فالمتطرفون لا يؤمنون إلا بالعنف وبإقصاء الآخر، فيما ينادي الكثير بالحوار والتفاهم والتسامح والتكامل. فقد كثر الكلام في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، عن الإسلام والغرب وما المطلوب والواجب عمله، الحوار أم المواجهة.
فريق يرى أن الحوار لا جدوى من ورائه بخاصة أن العلاقة بين الغرب والشرق -بلاد الإسلام- ليست متكافئة في جميع الميادين، سواء العسكرية والاقتصادية والتقنية، إلخ، فلا فائدة من الحوار، بخاصة أن الغرب بقوّته وهيمنته على الصناعات الثقافية والإعلامية مستمر في حملاته الدعائية والصور النمطية وحملات التشويه والتضليل ضدّ الإسلام والمسلمين والعرب.
فأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ومن بعدها الحرب على الإرهاب شكّلتا أرضاً خصبة للتحريض ضد العرب والمسلمين بدعوى أن الإرهاب والصراع والصدام والقتل والعنف من صلب الإسلام الذي لا يعترف بالحوار والتفاهم والتعايش.
الحوار فرض وضرورة
ويُصِرّ فريق آخر على الحوار وعلى ضرورته ويرى أن عدم الحوار يعني الهرب من الواقع وإعطاء الفرصة للمتربصين بالإسلام وأعداء الدين الحنيف ليفعلوا ما يشاؤون بقيمه المثلى وتعاليمه الإنسانية. عدم الحوار هو التنصل من مسؤولية كبيرة جدّاً هي شرح وتفسير الإسلام والدفاع عنه وتقديمه على حقيقته للآخر.
وإذا سلّمنا بالحوار، فهل الدول الإسلامية والمسلمون والمؤسسات الإعلامية والثقافية في بلاد العرب والمسلمين قادرة على القيام بدورها ومسؤوليتها وفتح قنوات حوار وتواصل مع الآخر حتى يعرف حقيقة الإسلام؟
هل هي مؤهلة ولها القدرات والإمكانيات والوسائل واللغة والأسلوب والطريقة للوصول إلى الآخر؟
يشير الواقع إلى ضعف كبير في الوسائل والإمكانيات والمناهج والطرائق، إلخ، فالمؤسسات الدينية كالأزهر الشريف بحاجة إلى تطوير ومسايرة القرن الحادي والعشرين ومسايرة مجتمع ثورة المعلومات والإنترنت والمجتمع الرقمي وما إلى ذلك. إذا أراد الفقهاء وعلماء الدين والشريعة الوصول إلى الآخَر، وإذا أرادوا فهم وشرح وتفسير الدين الإسلامي بمنطق العصر والألفية الثالثة، فعليهم إتقان لغة الآخر وعلوم العصر حتى يجادلوا الآخَر ويقدموا له الإسلام بلغته ومنطقه وبمنطق العلوم والمعارف.
فالجميع يلاحظ هذه الأيام، وبخاصة بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001، التشويه والحملات الدعائية المنظَّمة ضد الإسلام والمسلمين والعرب، وهذا الوضع يحتاج إلى عمل منهجي ومنظم من قبل المسلمين للردّ بالبيِّنة والحُجَّة والبرهان والمنطق باللغات العالمية.
تجديد الخطاب الديني مسؤولية الجميع
تجديد الخطاب الإسلامي مسؤولية الجميع، وبخاصة أهل العلم والفقه والتفسير والاجتهاد الذين هم بحاجة إلى التحكم في فنيات الإقناع والحوار ومخاطبة الآخر من خلال تقنيات تعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل المختلفة وفنيات العرض والغرافيك المتطورة التي تخاطب العقل مباشرة وتؤثّر فيه. الدعاة بحاجة إلى التحكم في فن الخطابة والإلقاء وكيفية التعامل مع المفاهيم الدينية والعقائد بشكل جديد في أسلوب طرحها وتقديمها للآخَر، وكذلك القدرة على تفنيد الأساطير والحملات الدعائية والشبهات والتضليل والتشويه بطريقة يفهمها العقل الغربي.
الإشكالية الأخرى التي تُطرح في موضوع الإسلام والغرب وضرورة الحوار والتعايش هي التجمعات الإسلامية (جمعيات، مراكز، نوادٍ) الموجودة في الغرب، وإلى أي مدى استفاد منها المسلمون لخدمة الإسلام وشرحه وتفسيره وتقديمه للآخَر.
ما آليات عمل هذه التجمعات؟ ماذا عن التنسيق في ما بينها؟ وما دورها في خدمة الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية في بلاد الغرب؟ لم ترقَ هذه التجمعات إلى المستوى المطلوب من حيث التنسيق والمتابعة والتنفيذ في ما بينها في بلاد المهجر وفي ما بينها وبين المؤسسات الدينية في المجتمعات الإسلامية.
ودون تعميم، نجد أن معظم هذه التجمعات تنقصه الوسائل والإمكانيات الضرورية لمحاورة الآخر والتعايش مع الآخر، ومسيَّسة تخدم جهات محددة وآيديولوجيات قد تناقض قيم الإسلام، مما جعل التجمعات الإسلامية في الغرب عبارة عن جزر معزولة، فهي لا تعاني من العزلة فقط بل تعاني من التهميش وعدم التنسيق مع مؤسسات دينية أخرى كذلك (المجامع الدينية، الأزهر الشريف والجامعات الإسلامية الكبرى المنتشرة في الدول العربية والإسلامية)، هذه المؤسسات التي تستطيع تزويدها بالكثير من الوسائل والإمكانيات لتأدية رسالتها بطريقة حضارية ومنهجية وعلمية ظلت بعيدة عنها.
الإشكال الآخر المطروح على مستوى الحوار مع الغرب يتمثل في الالتباس في موضوع الحوار نفسه. وهنا يجب الاقتناع بأن الطريق الصحيح لبناء علاقة إيجابية مع الآخر، بعيداً عن الصور النمطية والأفكار المسبقة، هو الحوار. أما من يرى أن الحوار مع الآخر لا فائدة منه انطلاقاً من مبدأ أن الآخَر لا يقبل الحوار ولا يريد الحوار، فهذا المنطق خطأ ولا جدوى من ورائه، وهنا يجب أن نُقِرّ بأن التقصير فينا لا في الآخر، فالرسول صلى الله عليه وسلم خاطب كفار قريش وهو في حالة الضعف ولا حول ولا قوة له.
كما استطاع أن يبلّغ صلى الله عليه وسلم الرسالة لشعوب عديدة كانت تتفوق عليه في المال والجاه. فما دامت القضية صحيحة ومبنية على الحقّ والمنطق، ففي استطاعة الأمة الإسلامية أن تحاور الآخر وتفنّد الأساطير والأكاذيب وتقدّم الحقيقة للعالم، لكن بشرط أن تقدّم هذه الحقيقة ببساطة ووضوح ومنهج وطريقة تقوم على العلم والمنطق ولغة العصر وأساليب المجتمع الرقمي. فالتعامل مع الغرب يجب أن يتمّ وفق عقلية يفهمها الغرب، أي ضرورة تطوير الخطاب الإسلامي وضرورة تطوير طرق وأساليب الدعوة الإسلامية ومحاورة الآخر بالتي هي أحسن.
العالم الإسلامي بحاجة إلى استراتيجية إعلامية مُحكَمة وإلى عشرات بل مئات الفضائيات الموجَّهة إلى الآخر، كما أنه بحاجة إلى الكثير من الأفلام والبرامج والمنتجات الثقافية والإعلامية تقدّم البديل للآخر وتبصّره بالحقيقة الكاملة وتفنّد الأساطير والأكاذيب من أجل بناء جسور وقنوات الاتصال والتواصل والحوار مع الآخر بهدف التفاهم والتعايش والتكامل لا التصادم والصراع والاستئصال.
من المؤكد أن الكثير من الجهات المنظمة تعمل في الغرب على صنع صورة نمطية سالبة للإسلام والمسلمين، مما يزيد إصرار العقل الجمعي في الغرب على رفض الإسلام، فالتعصب الأعمى والتطرف يدفع بالغرب إلى تطوير آلياته للرفض، وابتداع ما يتلاءم من الوسائل مع قوانينه وقيمه الاجتماعية، بخاصة أن المجتمعات الغربية ترى في الإسلام مهدّداً لِما ظلّت تتوارثه من نظم اجتماعية ومثل وأنماط ثقافية عبر العصور، مما يتطلب من المسلمين وبخاصة المقيمون في الغرب التمسك بالحوار والدعوة بالتي هي أحسن أكثر من أي وقت مضى.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.