كانت كلمات آخر أغنية غنّاها عبد الباسط الساروت بصوته الشجيّ، مليئة بالحسرة والحنين على استمرار القتال والتوتر في سوريا، لكنه قدّم فيها الدعم لثوار الجزائر والسودان، آملاً أن تنال بقية البلدان العربية أحلامها بالحرية.
حين أُعلنَ نبأ موت الساروت، ضجّ العالم باستحضار رحلته منذ بداية الثورة السورية، التي أصبح رمزاً لها ولُقّب بـ"حارسها" و"صوتها"، إذ رافقت أغانيه حركة الاحتجاجات منذ بدايتها عام 2011، وقاد صوته حشود المظاهرات التي انطلقت من مدينة حمص السورية.
في يوم السبت 8 يونيو/حزيران، أعلن قائد فصيل جيش العزة، أحد فصائل المعارضة، مقتل الساروت متأثراً بجراحه، بعد إصابته في المعارك ضدّ قوات بشار الأسد وحلفائه في ريف حماة شمالي سوريا، ثم شيّعه الآلاف يوم الأحد في مدينة الريحانية جنوبي تركيا، قبل أن يصل جثمانه إلى سوريا، ليُدفَن هناك بناءً على وصيته.
قبل اندلاع الاحتجاجات كان الساروت حارس المرمى لفئة الشباب في نادي الكرامة لكرة القدم، وهو واحد من أعرق الأندية السورية.
مع اندلاع الثورة التحق الساروت بالتظاهرات السلمية التي انطلقت من مدينة حمص، وقاد صوته آلافاً بأهازيجه الصادقة التي تطالب بالحرية والكرامة والحب العميق للوطن، ليصبح في غضون أسابيع قليلة أحد رموز تلك المرحلة الأولى من الحراك.
نقطة تحوُّل الساروت في يونيو/حزيران 2012 تعرضت مدينة حمص، مسقط رأس الساروت، لحصار مدمر استمرّ عامين كاملين، طوّق النظام السوري خلاله المدينة بالحواجز والجدران العازلة، ومنع دخول المؤن الغذائية وقطع الكهرباء والماء وخطوط الهاتف والخدمات العامة، بالإضافة إلى قصف المدينة بالأسلحة الثقيلة يوميّاً.
خلال تلك الفترة، قرّر الساروت حمل السلاح الفردي مع رفاقه من الثوار والدخول مع النظام في اشتباكات دفاعاً عن مدينتهم، حتى أُجبِرَ على مغادرة حمص ضمن الاتفاق الذي قضى بإجلاء المعارضة وإعادة تأهيل المدينة.
فقد الساروت والده وأشقاءه الأربعة في المعارك والقصف المتواصل الذي تعرضت له مدينة حمص، ولم يعُد حمل السلاح وقتال نظام الأسد وحلفائه موضع تساؤل لديه منذ حصار حمص، وقرّر أن يكمل مشاركته في الثورة من خلال المسار العسكري.
مع اشتداد المعارك شمالي سوريا وسعي النظام للتقدم في ريفَي حماة وإدلب، وبينما كان الساروت مشاركاً في إحدى العمليات العسكرية مع الفصائل المعارضة، أُصِيبَ إصابة بالغة في ريف حماة نُقل على أثرها إلى تركيا في محاولة لإسعافه، إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة وأعاد بموته شريط الثورة منذ بدايتها حتى الآن.
وصل جثمان الساروت أخيراً إلى مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، ونعته كل فصائل وقوى المعارضة والنشطاء السوريين، وقد ختم الائتلاف السوري بيان النعي بقوله "نودّع اليوم واحداً من أصدق رموز الثورة السورية، وقوفه الشامخ مع الثورة لم يتزحزح، وسيبقى نموذجاً للإنسان السوري الحرِّ النبيل، الذي دافع بكل إخلاص وتفانٍ من أجل ثورة الشعب السوري بعفويتها وعنفوانها، بنضالها السلمي وكفاحها المسلح".
