لم يرشح الكثير عن الحديث الذي تبادلاه وانتهى بمصافحة ودية. نيويورك تايمز أشارت إلى أن طليب طلبت من بايدن أن يبذل جهداً أكبر في حماية أرواح الفلسطينيين وحقوق الإنسان، وقالت له إن دعمه غير المشروط لحكومة بنيامين نتنياهو لا يحقق أي نتائج.
ليست المشكلة أنها لم تقل كلاماً أكثر حدة قبل لقاء بايدن، فهي تنتقد طريقة تعاطيه مع الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين من بدايتها. هذا لم يمنع الرئيس الأمريكي من كيل المديح لها لاحقاً في اليوم نفسه خلال إلقائه كلمته في معمل فورد (وإن أخطأ في لفظ اسمها ودعاها رشيد!)، مبدياً إعجابه بذكائها وشغفها وقلقها على مصالح الآخرين. وأضاف ما يبدو أنها أخبرته إياه بأنه يصلي لأن تكون جدتها وعائلتها في الضفة بخير، ووعدها بأنه سيفعل ما بوسعه ليتحقق ذلك. كلامه الودي كان خالياً من أي موقف سياسي لكنه على الأقل إشارة واضحة إلى معاناة الفلسطينيين.
جو بايدن ليس دونالد ترمب بالطبع لكن الدقائق الثمانية التي وقفت فيها طليب معه ليست هي التي جعلته يستيقظ فجأة على إنسانيته وحبه لجدة رشيدة. موقف إدارته لا يزال ملتبساً، بين ادعاء الحياد وبين تبجيل "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها"، مع غض النظر عن هذه الطريقة الهمجية بـ”الدفاع“.
وبينما تحاول هذه الإدارة أن تلمح إلى أنها تفضل العمل بصمت للتوصل إلى حل عادل ينهي الحرب الدائرة، فإن هذا الصمت لا يبدو فعالاً في وقف القتل اليومي للمدنيين الفلسطينيين وإسقاط الأبنية فوق رؤوس سكانها في غزة.
وهذه الإدارة تبدو مطالَبة بموقف أكثر حزماً ليس من العرب الذين لا تستمع أمريكا إليهم عادة، بل من أهل البيت نفسه، أي الحزب الديمقراطي.
هذا الحزب، مثل بايدن، لم يخلع عنه الوله الأمريكي بإسرائيل، لكن نائبة تنتمي إليه وقفت قبل أيام تحت قبة الكونغرس وحكت وبكت وهي تضع الكوفية الفلسطينية على كتفيها.
وصول الكوفية إلى هذا المبنى ليس تفصيلاً، وإن كانت رشيدة متهمة دائماً من ”نخب“ عربية-أمريكية بالشعبوية وحب الظهور. رشيدة، وإلهان عمر وألكساندريا أوكاسيو كورتيز وآيانا برسلي أربع سياسيات-ناشطات يمثلن إضافة إلى نسويتهن جزءاً واسعاً من الأقليات السود والمسلمين واللاتينيين والعرب.
ووصولهن إلى الكونغرس يشي بمزاج متغير للقاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي التي بات للتقدميين حصتهم الوازنة فيها. يقودها بالطبع شيخ الاشتراكيين بيرني ساندرز، وهؤلاء يخوضون معاركهم متحدين عادة، من الحرب الضروس التي خاضوها ضد الرئيس السابق دونالد ترمب إلى قضية جورج فلويد إلى قضايا المهاجرين اللاتينيين وصولاً إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة. العنوان العريض في الغالب يتعلق بحقوق الإنسان ومنه يتفرع العمل والمواقف السياسية.
بيرني ساندرز، ولا بأس أن نذكر هنا أنه يهودي وسليل ضحايا الهولوكست، كتب في نيويورك تايمز مؤخراً موقفاً متقدماً عن معظم "نظرائه" العرب طالب فيه بالوقف الفوري للدعم العسكري الأمريكي لحكومة نتنياهو الذي لا يوفر بيرني فرصة لتقريعه. آوكاسيو كورتيز لم تتردد بوصف إسرائيل بدولة فصل عنصري. وجميعهم في هذه الأيام متفرغ لإيصال الصوت لوقف العدوان الإسرائيلي المتمادي.
الحزب الديمقراطي يميل يساراً، ببطء ربما لكن بثبات، وجو بايدن كان اتهمه خصمه اللدود خلال حملته الانتخابية بأن اليسار ابتلعه تماماً. ترمب كان محقاً بعض الشيء؛ جو بايدن حاول استمالة القاعدة اليسارية في الحزب بخطاب اقتصادي اجتماعي تقدمي، وإن كان على طريقته الموصوفة في تمييع السياسة بقصص ما قبل النوم. غير أنه بات ملزماً بمواقفه أمام هذا اليسار الذي سيقرر لمن تذهب أوراقه في كل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ومنها الرئاسية.
إدارة بايدن ليست بالضرورة أمام امتحان اليسار الديموقراطي في الحزب لكنها في أفضل الأحوال تحت ضغط صوته العالي والمسموع الذي يمثل قاعدة متغيرة، شابة ومتنورة، لم يعد يقنعها أن دولة بقوة إسرائيل وبطشها مجرد واحة ديمقراطية خائفة على وجودها في بحر الظلمات، كما لم يعد منطقياً افتراس هذا العدد المهول من الأطفال بخاصة والمدنيين بشكل عام للحفاظ على هذا الوجود أو بداعي محاربة اللا سامية.
بات من يريد فعلاً أن يعلم، يستطيع أن يعلم. المعلومات لم تعد حكراً على الإعلام المؤسسي التقليدي، السوشال ميديا فضائلها أكثر من مساوئها، الإعلام الأمريكي الليبرالي لم يعد كما في السابق يصل إلى إسرائيل ويختم خطابه بالشمع الأحمر المؤيد لها في كل ما ترتكب، لوجود من يحاسب ولو بالتعليق على المحتوى في أقل تقدير.
ومثل محتوى الإعلام، محتوى الحزب الديموقراطي ومحتوى الإدارة الحالية، كله قابل للنقد والسؤال والتحول ولو ببطء. العالم يتغير وأمريكا أيضاً. من كان ليصدق أن فلسطينية بكوفية على كتفيها ستقف في مبنى الكابيتول لتقول كلمتها من دون أن يهجم عليها الحراس من كل حدب وصوب ليقبضوا على الإرهابية؟
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.