ذكرت مجلة "ليكسبرس" الفرنسية في مقال بعنوان "تمويل الديانات في فرنسا: ما لم يعلن عنه في قانون محاربة الانفصالية"، أن مشروع القانون هذا يُلزم الجهات المنظمة لشؤون الديانات، بما في ذلك الديانة الإسلامية، بالكشف عن مصادر تمويلاتها، وهو أمرٌ جيدٌ يستحق الثناء، وفق المجلة، لكن له تأثيرات كبيرة، كما أنه موضع انتقادات واسعة.
وقالت “ليكسبريس” إن مسألة التمويل الأجنبي لتلك الجهات الدينية، ورغم أنها ليست أكثر البنود الرامية إلى تعزيز احترام مبادئ الجمهورية، فإنها تسببت في تأجيج التوترات بين الحكومة الفرنسية وممثلي الأديان في البلاد.
وأشارت إلى أن مشروع القانون الذي سيعرض للنقاش في البرلمان اعتباراً من بداية شهر فبراير/شباط، ينص على الرفع من التزامات دور العبادة من حيث قضية الشفافية المالية.
ومع أن القانون لا يخص بالذكر الدين الإسلامي إلا أن الحكومة تريد تحديداً معرفة المزيد حول مصادر تمويل المساجد في فرنسا.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قال قبل نحو عام: “نحن بحاجة إلى معرفة مصادر الأموال التي تتلقاها المساجد، ومن هي الجهات التي تلقتها، وفي ماذا ستنفقها. يجب أن نتأكد من كل ذلك”.
لكن أصواتاً كثيرة ارتفعت للتعبير عن شكوكها حيال فعالية هذه الإجراءات. أولى هذه الأصوات أتت من الجهات التي تدير دور العبادة والتي تجبر على التصريح بمواردها القادمة من الخارج بمجرد أن تتجاوز قيمتها 10 آلاف يورو.
والمستهدف هنا، وفق “ليكسبرس”، هي الدول التي تقدم تمويلات للمساجد، في مقدمتها المغرب والجزائر وتركيا.
ولكن أيضاً الأموال التي تأتي من بعض الصناديق السيادية لبعض الدول، بالإضافة إلى جمعيات أو شخصيات معينة. وبحسب قسم “تراكتين” الذي يعنى برصد التحولات المالية غير القانونية، فإن الجديد الذي يأتي به مشروع قانون “محاربة الانفصالية” هو منع التأثير الخارجي للجهات الأجنبية على ما أصبح يعرف بإسلام فرنسا، وذلك من خلال تمويلها المساجد بفرنسا.
استراتيجية التأثير غالباً ما تكون أيديولوجية
غير أن هدف بعض الجهات الممولة لبناء أماكن العبادة ليس بالضرورة مرتبطاً برغبة في التأثير على هذه المؤسسة وتوجيهها، لأن استراتيجية التأثير غالباً ما تكون أيديولوجية أكثر منها مالية، تقول “ليكسبريس”.
ومضت المجلة الفرنسية إلى التوضيح أن مشروع قانون مكافحة “الانفصالية”، يهدف أيضاً إلى إلزام الهياكل التي تدير أماكن العبادة بأن تكون شفافة للغاية بشأن مواردها، سواء كانت فرنسية أو أجنبية، حيث تشك الحكومة الفرنسية في تلك المصادر، باعتبار أن بعض الهياكل الإسلامية تنشر شكلاً من أشكال الإسلام الراديكالي والتبشير، تحت ستار الأنشطة الثقافية.
وتأمل الحكومة الفرنسية في الكشف عن التجاوزات بطريقة أكثر فعالية عبر القانون الجديد، من خلال مطالبة الجمعيات بموجب قانون 1901 بعرض سنوي مفصل لحساباتها ومصادر تمويلها، لمحافظي المدن للاطلاع عليها.
هذا الإجراء لم يتقبله بشكل خاص المسؤولون المسلمون، على غرار كمال قبطان رئيس مسجد ليون الذي يقول إنه يواجه عدداً كبيراً من التحقيقات منذ فترة. فبمجرد أن يودع شيكاً في البنك قيمته أكبر قليلاً من المعتاد، فإن مدير البنك يطلب توضيحات، ما جعل كمال قبطان يشعر بأنه محل شك دائم.
وأثارت هذه الإجراءات الجديدة أيضاً حفيظة الإنجيليين في فرنسا، الذين يرفضون الكشف عن مصادر تمويلهم، التي تأتي غالباً من الخارج، علماً أنه في السابق لم يكن يطلب منهم الكشف عن مصادر تمويلهم إلا إن تجاوزت قيمتها 153 ألف يورو.
والنقطة الأخيرة التي لم يتم الإشارة إليها في النص الأولي من القانون، وقد تتم إضافتها عن طريق تعديل لاحقاً، تتعلق بحظر استيلاء دولة أجنبية على أماكن للعبادة على التراب الفرنسي. فخلال الأشهر الأخيرة رفضت بلديتان في مرسيليا ومونبلييه التنازل عن حق ملكية مسجدين للدولة المغربية.
وتسعى الحكومة الفرنسية في هذا الإطار إلى تزويد المسؤولين المحليين بأدوات تخولهم بسهولة منع هذه المعاملات.
وتقول المجلة إن فرنسا قطعت الخطوة الأولى في يوم الثامن عشر من الشهر الجاري من خلال التوقيع على “ميثاق مبادئ الإسلام”. وهي خطوة متواضعة، تجعل من مسألة التمويلات مسألة أكثر أهمية، وفق المجلة.