يدخل القانون الأمريكي لحماية المدنيين السوريين المعروف بـ"قانون قيصر" حيز التنفيذ الأربعاء، ليضع الاقتصاد السوري أمام حلقة جديدة من الضغوط، وهو الاقتصاد المدمر أصلاً جراء الحرب الدائرة منذ 9 سنوات.
الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، أقر القانون في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، بهدف معاقبة النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، على ما تقول واشنطن إنها جرائم حرب ارتكبها بحق المدنيين.
وبينما يخضع النظام السوري بالفعل منذ سنوات، لعقوبات أمريكية وأوروبية، فإنها بقيت محدودة ولم تطل كيانات ودولاً خارجية مرتبطة بالنظام، فيما نص "قانون قيصر" على فرض عقوبات على الأفراد والكيانات والدول التي تدعم نظام الأسد.
والقانون يعطي الرئيس الأمريكي الحق في فرض عقوبات على الأشخاص الأجانب، إذا قاموا بتوفير دعم مالي أو تقني للنظام، أو تعاقدوا معه أو مع الحكومة السورية أو أي من المؤسسات الرسمية أو الكيانات التي تسيطر عليها الحكومة.
ويطول القانون، كل شخص يبيع أو يوفر سلعاً أو خدمات أو تقنيات أو معلومات أو دعماً كبيراً عن علم، أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيعاً للإنتاج المحلي للحكومة السورية من الغاز الطبيعي أو البترول والمنتجات البترولية.
كما يطول أي شخص يبيع قطع غيار لطائرات الحكومة السورية أو حلفائها والكيانات المرتبطة بها أو يوفرها.
وكذلك بالنسبة إلى كل السلع المرتبطة بتشغيل الطائرات لأغراض عسكرية، ويشمل أي شخص يوفر خدمات بناء أو هندسة مهمة للحكومة السورية.
وينطبق القانون أيضاً على الحكومات، ليمس خصوصاً الحكومتين الروسية والإيرانية لدعمهما نظام الأسد.
ويأتي تطبيق القانون، في وقت يستعد فيه النظام السوري لإطلاق عملية إعادة الإعمار، على الأقل في المناطق التي تمكَّن من السيطرة عليها، وتوسعت في الأشهر الأخيرة بدعم سوري-إيراني.
ويرى مراقبون أن القانون سيجعل من عملية الإعمار مسألة غاية في الصعوبة إن لم تكن مستحيلة، إذ سيدفع القانون الشركات إلى النأي بنفسها عن الدخول في مشاريع سورية تجنباً للعقوبات الأمريكية.
يُنسب "قانون قيصر" إلى عسكري سوري أُطلق عليه لقب "القيصر"، كان يعمل مصوراً في الطب الشرعي، انشق عن النظام في 2013.
وكان بحوزة "القيصر" آلاف الصور توثق جرائم النظام السوري وعمليات تعذيب وقتل واسعة لسجناء على أيدي أجهزة النظام.
نصف تريليون دولار
على مدى 9 سنوات، تعرَّض الاقتصاد السوري لتدمير واسع، وقبل تطبيق القانون، تقدِّر مؤسسات دولية ومحلية خسائر الاقتصاد السوري بنصف تريليون دولار.
وقدرت دراسة أعدها "المركز السوري لبحوث الدراسات" (غير حكومي)، نُشرت أواخر مايو/أيار الماضي، أن خسائر الاقتصاد السوري منذ بدء الحرب عام 2011 حتى مطلع 2020، نحو 530 مليار دولار، ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.
ووفقاً لتقديرات الدراسة، فإن نسبة الدمار في البنية التحتية نتيجة المعارك في البلاد تجاوزت 40%، وشملت خسائر البنى التحتية أكثر من ربع المساكن ونصف شبكات الكهرباء ونصف المدارس والمستشفيات ومرافق الخدمات.
كذلك طرأ تراجع حاد على إنتاج النفط الخام من 400 ألف برميل يومياً في 2010، إلى أقل من 30 ألف برميل يومياً حالياً، وفق تقديرات "بريتيش بتروليوم".
وعلى مدى 9 سنوات، ارتفع الدين العام للبلاد ليتجاوز 200% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يقترب معدل البطالة من 50% مرتفعاً من 15% عام 2010، وبات 85% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر.
انهيار الليرة
لأول مرة، تشمل العقوبات البنك المركزي السوري، إذ يجيز القانون مراقبة أعمال البنك في مجال غسل الأموال.
ويعطي القانون صلاحية لوزير الخزانة الأمريكي ضمن مهلة 90 يوماً من دخول القانون حيّز التنفيذ، أن يحدد ما إذا كانت أسباب معقولة تقود إلى اعتبار أن المركزي السوري هو مؤسسة مالية ذات اهتمام رئيس بتبييض الأموال.
وإذا ثبت ذلك، يعود إلى وزير (الخزانة) بالتنسيق مع الهيئات الفيدرالية المعنية، فرض الإجراءات العقابية المنصوص عليها في "قانون قيصر".
وانهارت الليرة السورية بالفعل، حتى قبل دخول القانون حيز التنفيذ، وهي معرضة بعد تطبيقه لمزيد من الانهيار.
ومنذ بدء الحرب عام 2011، مرت الليرة السورية برحلة طويلة من الهبوط، من سعر يرواح 50 ليرة للدولار عند اندلاع الحرب، ليتجاوز سعر صرف الدولار عتبة 3500 ليرة مطلع يونيو/حزيران الجاري.