوية في علاقات بلديهما التي عرفت تأزماً ملحوظاً في الأسابيع الماضية كاد أن يعصف بالتوافق الاستراتيجي للدول النفطية داخل مجموعة أوبك بلاس. كما سعت الزيارة أيضاً إلى إنهاء مرحلة فتور ملحوظ في علاقات الرجلين أفرزته، بلا شك، تقلبات سياسية قلبت حساباتهما بعد انتهاء العهد الترمبي.
وقد لخص الكاتب ديفيد هيرست في "ميدل إيست آي" أهداف استراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط حين كتب متسائلاً: " تصور ما الذي كان سيحدث لو أن دونالد ترمب ضمن فترة رئاسية ثانية وحصل بنيامين نتنياهو على ما يكفي من أصوات داخل الكنيست تمكنه من تشكيل حكومة؟ لكانت إيران تعرضت للقصف الآن. فقد كان نتنياهو يضغط باتجاه شن هجوم عليها حتى عندما بات جلياً أن ترمب قد خسر. ولكان السعوديون قد طبعوا العلاقات مع إسرائيل، ولكان الأردن يحكمه الآن شخص اسمه الملك حمزة". وخلص الكاتب إلى أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد هما الخاسران من سقوط ترمب وخروج نتنياهو من المشهد السياسي.
التباعد في الرؤى بين ولي عهد أبو ظبي وولي عهد السعودية ترجمته بوادر خلافات متلاحقة، برز أولها على السطح في الأول من يوليو/تموز خلال اجتماعات أوبك بلاس، حين اقترحت السعودية، بتزكية روسية، تطوير اتفاق أبريل/نيسان 2020 لزيادة نسبية في حصص الإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً تدريجياً لمدة ثمانية شهور.
وهو المقترح الذي عارضته الإمارات بشدة وطالبت بزيادة إنتاجها لمستوى 600 ألف برميل إضافي في اليوم. وتسعى الإمارات التي أنفقت زهاء 122 مليار دولار على تطوير طاقتها الإنتاجية إلى رفع إنتاجها من النفط إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2030.
واتسعت بوادر الأزمة إلى لعبة لي الذراع بين الرياض وأبو ظبي، لتقرر السعودية وقف الرحلات الجوية مع دبي بحجة إجراءات وقائية لمكافحة فيروس كورونا، ما أدى إلى علق مئة ألف مقيم مصري في دبي.
وردت الإمارات من جانبها بوقف رحلاتها الجوية من المملكة العربية السعودية وإليها. ثم ما فتئت أن ردت الرياض بقرار آخر تمنع بموجبه دخول منتجات مستوردة من مناطق حرة ذات مكونات إسرائيلية.
كما لجأت الرياض إلى حث الشركات العالمية العاملة في الشرق الأوسط على فتح مكاتبها الإقليمية بالسعودية، وأمهلتها حتى عام 2024 لفعل لذلك وإلا حرمتها من العقود التجارية السعودية. وهذه خطوة ردت بها الرياض على قرار الإمارات منح مزيد من تسهيلات الإقامة والاستثمار ومنح الجنسية للمستثمرين وأصحاب الكفاءات والمواهب بهدف الحفاظ على موقع دبي، خصوصاً في ريادة الاستثمار والمجال الخدماتي.
ولم يقتصر خلاف الرجلين على تباعد وجهات النظر الاقتصادية، بل هناك خلاف مسكوت عنه حول حرب اليمن، وخروج الإمارات من التحالف العسكري بشكل مفاجئ في عام 2019، إضافة إلى إقبال السعودية بوتيرة سريعة على رفع الحصار عن قطر وتحسين علاقاتها بها، وأيضاً حيال وتيرة التطبيع الذي تنهجه الإمارات مع إسرائيل والذي لا تخفي الرياض تحفظها على وتيرته وطبيعته.
وكان واضحاً أن البلدين اللذين لم يتعودا إخراج خلافاتهما إلى العلن قد سمحا هذه المرة لمغردين مقربين من السلطة بالتنافس على نشر الغسيل وتبادل الاتهامات عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، لكن زيارة محمد بن زايد إلى الرياض في مناسبة يوم وقفة عرفات التي تحمل مغزى عميقاً لدى المسلمين، جاءت للحد من آثار الأزمة وتجلياتها المستقبلية على علاقات البلدين. وبالتالي وضعت علاقات بن سلمان وبن زايد تحت اختبار تجاوز الضرب تحت الحزام.
هواجس المرحلة
لا شك أن التنافس السعودي الإماراتي على كسب قصب السبق في مرحلة ما بعد إنتاج النفط وتنويع مصادر الطاقة بدأت تتضح معالمه. ويحاول البلدان معاً الاستفادة، في أقل وقت ممكن، من الطفرة الحالية التي أعقبت جائحة كورونا لتسييل مزيد من النفط، واستغلال عائداته في استثمارات الطاقات البديلة التي تشعل المنافسة بينهما، علماً بأن الاحتياطات النفطية الإماراتية تبلغ 98 مليار برميل، بينما تبلغ في السعودية حوالي 266 مليار برميل.
وتتخذ المنافسة في مجال الطاقة البديلة، وتحديداً الهيدروجين الأخضر والهيدروجين الأزرق، موضوع التسابق بينهما في المستقبل القريب، وغير خافٍ أن الإمارات قطعت أشواطاً متقدمة على السعودية في هذا المجال، لكن المملكة التي تحاول استدراك ما فاتها تسعى، من خلال شركتها الوطنية أدنوك، إلى استكمال سلسلة عقود مع اليابان وكوريا الجنوبية لإنتاج الهيدروجين الأزرق، الذي ترجح دراسات مختصة أن عائداته ستحقق 700 مليار دولار في حدود 2050، كما ضخت الرياض 5 مليارات دولار في تشييد مصنع في مدينة نيوم على البحر الأحمر لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
ولا تقتصر ملامح التنافس الإماراتي السعودي على مرحلة ما بعد إنتاج النفط التقليدي، بل تتخطاه إلى مجالات اقتصادية أخرى، حيث تخطط الرياض لأن تصبح وجهة سياحية وترفيهية للسعوديين، وقبلة لاستقبال غير السعوديين، ومنطقة للترفيه الرياضي تحتضن المهرجانات والمنافسات الرياضية العالمية.
وتفيد إحصائيات أن السعودية أنفقت 1.5 مليار دولار على استضافة بطولات رياضية، وعينها في ذلك على منافسة دبي في هذا المجال. وللوصول إلى ذلك وسعت السعودية مؤخراً نطاق المنافسة الجوية مع الإمارات، حيث تم إطلاق شركة طيران سعودية جديدة لمنافسة الخطوط الإماراتية والخطوط القطرية، تهدف إلى تحويل السعودية إلى مركز للنقل الجوي عبر العالم وتربط أزيد من 250 وجهة دولية.
ويعول السعوديون على هذا التوجه الجديد في رفع عدد السياح من 40 إلى 100 مليون سائح بحلول عام 2030. ولا تقف مجالات التنافس على الريادة الاقتصادية عند هذا الحد بل تتعداها إلى مجالات حيوية أخرى، على رأسها إدارة المواني التي تحقق فيها دبي تقدماً ملحوظاً بإدارة حوالي 80 ميناء في 40 بلداً من بينها المملكة السعودية. وهنا تسعى الرياض لتدارك التراجع بأن وسعت مؤخراً نشاط صندوق الاستثمارات العامة للعب دور في هذا المجال، ودعم شركة محطة بوابة البحر الأحمر التي أنفقت زهاء 1.7 مليار دولار لتطوير ميناء جدة.
وبكلمات أخرى فإن الخلاف بين السعودية والإمارات يظل صراعاً سياسياً مغلفاً بغطاء اقتصادي، بطلاه وليا العهد، بن سلمان وبن زايد. وقد يطفو للأفق مجدداً كلما اقتربت حقبة ما بعد النفط. ومهما يكن فإن الخلاف بين البلدين، كما وصفه بدر السيف الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، "هو نهاية شهر عسل وليس طلاقاً!".
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.