ألقى رئيس الوزراء البلجيكي السابق جاي فير هوفشتات حجراً في المياه الراكدة عندما قال إن الكتلة المكونة من 27 عضواً ربما كافأت روسيا بزيادة وارداتها على الرغم من القيود الاقتصادية بسبب حرب أوكرانيا.
في الواقع، هذا ليس هو الحال على الإطلاق. من النادر أن تعترف الكتلة المكونة من 27 عضواً علناً بأخطائها. إذاً، ما سبب الاعتراف المذهل الأخير بأن الاتحاد الأوروبي أخطأ بشأن العقوبات الروسية؟
قال عضو البرلمان الأوروبي البلجيكي جاي فير هوفشتات مؤخراً إن عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب النزاع في أوكرانيا فشلت فشلاً ذريعاً، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي "يكافئ" روسيا فقط من خلال زيادة الواردات من البلاد.
اعترافه الاستثنائي على تويتر كان بمثابة قنبلة للاتحاد الأوروبي، إذ ادّعى فير هوفشتات، الذي شغل منصب رئيس الوزراء البلجيكي من 1999 إلى 2008 وكان عضواً في البرلمان الأوروبي منذ عام 2009، بأن تأثير حزم عقوبات الاتحاد الأوروبي التسع على موسكو "أقل من صفر".
في الواقع، إنه أسوأ بكثير من مجرد صفر.
وأكّد رئيس الوزراء السابق أن محاولات الكتلة معاقبة روسيا حقّقَت نتيجة عكسية؛ "نحن نكافئ روسيا على حربها ضدنا!".
وأشار فير هوفشتات أيضاً إلى أن معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما فيها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا، زادت بالفعل وارداتها من روسيا. عموماً، اشترى سبعة أعضاء فقط في الاتحاد الأوروبي من روسيا كميات أقلّ مما كانت عليه في السابق.
يُعتبر هذا الاعتراف من هذا العضو البارز في البرلمان الأوروبي أمراً لافتاً على عديد من المستويات، ولن يمرّ بلا تمييز من البرلمان الأوروبي، وكذلك المفوضية الأوروبية القوية. وسيُنظَر إليه على أنه جرس إنذار بين أنصار النظام الفيدرالي الأوروبي المتشددين بشأن ضرورة القيام بشيء ما لكي يسحب الاتحاد الأوروبي نفسه من الحفرة التي أوقع فيها نفسه.
يمكن بالطبع إلقاء الكثير من اللوم على كبار الشخصيات في الاتحاد الأوروبي، الذين ينغمسون في رواياتهم الخاصة في الغرف المغلقة. يمكن أيضاً قول كثير عن وسائل الإعلام المهمشة، التي لا تنقل الأخبار بما تتناسب مع خط الاتحاد الأوروبي، مما يؤدّي فقط إلى تكثيف العقيدة العمياء لشخصيات الاتحاد الأوروبي التي جلبت كثيراً من الفقر والبؤس للأوروبيين.
لكن يجب وضع هذا الاعتراف في سياقة لأن هذا سيعطي المراقبين فهماً لما يمكن توقُّعه من قادة الاتحاد الأوروبي في الأشهر المقبلة. يكاد يكون الصدام أمراً حتميّاً بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إذ تتدهور اقتصادات الدول الأوروبية أكثر بسبب الإعفاءات الضريبية الجديدة لبايدن على الأعمال التجارية هناك، سلبية التأثير على الشركات الأوروبية التي تكافح من أجل البقاء في السوق.
توقيت تغريدات فير هوفشتات مهمّ، فبالنسبة إلى الفيدراليين في الاتحاد الأوروبي أمثاله، لم يتبقَّ سوى بضعة أشهر على انتخابات الاتحاد الأوروبي، وهو يخشى أن يحدث تصويت كبير بحجب الثقة في استطلاعات الرأي عن الأحزاب الرئيسية، يقابله تصويت أكبر للجماعات اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي. يعرف البلجيكي أنه إذا أراد الاتحاد الأوروبي تجنُّب ذلك، فعليه أن يتحرك الآن في استراتيجية جديدة.
تكمن المشكلة في أن كثيراً من القادة الغربيين يعتقد أن بوتين يتراجع وأن إمداداته العسكرية تنفد. تتناسب هذه الرواية بدقة مع ما يعتقده عديد من النخب الغربية من أن حرب الاستنزاف هي، في الواقع، في صفهم.
في الواقع، ساحات القتل في أوكرانيا أقلّ ارتباطاً بالصورة الأشمل للحرب، وهو ما تفعله روسيا مع دول الاتحاد الأوروبي وباقي أنحاء العالم. يصطفّ أعضاء بريكس الجدد للانضمام إلى الكتلة، التي يقال إنها منظمة تقودها روسيا. مزيد ومزيد من "دول الجنوب العالمي" ينضمّ إلى روسيا كل أسبوع، ولا يبدو أن لدى روسيا أي مبادرة قوية للتراجع عن كل هذه الغنائم من الحرب.
ما يجب أن يسأل عنه القادة الأوروبيون أنفسَهم هو كيفية إعادة تنظيم أنفسهم مع موسكو والحصول على صفقة في أوكرانيا تعزّز اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي على الفور وتقلل التركيز على سيناريو الفوز أو الخسارة في أوكرانيا. المطلوب هو وقف إطلاق النار، عندها فقط يمكن أن تبدأ المحادثات.
لكن السؤال: هل الغرب وإعلامه الحزبي الفاسد قادر على التنازل؟ من نواحٍ عديدة، يجب أن يُنسَب اللوم إلى التقارير السيئة لوسائل الإعلام الغربية وكيف حاصرت النخب الغربية في زاوية لا يمكنهم الخروج منها.
من اللافت للنظر أنه لعدة أيام على موقع ديلي ميل في المملكة المتحدة، ظلت قصة عن رغبة بوتين في إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتواصل مع الغرب لإجراء محادثات، كما تستمر في نشر قصص عن اعتلال صحة بوتين، مما يشير إلى أن الوقت ليس في صالح روسيا.
حُجبَت أي تغطية موضوعية للوضع يمكن أن تقدمها وسائل الإعلام غير الغربية -ربما بقيادة القناة التليفزيونية الروسية RT- لذا فليس لدى وسائل الإعلام (وكذلك الجماهير) منظور بديل.
لسوء الحظ فإن 400 مليون مواطن يشكلون سكان الاتحاد الأوروبي٫ وسيصوتون في صيف عام 2024 ٬ لا يمكنهم إدراك أن السبب الرئيسي لحظر الاتحاد الأوروبي وحكوماته لـRT لم يكن بعض المبادئ الأخلاقية المثالية بسبب مهاجمة روسيا لأوكرانيا، ولكن بسبب افتقار صارخ إلى الثقة بسياساتهم الخاصة.
لذا فإن محو أي رواية معارضة كان مجرد حيلة للحفاظ على الذات، فقد كان الاتحاد الأوروبي يريد تنفيذ هذه الخطوة منذ سنوات، لكنه كان خائفاً بسبب الإذلال الذي كان سيتبع ذلك.
إن أعضاء البرلمان الأوروبي مثل فير هوفشتات مهووسون بشيء واحد فقط: أسلوب حياتهم المريح الذي يوفّره لهم الاتحاد الأوروبي. البقاء على قيد الحياة هو القضية الوحيدة الآن للاتحاد الأوروبي، ويعلم فير هوفشتات أن الخطأ الكارثي للعقوبات الروسية ودعم الحرب التي تقودها الولايات المتحدة سيأتي بثمن باهظ لمشروع الاتحاد الأوروبي... فهل مِن مستمع؟
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.