وأفاد بيان صادر عن قصر الإليزيه (الرئاسة الفرنسية)، بأن "ماكرون يعترف في هذا اليوم (ذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية) بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر، وأحد القادة الستة الذين فجروا الثورة في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، اغتاله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس سنة 1957".
وأوضح البيان أن ماكرون يرى أن "العمل من أجل الحقيقة والاعتراف يجب أن يستمر".
وقبل اعتراف الرئيس ماكرون الأخير، ظلّت الرواية الفرنسية الرسمية تزعم أن ابن مهيدي "انتحر" في زنزانته، رغم أن الجنرال أوساريس، الذي يُلقب في الجزائر بـ"السفاح"، اعترف بقتله في مذكرات نشرها عام 2000.
ويُعد ابن مهيدي، الذي وُلد عام 1923 في مدينة عين مليلة بمحافظة أم البواقي شرقي الجزائر، "رمزاً" في بلاده، وأحد مفجري ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، فهو صاحب المقولة التاريخية "ألقوا بالثورة إلى الشارع يلتقطها الشعب".
وألقت قوات الاحتلال الفرنسي القبض عليه في فبراير/شباط 1957، فيما كان يقود معركة الجزائر (العاصمة) ضد الاستعمار، وآنذاك اشتهر بوقفة الشموخ مبتسماً وهو مُصفد اليدين.
وظل ابن مهيدي محل إعجاب من الجنود المظليين الفرنسيين الذين ألقوا القبض عليه، حيث قدموا له تحية الشرف؛ نظراً إلى شخصيته القيادية والفريدة، حتى إن الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار، سمّاه "العدو ذا القيمة".
ويعد هذا ثالث اعتراف من الرئيس ماكرون بمسؤولية بلاده عن اغتيال شخصيات بارزة في الثورة الجزائرية.
فقد اعترف في 13 سبتمبر/أيلول 2018 بمسؤولية الجيش الفرنسي عن اختطاف الناشط اليساري الفرنسي والمناضل من أجل استقلال الجزائر موريس أودان سنة 1957، وقتله تحت التعذيب.
وفي 3 مارس/آذار 2021، اعترف بمسؤولية بلاده عن تعذيب وقتل المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل سنة 1957، في وقت كانت الرواية السائدة لفرنسا تفيد بأن بومنجل انتحر قفزاً من طابق مرتفع في أثناء استجوابه؛ ما أدى إلى مصرعه.
وانتهج ماكرون سياسة تقوم على الاعتراف التدريجي بجرائم الاستعمار الفرنسي-الجزائري، إذ أدان في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021 القمع الدموي لمظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، في العاصمة باريس من الشرطة الفرنسية بقيادة السفاح موريس بابون؛ ما خلَّف آنذاك أكثر من 12 ألف قتيل، منهم من أُلقوا أحياءً داخل نهر السين.
يأتي اعتراف ماكرون باغتيال فرنسا لابن مهيدي، في وقت تشهد العلاقات الجزائرية-الفرنسية توتراً وشبه قطيعة دبلوماسية، إذ سحبت الجزائر سفيرها من باريس نهاية يوليو/تموز الماضي عقب دعم الحكومة الفرنسية الطرح المغربي في قضية إقليم الصحراء.
ورفض الرئيس الجزائري إجراء زيارة لفرنسا كان من مقررة نهاية سبتمبر/أيلول أو بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضيين.
إذ صرح قائلاً: "لن أذهب إلى كانوسا"، وهو تعبير من الثقافة الأوروبية يُستخدم للإشارة إلى رفض تقديم أي تنازلات؛ ما يعكس عمق الأزمة والتوتر في العلاقات بين البلدين.