لقد انتهكت القوات الروسية القوانين الدولية المتعلقة بالتعامل مع المدنيين في زمن الحرب، إذ قامت القوات الجوية الروسية المتمركزة في مطار حميميم بغارات وحشية على بيوت السكان الآمنين، ودمّرت البنى التحتية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام الأسدي، كالمدارس، والمساجد، والمشافي، ومؤسسات الخدمة المدنية، ووفق هذا النهج (سياسة الأرض المحروقة) دمّرت روسيا نصف مدينة حلب (الجزء الشرقي) حيث تكتظ أحياء هذا الجزء بغالبية سكان المدينة المنكوبة.
هذا التدمير الوحشي لم يُثِر في حينه ردود فعل أوربية وأمريكية، تتوازى مع حجم الجرائم الروسية ضد المدنيين، وقد ظهر تناقض الموقفين الأوروبي والأمريكي من الوحشية الروسية في سوريا وأوكرانيا، التي تتعرض هذه الأيام لغزو روسي لأراضيها.
ففي منتدى الدوحة العشرين قال وزير خارجية المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان: "ذكر المفوّض الأوروبي بأن مدينة ماريوبول الأوكرانية بمثابة حلب لأوروبا، ونحن نقول له حسناً، حلب هي حلب بالنسبة إلينا". فردّ المفوّض الأوروبي: "لكننا لسنا مَن فجّر حلب". فردّ عليه فيصل بن فرحان: "ليس أنتم، ولكن تفاعل المجتمع الدولي مع الأزمتين كان مختلفاً".
ما تَحدَّث به وزير الخارجية في المملكة العربية السعودية، حول طبيعة الموقف الأوروبي والغربي المتمايز بين أزمتين تقف خلفهما روسيا البوتينية، كان كشفاً بيّناً لجوهر الازدواجية، التي يتسم بها الموقف الغربي والأوروبي من أزمتين متشابهتين، على مستوى عمليات التدمير والقتل الوحشية، التي مارستها القوات الروسية في سوريا، ونشير إلى ما فعلوه في حلب كشاهد، ولا يزالون يفعلونه في أوكرانيا، وكشاهد عيانٍ آخر، ما يفعلونه بمدينة ماريوبول.
عدم مبدئية الموقف الأوروبي، حيال الوحشية التدميرية الروسية، المنتهكة للقوانين الدولية، هو من سمح لبوتين بممارسة سياسة الأرض المحروقة في ماريوبول الأوكرانية، كما مارسها من قبل في سوريا عموماً وفي حلب خصوصاً.
هذه الوحشية للعمليات العسكرية الروسية، وهذه التمييزية الغربية والأوربية بين شعبين (السوري والأوكراني) هما ما ساهم في تدمير حلب من قبل، وتدمير ماريوبول حالياً، وربما تدمير مدن أخرى مستقبَلاً، ولهذا يجب أن تعرف الشعوب في البلدان الغربية أن حكوماتها تدعو إلى تطبيق قوانين حقوق الإنسان في بلدان محددة، وتتجاهل تطبيقها في بلدان أخرى مثل سوريا.
والسؤال الكبير هنا إذا ما كان النظام الروسي سوف يحاكم جراء الحرب التي ارتكبها ويرتكبها ضد المدنيين، خصوصاً مع جود اعتراف دولي متنامٍ حول جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا.
وفق هذه الحقائق الدامغة، ونظراً إلى حدوث نوع من الزخم العالمي تجاه هذه القضية، تحتاج قوى الثورة والمعارضة السورية تحديداً إلى وضع خطة عمل واسعة، تتمثل في جدولة خطواتها، التي تتوزع على أنشطة وفاعليات مختلفة ومدروسة التوقيت والأثر، وردود الفعل الدولي عليها، من أجل تنشيط ملفّ جرائم حرب القوات الروسية والسورية على السواء في سوريا.
إن فضح جرائم القوات الروسية في سوريا وأوكرانيا، وفضح ازدواجية الموقف الأوربي الغربي، يحتاجان بالضرورة إلى ضخٍّ إعلامي كبير، ونقصد بالضخ الإعلامي توسيع مساحة نشر الموادّ الصحفية والرقمية المتعلقة بهذين الأمرين، ففضحهما يفتح الباب باتجاه محاسبتهما قانونياً وقضائياً وسياسياً بالنسبة إلى الروس، وسياسياً بالنسبة إلى الحكومات الغربية، التي صمتت عن جرائم روسيا في سوريا.
كذلك إن ما يجب أن تلحظه خطة العمل، لا سيما في أمر تنظيم اعتصامات ومظاهرات سلمية في أماكن انتشار السوريين المهجَّرين من ديارهم في أوروبا وغيرها، هذه الاعتصامات والمظاهرات السلمية، ينبغي أن تتشارك بها مع السوريين القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في أوروبا، والتي تعارض الحروب والتمييز العنصري، وتقف مع الشعوب المظلومة ضدّ ظالميها.
إن تنظيم العرائض والبيانات الموقَّعة على مستوى واسع من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة، سيدعم حملة فضح الجرائم الروسية، ويفضح تقصير الحكومات الأوربية أمام شعوبها، هذا التقصير تَمثَّل في عدم الدعوة إلى محاسبة الروس، الذين ارتكبوا جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، في وقت تجاهلت فيه الحكومات الغربية رفض العدوان الروسي، وارتكابه لهذه الجرائم في مناطق خارج سيطرة نظام الأسد الوحشي.
إن خطة عمل قوى الثورة والمعارضة المقترحة تحتاج من كل أطيافها، سواءٌ المنضوية في مؤسسات هذه الثورة، أو في تنسيقياتها المستقلة، أو قواها السياسية، وقوى المجتمع المدني، إلى تشكيل قيادة عمل واحدة لهذا الجهد، قيادة تتصف بالفاعلية والقدرة على الحركة والتأثير والمبادرة.
إن تنفيذ خطة العمل المتكاملة سيجعل من القضيتين (السورية والأوكرانية) قضية واحدة أمام الرأي العامّ العالمي، وهو ما سيحرج حكومات الغرب الأوروبي، التي لم تبادر جدِّيّاً لفضح الدور الإجرامي الروسي في سوريا، بل عملت معه على قاعدة اتقاء شرّه، وهو ما أثبت خطأ هذه السياسة، بحيث انتقلت تداعيات الوضع الروسي والجرائم الروسية إلى أوكرانيا، التي قد تكون المقدِّمة الأساسية للغزو الروسي القادم نحو أوروبا الشرقية، في محاولة بوتينية لإحياء أمجاد الإمبراطوريتين الروسية أيام بطرس الأكبر، والسوفييتية التي مضى على انهيارها أكثر من ثلاثين عاماً بقليل.
إن هذه الخطة يجب أن تُنفَّذ على تقديرات واقعية من حيث الحشد ومخاطبة الرأي العامّ الدولي والأمم المتحدة وشعوب البلدان الأوربية، وبلدان الشرق الأوسط، بحيث لا تشمل عدداً من منظمي الاعتصامات والمظاهرات من السوريين، بل يجب الدفع باتجاه أوسع مشاركات ممكنة، من طرف قوى الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، ومن القوى المناهضة للديكتاتوريات والأنظمة الشمولية، ومن الأحزاب ومنظمات المجتمع الغربي في أوروبا، لإحراج أنظمتها البراغماتية، هذه الأنظمة التي تمارس ازدواجية في تعاملها مع قضيتين محقتين، هما قضية رفض العدوان الروسي على كلّ من شعبَي سوريا وأوكرانيا.
إن انتظار المجتمع الدولي وفي مقدمته الحكومات في أوروبا والغرب عموماً، لكي ينتصر للشعبين السوري والأوكراني، هو انتظار بلا جدوى، وللخلاص من سلبية هذه المواقف الدولية، ينبغي الاعتماد على تحريك قوى الشارع الشعبي في البلدين المنكوبين بسبب الحرب الروسية، وتحريكها في شوارع وساحات أوروبا وعموم دول الغرب، عبر تحويل هذه الاعتصامات والمظاهرات والضخ الإعلامي نصرة للقضيتين، إلى قوة دفع حقيقية لوقف العدوان الروسي، وكذلك لمعاقبة المعتدين عبر المحاكم الدولية.
إن أنظمة أوروبا مطالبة بالاعتذار عن السكوت على جرائم الروس، وإعادة النظر باستراتيجياتها القائمة على ممالأة روسيا البوتينية لقاء مصالح اقتصادية ضيّقة.
فهل يذهب ائتلاف قوى الثورة والمعارضة إلى تنظيم مؤتمر شعبي سوري، يتمّ من خلاله حشد كل أطياف القوى الرافضة لنظام الاستبداد الأسدي وللعدوان الروسي، بحيث ينبثق عنه قيادة هذا الحراك الكبير لحشد الرأي العام العالمي، ولفضح العدوان الروسي على شعبي سوريا وأوكرانيا، ولإدانة التقصير الذي انتهجته حكومات الغرب حيال جرائم الروس ونظام الأسد والإيرانيين بحق الشعب السوري؟ ننتظر ماذا سيفعل مسؤولو قوى الثورة والمعارضة في هذا الاتجاه، خصوصاً أن هذه الجرائم موثقة بشكل كبير عبر عشرات الآلاف من الوثائق والصور.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.