في يوليو/تموز عام 2023، أثار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مشكلة وصول بلاده إلى البحر في الرأي العام، مشيراً إلى أن إثيوبيا البالغ عدد سكانها 125 مليون نسمة، هي أكبر دولة محاطة باليابسة في العالم، وأن الوصول إلى البحر كان يعدُّ أولوية قصوى لأباطرة إثيوبيا السابقين، ومنهم هيلاسيلاسي الذي حكم في الفترة الواقعة بين عامي 1930 و1974، ونقل رئيس الوزراء عبارة لـ"راس آلولا" أحد جنرالات القرن التاسع عشر مفادها أن البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا.
وقال آبي أحمد في اجتماع له مع رجال الأعمال: "نريد الحصول على ميناء بطرق سلمية، ولكن إذا فشلنا في ذلك، فسنستخدم القوة"، مؤكداً أن عدم وجود ميناء لإثيوبيا على البحر الأحمر يشكل تهديداً محتملاً للنزاع مع الدول المجاورة في المستقبل.
واتجهت أنظار الجميع إلى مدينة أساب التي اعتقدوا أنها هدف آبي أحمد، فهي واقعة على شواطئ البحر الأحمر، وكانت جزءاً من إثيوبيا حتى استقلال إريتريا قبل 30 عاماً، لم يتوقع أحد أن يكون التوجه نحو صوماليلاند.
آخر ما يحتاجه القرن الإفريقي الذي عانى الأزمات السياسية والجفاف والحروب الداخلية لسنوات طويلة هو بدء حرب جديدة، لكن التهديدات اليوم وصلت إلى مستويات مقلقة للغاية
ماذا حدث؟
وقع رئيس الوزراء آبي أحمد ورئيس دولة صوماليلاند موسى بيحي عبدي، يوم الاثنين 1 يناير/كانون الثاني الماضي، اتفاقاً في إثيوبيا بخصوص تأجير مساحة 20 كيلومتراً على سواحل صوماليلاند بغية إنشاء ميناء وقاعدة عسكرية.
ووفقاً لمذكرة التفاهم، فإن عقد الإيجار سيستمر لمدة 50 عاماً، وستحصل إثيوبيا بموجبه على مساحة في ميناء بربرا في صوماليلاند، مقابل امتلاك الأخيرة حصة في شركة الطيران الإثيوبية.
وعليه كان من المفترض أن تعترف إثيوبيا بسيادة جمهورية صوماليلاند، وهي دولة أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991، ولم يُعترف بها دولياً. وقد تضمن هذا الاتفاق أيضاً تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي بين إثيوبيا وصوماليلاند.
إن إعلان إثيوبيا توقيع اتفاق "استخدام ميناء بربرا" مع صوماليلاند لتحقيق حلمها في الوصول إلى البحر الأحمر زاد من التوتر في القرن الإفريقي.
صرّح رئيس جمهورية صوماليلاند موسى بيحي عبدي وقال: "نحن نمنح إثيوبيا حق الوصول إلى البحر لمسافة 20 كيلومتراً من خلال هذه الاتفاقية، وفي المقابل سيعترفون بنا، وبذلك ستكون إثيوبيا أول دولة تعترف بنا كصوماليلاند".
وأعلن عبدي أن المنطقة التي ستمكن إثيوبيا من الوصول إلى البحر ستُؤجر كجزء من الاتفاق.
وتسعى صوماليلاند في الآونة الأخيرة إلى إقامة علاقات مختلفة للحصول على حضور دولي، ولا سيّما أنها تسعى لتطوير العلاقات المتبادلة مع تايوان بتوجيه وتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية.
ويُشار إلى أن صوماليلاند لم تعترف بها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من قبل، ما يجعل من الاتفاق الذي أُبرم غير ملزم قانونياً؛ نظراً لأن صوماليلاند ليست دولة معترفاً بها.
بدورها تعمل تركيا منذ زيارة السيد الرئيس رجب طيب أردوغان كرئيس وزراء إلى الصومال عام 2011، من أجل دعم وحدة الصومال وتكاملها ونهضتها
تداعيات الاتفاق
عقدت حكومة جمهورية الصومال الاتحادية اجتماعاً عاجلاً برئاسة الرئيس حسن الشيخ محمود، ورفضت بشدة "انتهاك سيادتها"، كما سحبت الحكومة الصومالية سفيرها من أديس أبابا. من الممكن النظر إلى الخطوة التي قامت بها إثيوبيا على أنها ضمّ واقعي لأراضي وبحار الصومال إليها، وينظر الصوماليون إلى هذا الوضع على أنه إعلان حرب.
ووقع الرئيس حسن الشيخ محمود قانوناً لإلغاء الاتفاق غير الشرعي وإعلان بطلانه، كما طلب الدعم من إريتريا خلال زيارته لها، كما أدان الناطق باسم حركة الشباب الصومالية الشيخ علي محمود راجي اتفاقية إثيوبيا-صوماليلاند، ودعا الشعب الصومالي إلى الثورة للدفاع عن بحارهم وأراضيهم، مشدداً على أن الإثيوبيين لن يستطيعوا أبداً السيطرة على المياه الصومالية.
على الصعيد الإقليمي، من المتوقع أن يتأثر استقرار المنطقة وأمنها نسبياً في الفترة الأخيرة، ورغم عدم فهم الأسباب التي دفعت إثيوبيا إلى اتخاذ هذه الخطوة التي ستؤدي إلى الفوضى، فإنه من الممكن أن تكون إثيوبيا ترغب في ذلك بالفعل.
نجح اتحاد المحاكم الإسلامية في إقامة حكم مستقر في مقديشو عام 2006، وذلك لأول مرة بعد 16 عاماً من الفوضى والتشتّت، لكن إثيوبيا غزت الصومال بدعم من الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2006 وأطاحت بحكم اتحاد المحاكم الإسلامية.
وندّد الاتحاد الإفريقي بالاتفاق، وأعربت جامعة الدول العربية عن دعمها لسلامة أراضي الصومال ضد عدوان إثيوبيا، كما أعربت الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي عن دعمها للصومال.
الموقف التركي
بدورها تعمل تركيا منذ زيارة السيد الرئيس رجب طيب أردوغان كرئيس وزراء إلى الصومال عام 2011، من أجل دعم وحدة الصومال وتكاملها ونهضتها.
وعبّرت تركيا عن قلقها تجاه مذكرة التعاون والشراكة الموقعة في أديس أبابا في 1 يناير/كانون الثاني الماضي بين إثيوبيا وصوماليلاند، التي كانت من دون علم وموافقة الحكومة الصومالية.
كما كرّرت تركيا التزامها بوحدة جمهورية الصومال الاتحادية وسيادتها وسلامتها الإقليمية، مؤكدة ضرورة ذلك وفق القانون الدولي.
وأكدت أنقرة دعمها لحل الخلافات بين الصومال وصوماليلاند من خلال المفاوضات المباشرة، مع تكرار دعمها للجهود المبذولة في هذا الاتجاه، تماماً كما فعلت في الماضي.
الحرب على الأبواب
ارتكبت إثيوبيا خطأ تاريخياً باللجوء إلى الاتفاق مع منطقة غير سيادية بعد رفض الدول السيادية على حدودها مطالبها بالوصول إلى البحر الأحمر، هذا الوضع قد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية، إذا استمرت إثيوبيا في الإصرار، فقد تعلن السودان وإريتريا وجيبوتي والصومال الحرب ضدها؛ ما يزعزع الاستقرار في ولاية الصومال الإثيوبية.
إضافة إلى ذلك، فقد تسحب "ولاية الصومال" التي كانت الأكثر استقراراً خلال السنوات الأخيرة دعمها لآبي أحمد، ما قد يؤدي إلى استئناف حرب أوغادين مجدداً، كما قد يبدأ "التيغراي" و"أمهرة" المتنازعتين بمحاربة حكومة آبي أحمد معاً، وقد يتبع هذا سقوط حكومته، وإمكانية دخول إثيوبيا مرحلة انقسام ما بعد سقوط الحكومة.
إن آخر ما يحتاجه القرن الإفريقي الذي عانى الأزمات السياسية والجفاف والحروب الداخلية لسنوات طويلة هو بدء حرب جديدة، لكن التهديدات اليوم وصلت إلى مستويات مقلقة للغاية، فامتيازات الساحل التي قدمتها صوماليلاند لإثيوبيا مقابل الاعتراف بها، ستزيد من حالة الفوضى في المنطقة، وقد تؤدي إلى بدء النزاعات مرة أخرى، تمس إثيوبيا أكثر من غيرها، ورغم محاولتها الاستفادة من عدم استقرار الدول المجاورة بتوقيع هذا الاتفاق، فإن ذلك سيتسبب في تحقيق أضرار كبيرة لها على المدى الطويل.
إن محاولة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للحصول على ميناء في البحر الأحمر، تعرّض العالم هذه المرة لخطر إثارة صراع آخر في المنطقة بالتزامن مع أزمة الحوثيين واستهدافهم السفن الإسرائيلية والأمريكية في ممر الشحن الأكثر كثافةً في العالم تنديداً بالحرب على قطاع غزة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.