لم يرُق تقدم قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً وانتصاراتها المتوالية واستيلاؤها على مدن استراتيجية في محيط العاصمة الليبية طرابلس، لخليفة حفتر الذي تهاجم مليشياته المسلحة العاصمة منذ أكثر من عام، فقرّر أن ينصّب نفسه على رأس قيادة البلاد، دون استناد إلى أي شرعية معترَف بها داخلياً ودولياً، مدعياً أن ذلك يأتي استجابة لدعوة الشعب.
خطوة حفتر جاءت بعد أيام من دعوة وجّهها إلى الشعب الليبي "لتفويض الجهة التي يراها لإدارة البلاد"، ليوقف بذلك العمل بالاتفاق السياسي المتمثل باتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة في 2015، "والذي أصبح مع هذا الإعلان جزءاً من الماضي"، على حدّ تعبيره.
رفض دولي للإعلان
يقول الكاتب والباحث السياسي جمال عبد المطلب لـTRT عربي تعليقاً على إعلان حفتر، إنه "يفتقر إلى الثقافة والسياسة ويعاني أزمة الهزيمة، ولا يملك نفسه، بل هو بيدق للإمارات ومصر"، ولا بد أنه أفلس حتى أعلن عن حكومة جديدة في الشرق، واصفاً تصرفه بـ"رقصة المذبوح".
وفي أول رد دولي، رفضت الولايات المتحدة إسقاط حفتر اتفاق الصخيرات، وجاء في بيان للسفارة الأمريكية لدى طرابلس أن الولايات المتحدة تعرب عن أسفها لما وصفته بـ"اقتراح حفتر"، مشددة على أنّ "التغييرات في الهيكل السياسي الليبي، لا يمكن فرضها من خلال إعلان أحادي الجانب".
ويشير الكاتب والباحث السياسي إلى أن موقف واشنطن يعني أن "حفتر لم يُخطِر الأمريكان في هذه الخطوة، فهو اعتمد في الفترة الأخيرة على الإمارات، وهذا يدل على أن الولايات المتحدة انزعجت من تصرفاته غير المسؤولة، بالإضافة إلى أن حكومة ترمب أهملت الملف الليبي"، حسب الكاتب والباحث السياسي.
ولم يفاجئ انقلاب حفتر على الاتفاق السياسي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، الذي أكد ضرورة دحر المشروع الانقلابي، داعياً جميع أعضاء مجلس النواب بطبرق (شرق) إلى الالتحاق بزملائهم في العاصمة طرابلس، لبدء الحوار الشامل، وصولاً إلى حلّ شامل ودائم عبر صناديق الاقتراع.
ويرى عبد المطلب أن إعلان حفتر غير مقبول وغير واقعي، مشيراً إلى أن المجلس الرئاسي سيتحرك على الصعيد الدبلوماسي ويبلغ الأمم المتحدة للوقوف ضد حفتر.
دور إماراتي وإعلان للهزيمة
ويرى محللون أن في ليبيا ما يُحاك، بخاصة أن إعلان حفتر جاء بعد يومين من إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من للإمارات حكماً ذاتياً في مناطق الجنوب في اليمن.
وفي ظلّ ما أصبح معلوماً من ارتهان حفتر لأجندات عربية تتمثل في الإمارات والسعودية ومصر، وغربية على رأسها فرنسا، يتحرك من خلالها، حذّر عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية محمد عماري، من دور إماراتي تخريبي يسعى لتقسيم ليبيا.
وقال عماري في بيان نشره على صفحته في فيسبوك: "نراقب كل هذه التطورات عن كثب". وأكد استمرار معركتهم ضد حفتر، وأن أيديهم ممتدة لكل من يرغب في الرجوع والتخلي عن مشروع الانقلاب قبل فوات الأوان.
وأشار عماري إلى أن إعلان حفتر يُعتبر خطوة مؤجلة منذ 2015، إذ استخدم برلمان طبرق كواجهة سياسية لشرعنة مشروع الانقلاب، واليوم انتهى دوره فجرى لفظه.
من جانبه قال محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، إن انقلاب حفتر، إعلان واضح للهزيمة، وإن المحاولة الانقلابية لحفتر، أُعلن عنها لعدم وجود منافس له بالمنطقة الشرقية حتى من بقايا مجلس النواب، مشيراً إلى أن حفتر يريد أن يتخلص من البرلمان ويقول إن المنطقة تحت سيطرته.
من المفيد متابعة موقف المجتمع الدولي من الانقلاب الخامس في تاريخ المعتدي
يُذكر أن خطاب حفتر جاء بعد خطاب ألقاه رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، اقترح فيه حلاً سياسياً للأزمة يناقض ما دعا إليه حفتر، رغم أنهما يمثلان نفس المعسكر.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، وقّع طرفا النزاع في البلاد اتفاقاً سياسياً في مدينة الصخيرات المغربية، أنتج تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، بالإضافة إلى التمديد لمجلس النواب، وإنشاء مجلس أعلى للدولة، غالبية أعضائه من المؤتمر الوطني العامّ (المجلس التأسيسي)، لكن حفتر سعى طوال سنوات لتعطيله وإسقاطه.
وتنازع مليشيات حفتر حكومة الوفاق على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط، وتواصل هجوماً بدأته في 4 أبريل/نيسان 2019، للسيطرة على العاصمة طرابلس، مقر الحكومة.