وافقت الجمعية العامة للبرلمان التركي على مشروع قانون للتصديق على بروتوكول انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو". وجاء ذلك خلال عملية تصويت أُجرِيَت يوم الخميس 30 مارس/آذار في البرلمان التركي.
وفي وقت سابق، وافقت لجنة السياسة الخارجية في المجلس التركي الوطني الكبير (البرلمان) في الثالث والعشرين من الشهر الجاري على طلب عضوية فنلندا في الناتو.
وكان البرلمان المجري قد وافق على عضوية فنلندا في الناتو، بعد أن كانت المجر مع تركيا الدولتين الوحيدتين من أعضاء الناتو اللتين لهما تحفظات على ضم كل من السويد وفنلندا إلى الحلف.
وهكذا، تصبح عضوية فنلندا في الناتو تحصيل حاصل ومجرد مسألة وقت، وتكون بذلك أمّنت نفسها في ظل تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية.
لكن فنلندا ليست الفائز الوحيد في هذا المسار، بل تبدو تركيا كذلك ضمن الفائزين. إذ تعرضت أنقرة لضغوط من الناتو الذي أراد لانضمام السويد وفنلندا إليه أن يكون سريعاً، بل تعرضت أيضا لحملة تشويه من بعض الأطراف بادعاء أنها ضد سياسة توسع الناتو وترفض عضوية الدولتين فيه من باب تأييد روسيا في الحرب.
أكدت تركيا مراراً أنها مع سياسة توسع الناتو، وقال أردوغان إنه يرى في ذلك "دعماً للاستقرار والسلام في العالم"، وذكّرت بموافقاتها السابقة على انضمام دول أخرى، وبالتالي أن الرفض ليس على المبدأ وإنما هي تحفظات تتعلق بالبلدَين المذكورَين على وجه التحديد.
كانت السردية التركية واضحة ومعلنة، الناتو حلف أمني في المقام الأول ومن أهم أولوياته مكافحة الإرهاب، فلا يستقيم أن يضم إلى عضويته دولاً تدعم منظمات إرهابية تضر بأعضاء فيه أو تغض الطرف عنها، فيما يُفترض أن تكون عوناً للدول الأخرى الأعضاء في الحلف.
وكانت مآخذ أنقرة على كل من ستوكهولم وهلسنكي تتلخص في التعامل مع منظمات محسوبة على تنظيم PKK (الإرهابي) وامتدادته في سوريا مثل (PYD الإرهابي) ومنظمة فيتو الإرهابية التابعة لفتح الله كولن (المتهمة بتنفيذ الانقلاب الفاشل عام 2016)، والسماح لها بالعمل والدعاية وتحشيد الأنصار وجمع الأموال، فضلاً عن حظر غير معلن لبيع السلاح لتركيا على خلفية عملياتها العسكرية في سوريا.
خاضت تركيا مع الدولتين عدة جولات من المفاوضات ووقعت معهما برعاية الناتو في يونيو/حزيران الفائت في مدريد مذكرة تفاهم نصت على دعم السويد وفنلندا، بصفتهما عضوين في الحلف مستقبلاً، "لتركيا في مواجهة جميع التهديدات لأمنها القومي" وعدم تقديمهما أي دعم لوحدات PKK-PYD الإرهابية وما يعرف بمنظمة "فيتو" (FETO) الإرهابية.
وإضافة لتفاعل الدولتين "بسرعة وبالأبعاد كافة مع مطالب تركيا المتعلقة بإعادة المتهمين في قضايا الإرهاب أو إبعادهم في ضوء المعلومات والأدلة التي ستقدمها تركيا ووفق الاتفاقية الأوروبية الخاصة بتسليم المجرمين"، أقرت الدول الثلاث بعدم وجود أي نوع من أنواع حظر بيع السلاح فيما بينها.
وتعهدت الدولتان بمنع أنشطة PKK والمنظمات المرتبطة به أو التي تعمل واجهة له وكذلك الأشخاص الذين يعملون أو لهم علاقة بها، بما في ذلك أنشطة جمع الأموال وتحشيد الأنصار والدعاية.
وتعهدت ستوكهولم وهلسنكي بمزيد من الحوار والتعاون مع أنقرة في هذا الإطار، وكذلك باتخاذ خطوات عملية بما في ذلك تعديلات قانونية لمزيد من التشديد على الجرائم المتعلقة بالإرهاب.
وفيما تلا توقيع مذكرة التفاهم في مدريد، أبدت فنلندا تعاوناً أكبر مع تركيا وسلمت بعض المطلوبين للقضاء التركي، فيما ماطلت السويد بذريعة أن ما هو مطلوب منها متعذر أو يتطلب تشريعات أو تعديلات دستورية ستحتاج إلى وقت وقد لا تكون ممكنة، فضلاً عن سماحها لأحد المتطرفين بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية وتصنيف ذلك تحت حرية الرأي والتعبير وإن كانت قالت إنها لا تصوّب الفعل ولا تشجع عليه.
وهنا، تقدمت أنقرة بمقترح فصل المسارَين بحيث تقر عضوية فنلندا في الناتو وتُرجئ ملف السويد إلى وقت لاحق تكون الأخيرة نفذت ما عليها من مسؤوليات في مذكرة التفاهم.
لكن الدلتان رفضتا هذا المقترح وكذلك رفضه الناتو الذي كان لا يزال يصر على لسان أمينه العام ينس ستولتنبيرغ على أن السويد وفنلندا تفاعلتا بشكل إيجابي مع المطالب التركية وأن على أنقرة الموافقة سريعاً على انضمامهما إلى الحلف.
لم يكن الوقت يسير لصالح الدولتين. فرغم الضغوط التي مورست عليها، ثبتت أنقرة على موقفها، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، لم تعُد فسحة زمنية كبيرة، هذا فضلاً عن تصاعد وتيرة الحرب الروسية-الأوكرانية واحتمالات توسعها من جهة ثانية.
وهكذا، وافقت فنلندا على مقترح تركيا بالفصل بين ملفها وملف السويد وزار رئيسها ساولي نينيستو أنقرة والتقى الرئيس أردوغان الذي أكد على أن بلاده عند موقفها، وأنها مع استجابة هلسنكي للمطالب التركية ووفائها بالتزاماتها في مذكرة التفاهم ستبدأ إجراءات قبولها في الناتو، وهو ما قابله الرئيس الفنلندي بالقبول والاستحسان.
الآن، مع الخطوات التركية والموافقة المجرية، يمكن القول إن فنلندا باتت ضمن الناتو بانتظار بعض الخطوات الإجرائية، فيما لا تزال السويد تنتظر موافقة الدولتَين، تركيا والمجر.
وبالتالي، أثبتت تركيا مرة أخرى أنها ليست ضد سياسة توسيع الناتو بل معها نظرياً وتاريخياً وعملياً في الوقت الحاضر، ما يسقط الادعاءات بحقها في هذا الخصوص. كما أكدت أن المشكلة ليست لديها وإنما لدى السويد التي عليها الوفاء بالتزاماتها.
كما تجنبت أنقرة بذلك أي توتر محتمَل مع الحلف والولايات المتحدة على وجه التحديد، وهو أمر قد يكون له انعكاسات إيجابية على الملفات الخلافية العالقة مع واشنطن وفي مقدمتها صفقة مقاتلات F16.
كما أن تركيا تلقي بذلك بالكرة في ملعب السويد مع ضيق المساحة الزمنية المتاحة قبل الانتخابات المقبلة، ما يزيد الضغوط على الأخيرة لتفي بالتزاماتها، ويخففها على تركيا.
الأهم ربما، أن موافقة تركيا عضدت موقفها وقوّت سرديتها، فهي أثبتت في مذكرة التفاهم الموقعة في مدريد برعاية الناتو ثم في المفاوضات والحوارات المباشرة مع الدولتين حساسيتها الشديدة تجاه الإرهاب والمنظمات المتورطة فيه من جهة والعلاقة المباشرة وربما العضوية بين عناصر PYD وتنظيم PKK الإرهابي من جهة ثانية، وهو الملف الخلافي الأول بينها وبين الولايات المتحدة وبعض الأعضاء الآخرين في الحلف.
وفي الخلاصة، إن كانت موافقة البرلمان التركي المنتظرة مع موافقة المجر الحاصلة على عضوية فنلندا في حلف الناتو تعد مكسباً كبيراً للأخيرة، فإن المكاسب التركية لا تقل عنها، لا سيما وأنها ترتبط بثباتها على موقفها من جهة وتخفيف الضغوط عليها من جهة ثانية ومنح سرديتها مصداقية إضافية من جهة ثالثة.
فضلاً عن الانعكاسات الإيجابية المحتملة أو المنتظرة على علاقاتها مع الحلف والقوة الأولى فيه أي الولايات المتحدة، والتي يصدف أن خلافها الأساسي مع أنقرة يدور حول دعمها للامتدادات السورية لـPKK الإرهابي.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.