فآبي أحمد الذي حاز على ثقة البرلمان الإثيوبي في 27 مارس/آذار 2018، يعد أول رئيس وزراء من عرقية الأورومو، وهو بحكم منصبه كرئيس للوزراء، يعتبر الشخصية الأقوى في السياسة الإثيوبية.
يستعد آبي أحمد لخوض الانتخابات البرلمانية في 21 يونيو/حزيران 2021 الحالي بعد أن تم تأجيلها مرتين، ومن هنا يبحث عن معركة يحقق فيها ما يقوي من موقفه الانتخابي خصوصاً بعد تردي الأوضاع الأمنية في إقليم تيغراي.
من هنا كان لا بد له من إحراز نصر في معركته لإكمال بناء سد النهضة. فإثيوبيا تتمسك بما تعتقده انتصاراً في معركتها بشأن سد النهضة ضد كل من السودان ومصر، أملاً في أن تؤدي النجاحات الخارجية إلى إعطاء دفعة لتماسك الجبهة الداخلية.
اعتمد سد النهضة كمشروع استراتيجي تمت التعبئة الشعبية له، وسُوق على أنه المنقذ لإثيوبيا من الفقر والسبيل الوحيد للنهضة والتنمية. وبرعت إثيوبيا في الأعوام العشرة الماضية في أن تلعب على عامل الزمن، بإطالة أمد التفاوض حتى أكملت 70% من بناء جسم السد وأنجزت المرحلة الأولى من التعبئة التي بلغت 4.9 مليارات متر مكعب من المياه العام الماضي، والتي تؤكد إثيوبيا أنها تمت من دون إلحاق الضرر بأحد، في الإشارة إلى مصر والسودان.
وتأتي المرحلة الثانية المقررة في يوليو/تموز القادم والمقدرة بـ13.5 مليار متر مكعب، في وقت تشترط فيه كل من السودان ومصر بأن لا تتم التعبئة الثانية إلا بعد اتفاق قانوني وملزم، لكيفية تعبئة السد وتبادل المعلومات، الأمر الذي تعتبره إثيوبيا انتقاصاً من سيادتها، لكنها أبدت استعدادها أن تقوم بتبادل المعلومات بشكل غير ملزم.
في اعتقادي أن إثيوبيا حتى الآن تتقدم في موقفها الرامي إلى فرض سياسة الأمر الواقع على كل من السودان ومصر، اللتين راهنتا على نهج التفاوض والعمل الدبلوماسي، ومحاولة الضغط على إثيوبيا بفرض حلولٍ دوليةٍ عليها، عبر الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية والإقليمية.
تظهر مصر اهتماماً بالغاً بتهديد أمنها المائي، وتعتمدُ في موقفها على اتفاقية الأنهار العابرة للدول وحقها التاريخي في مياه النيل استناداً إلى اتفاقية عام 1959، وتسعى للاحتفاظ بنصيبها المتفق عليه في الاتفاقية والبالغ 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، كما تتحصل مصر من حصة السودان على ما يقدر بـ6.5 مليارات متر مكعب سنوياً منها سلفة، والآخر غير مستغل.
وتخشى مصر أن تتوقف هذه النسبة إذا ما تم إنشاء سد النهضة. ومن الممكن أن يطالب السودان بسلفته المائية التي بلغت قرابة 350 مليار متر مكعب منذ اتفاقية مياه النيل ممَّا سيعقد الأمر مستقبلاً.
وفي تقديري فإن هذا الموقف جعل مصر تحرص كل الحرص على أن يتحد موقفها مع الموقف السوداني، وأن تتحركا معاً من أجل الضغط على إثيوبيا.
ومع الاقتراب من الموعد المحدد لذلك، صعّد الرئيس المصري من لهجة بلاده "بأن لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرةً واحدةً من مياه مصر وإلا فستحدث حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد، ولا أحد يعتبر نفسه بعيداً عن قدرات مصر". الأمر الذي فُهم منه أن مصر مستعدة لتوجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا إذا استمرت في موقفها الأحادي وشرعت في التعبئة الثانية للسد.
لم تفلح المحاولات الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في خفض حدة التوتر بين البلدان الثلاثة، رغم زيارة المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان لمنطقة القرن الإفريقي في مايو/أيار الماضي، الزيارة التي لم يقدم فيها شيئاً غير الدعوة إلى التهدئة ومواصلة الحوار. كان واضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد الضغط المباشر على إثيوبيا، كما أنها لن تسمح بأن يتحول الإقليم إلى ساحة احتراب وعدم استقرار.
جاءت التدريبات العسكرية الجوية المشتركة بين السودان ومصر (نسور النيل 2) في منطقة مروي شمال السودان في مارس/آذار الماضي، كما أنه في آخر مايو/أيار الماضي اختتم المشروع التدريبي الثاني (حماة النيل) الذي شاركت فيه الوحدات البرية والجوية والبحرية للجيشين، والتي قال عنها الجيش السوداني: "بأنها من أجل رفع القدرات القتالية وردع المتربصين من الأعداء". ممَّا فُهم منه ضمنياً أنها رسالة أخيرة إلى إثيوبيا.
وفي هذا السياق، قام رئيس أركان الجيش المصري بجولة في دول الجوار الإثيوبي، ووقع العديد من بروتوكولات التعاون العسكري والأمني في كل من جنوب السودان ويوغندا وكينيا وبوروندي. كل هذا الحراك اختتم بزيارة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي في 27 مايو/أيار الماضي، كأول رئيس مصري يزور جيبوتي منذ استقلالها في 1977، ممَّا يؤكد ما ذهبنا إليه من أن ملف سد النهضة هو الملف الأبرز، وتعمل الدبلوماسية المصرية على تطويق إثيوبيا عبر جيرانها.
على الرغم من هذا التصعيد، فلا أرى أن الحل العسكري مطروح بجدية، فظروف البلدان الثلاثة لا تقوى على تحمل الكلفة الأمنية والاقتصادية والإنسانية للحرب رغم الاستعداد لها نظرياً.
فقد قابلت إثيوبيا التنسيق العسكري السوداني بمنهج تصعيدي، وإعلانها بأن القوات الجوية الإثيوبية في حالة استعداد أكثر من أي وقت مضى من أجل حراسة سد النهضة.
كما أكدت عزمها على المضي قدماً في إكمال المرحلة الثانية من التعبئة في يوليو/تموز القادم، بل ذهب رئيس الوزراء آبي أحمد إلى أكثر من ذلك بأن بلاده ستبني 100 سد متوسط وصغير في العام القادم على أنهار غير عابرة.
وفي نفس الوقت أعلنت مصر عن اتخاذ إجراءات احترازية، حتى لا يضر سد النهضة بخططها الزراعية. بيد أنه من الواضح بأن مسار المفاوضات انتهى بعد توسع نقاط الخلاف بين الأطراف، وذهاب كل طرف في اتجاه بعيداً عن نقطة الالتقاء، في انتظار حلول ومقاربة لا توقف التعبئة الثانية ولكنها تحقق بعض التطمينات لدول المصب، كما أن الخيار العسكري أصبح مستبعداً لكلفته العالية على الدول الثلاث وعلى المنطقة، في وقت تشير فيه بعض المؤشرات إلى أن إثيوبيا بدأت فعلياً في التعبئة الثانية للسد.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.