أثارت تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أقار ضد الإمارات العربية المتحدة، التي قال فيها إن أبو ظبي قامت بأعمال مضرّة في ليبيا وسوريا، وإن تركيا ستحاسبها، الجدل حول الأسباب التي تدفع تركيا إلى الإدلاء بتلك التصريحات، والدور الإماراتي التخريبي في عدة بلدان عربية.
وشرح أقار في تصريحات لقناة الجزيرة كيف تدعم أبو ظبي "التنظيمات الإرهابية المعادية لتركيا، بقصد الإضرار بأنقرة"، داعياً إياها لأن تنظر إلى ما وصفه بـ"ضآلة حجمها ومدى تأثيرها، وألَّا تنشر الفتنة والفساد".
ويعد التصعيد الأخير بين أنقرة وأبو ظبي تتمة لسلسلة تصعيدات سابقة وهجمات شنتها الإمارات ضد تركيا، نتيجة مواقف متناقضة للدولتين، خاصة في البلدان العربية التي تشهد تدخلاً إماراتياً أدى إلى بقاء الحروب في تلك الدول طويلاً وتغذية الصراعات، كما في سوريا واليمن وليبيا التي تقف أبو ظبي فيها مع حلفاء إقليميين (مصر والسعودية) إلى جانب الجنرال الانقلابي خليفة حفتر الذي تلقى خسائر فادحة بسبب الدعم التركي لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
سياسة تخريبية في ليبيا
وتساعد الإمارات حفتر في تحقيق أهدافه في ليبيا، لذلك اعتبر وزير الدفاع التركي أنه مع استمرار تدخل أبو ظبي في ليبيا، فإن "الطريق المؤدي للسلام سيكون أطول بكثير".
ورغم فشل خليفة حفتر الذريع في تحقيق أهدافه، فإن الإمارات لا تزال تواصل إنفاق أموال طائلة لدعم الجنرال الانقلابي، الذي يقود مليشيا غير شرعية في ليبيا، منذ عام 2014، وتخرق حظراً أقره مجلس الأمن الدولي في 2011 على تصدير السلاح إلى ليبيا، بدعمها لحفتر بأسلحة ثقيلة واستراتيجية تملك بعضها وتحصل على البعض الآخر من دول أخرى، في محاولة منها للإطاحة بالحكومة الليبية المعترف بها دولياً.
وتستخدم أبو ظبي منذ 2014 علاقاتها الإقليمية والدولية، إضافة إلى الدعم المادي، للإطاحة بالحكومة الشرعية في ليبيا وتنصيب حفتر مكانها في البلد الغني بالنفط، وفقاً لمعلومات جمعها مراسل الأناضول من تقارير للأمم المتحدة ومصادر أخرى.
ووثق تقرير لمجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، الدعم الذي قدمته أبو ظبي لحفتر، وعرض الأسلحة التي زودته بها.
وكشفت وكالة الأناضول وثائق سرية أعدتها لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن بخصوص ليبيا. وتفيد هذه الوثائق بأن شركة إماراتية أسست شركة واجهة في دولة عربية بهدف دعم حفتر، واشترت من خلالها 6 مروحيات وقاربين لشن هجمات على السفن التي تمر قرب السواحل الليبية.
ووفقاً لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بخصوص حجم الإنفاق العسكري الدولي بين عامي 2015 و2019، احتلت الإمارات المرتبة الثامنة عالمياً خلال هذه الفترة.
وأفاد التقرير بأن حصة الإمارات من واردات السلاح بلغت 3.4%، رغم كونها دولة صغيرة بمساحة 83 ألفاً و600 كيلو متر مربع، وعدد سكان حوالي 10 ملايين نسمة فقط. كما دعمت الإمارات القوات غير الشرعية في ليبيا بمروحيات من روسيا البيضاء.
ولم تكتفِ الإمارات بالدعم العسكري لحفتر، بل زودته بالمليشيات، ومقاتلين أجانب دفعت رواتبهم للقتال بصفوف حفتر، بينهم مئات المرتزقة الروس ومليشيات "الجنجويد" السودانية ومتمردين من تشاد.
وكشفت صحيفة "لوفيف" البلجيكية تجنيد أبو ظبي شباناً سودانيين وإرسالهم قسراً للقتال بجانب خليفة حفتر في ليبيا، بعد خداعهم بوظائف وهمية على أراضيها.
ويجري التجنيد عن طريق شركة "بلاك شيلد" الإماراتية التي تنشر إعلانات في السودان، تفيد ببحثها عن شباب للعمل "حراساً أمنيين" في منشآت نفطية بالإمارات، مستغلة عدم الاستقرار السياسي والمشكلات الاقتصادية والبطالة في السودان، في حين يقدّم مئات الشبان السودانيين طلباتهم للعمل في هذه المنشآت المزعومة، لقاء 500 دولار شهرياً.
وتدعم تركيا حكومة الوفاق لمواجهة مليشيا حفتر غير المعترف بها دولياً، بما يحقق وقف إطلاق نار دائماً يفضي إلى تسوية سياسية مقبولة من جميع الأطراف الليبية، بالإضافة إلى بعد استراتيجي تسعى إليه أنقرة، إذ تعتقد أن وجودها في ليبيا سيواجه حملة تهدف لإقصائها وحرمانها من مصالحها الحيوية في البحر الأبيض المتوسط، تقودها كل من مصر ودولة الإمارات.
وعلى نطاق أوسع، فإن المحور المصري الإماراتي الذي لا تعترض عليه السعودية، يلتقي في أهدافه مع محور آخر يتشكل من اليونان وقبرص بالإضافة إلى إسرائيل لإبعاد تركيا عن مشاريع النفط والغاز في البحر المتوسط، وهي مشاريع تهم المصالح الاستراتيجية التركية وتشكل جزءاً من أمنها القومي، بحسب وكالة الأناضول.
ويحظى الموقف التركي في ليبيا بدعم معظم دول الاتحاد الأوروبي التي تعمل ما أمكن لمنع انهيار الحكومة الليبية وتعزيز قدراتها في مواجهة مليشيا خليفة حفتر، وإرغامها على القبول بتسوية سياسية نهائية تضع حداً للحرب الأهلية في ليبيا سواء بإشراف الأمم المتحدة أو عبر مؤتمرات دولية شاركت فيها تركيا مثل مؤتمري موسكو وبرلين أوائل هذا العام.
ويتوافق رأي حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً مع الحكومة التركية، إذ قال المتحدث باسم غرفة عمليات تحرير سرت الجفرة العميد عبد الهادي دراه: إن "حكومة الإمارات حاربت الربيع العربي، وسببت المشاكل والأزمات في اليمن وسوريا"، مضيفاً: أن "أبو ظبي تحاول الدخول حتى للبرلمان التونسي، وعمل القلاقل في تونس والجزائر".
ولم يقتصر حديث وزير الدفاع التركي على الإمارات، بل عبر عن موقف بلاده تجاه مصر التي تعد جزءاً من المحور السعودي الإماراتي، وطالب القاهرة بأن تكون "أكثر حساسية في التصريحات الصادرة منها، وتبتعد عن التصريحات التي لا تخدم السلام في ليبيا وتؤدي إلى تأجيج الحرب والنار فيها أكثر".
وتفيد تقارير للأمم المتحدة بأن مصر شاركت في انتهاك قرارات مجلس الأمن بخصوص الحرب في ليبيا عبر سماحها للإمارات باستخدام أراضيها.
وتظهر مشاهد من قمر صناعي أن 6 مقاتلات إماراتية من طراز "ميراج 2000-9" حطت بمدينة سيدي براني المصرية قرب الحدود الليبية.
في سياق آخر، أثار وجود جنود مصريين في سوريا تساؤلات عن سبب وأهداف وتوقيت هذا الوجود الذي سبق أن أثبتته تسريبات من المعارضة السورية، تحتوي على تسجيلات صوتية تثبت صحة تسريبات كشفت عنها وكالة "الأناضول" التركية، بوجود جنود مصريين في الشمال السوري، على جبهات قتال ضد المعارضة السورية.
ويعتقد خبراء ومحللون أن وجود القوات المصرية في سوريا رسالة إلى تركيا، بتحريض إماراتي، ذلك أن دور أبو ظبي في سوريا ليس جديداً، فهي الداعمة لما تُسمى بقوات النخبة لتنظيم PKK الإرهابي، الذي تحاربه تركيا بسبب عملياته الإرهابية المستمرة ضد المواطنين الأتراك.
ولا يقتصر الدور الإماراتي في سوريا على الصعيد العسكري، ففي يونيو/حزيران 2018 انتقد وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، قرار تعليق العضوية السورية لجامعة الدول العربية. وأعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في 27 ديسمبر/كانون الأول 2018 بعد سبع سنوات من إغلاقها عام 2011.
وأثنى عبد الحكيم إبراهيم النعيمي القائم بالأعمال لدولة الإمارات في دمشق، عام 2019، على "القيادة الحكيمة للرئيس بشار الأسد"، واصفاً العلاقات بين البلدين بأنها "متينة ومتميزة وقوية"، بحسب وكالة رويترز.
وفي بداية جائحة فيروس كورونا ناقش ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ورئيس النظام السوري بشار الأسد عبر الهاتف الجائحة.
وتكشفت في الأيام الماضية كثير من المعلومات والأدوار التي تقوم بها الإمارات في الأزمة السورية وأهدافها من وراء ذلك. آخر تلك المعلومات جاءت في تقرير نُشِر على موقع "ميدل إيست آي" الإلكتروني، أشار إلى محادثات سرية أجراها ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، حثّ خلالها الأول الأخير على عدم التزام هدنة وقف إطلاق النار في إدلب التي اتفق عليها الجانبان التركي والروسي في موسكو في مارس/آذار الماضي.
وينقل تقرير "ميدل إيست آي" عن مصادر مقربة من محمد بن زايد أن الأمير الإماراتي وافق على مساعدة النظام السوري مالياً بثلاثة مليارات دولار، مقابل عدم التزام الأخير وقف إطلاق النار في إدلب، وتأجيج الصراع هناك مجدداً.
وتشير المصادر التي لم يكشف التقرير عن هوياتها، إلى أن الإمارات كانت بالفعل قد دفعت 250 مليون دولار من المبلغ المذكور، قبل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار.
ورغم إعلان اتفاق تركي روسي لوقف إطلاق النار في سوريا، ورغبة موسكو في إنجاحه، لم تتوقف المساعي الإماراتية لدفع الأسد إلى إشعال المعارك مجدداً، ففضلاً عن رغبة الإمارات في تكبيد الجيش التركي المنتشرة وحداته في مناطق خفض التصعيد بالشمال السوري خسائر كبيرة على المستويين اللوجيستي والعسكري، يشير التقرير إلى أن بن زايد أمل في أن الضغط الذي ستمارسه قوات النظام السوري على الجيش التركي، سيساعد في تشتيت الأخير وصرف نظره عن المعارك المتواصلة في طرابلس بين مليشيات خليفة حفتر المدعومة إماراتياً والقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، لا سيما أن تركيا أعلنت دعمها الأخيرة على الصعيد العسكري، لوقف هجمات حفتر المستمرة منذ نحو عامٍ على العاصمة طرابلس.
ولا تُعد الخطوات التي تتخذها أبو ظبي في سوريا سوى حلقة جديدة في مسلسل الاستهداف الإماراتي المستمر لتركيا منذ سنوات، والتي يرجعها مراقبون للموقف التركي من الثورات العربية ومن الأزمة الخليجية، والسياسات الإماراتية في ليبيا الداعمة لانقلاب حفتر، وفي سوريا المناهضة للعمليات العسكرية التركية ضد الإرهاب في سوريا.
ومثلت محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها تركيا في 15 يوليو/تموز 2016 محطة فارقة في تاريخ العلاقات الإماراتية التركية، إذ اتهمت بعض وسائل الإعلام التركية دولة الإمارات بدعم الانقلاب، خاصة بعد الدعم الواضح الذي أبدته عدة وسائل إعلام إماراتية لمحاولة الانقلاب.
إقرا المزيد:
الإعلام الإماراتي.. منصات تضليل وأخبار مزيفة تستهدف تركيا
كيف تشوّه أنظمة عربية صورة تركيا الإيجابية لدى شعوبها؟
بالإضافة إلى ذلك أشارت تقارير غربية إلى دور إماراتي ما في المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي شهدتها تركيا في 2016، وتحدثت تقارير أخرى عن دور مباشر لرجل الأمن الفلسطيني محمد دحلان، الذي يعمل مستشاراً لدى ولي عهد أبو ظبي.
وتحدثت الجهات التركية المسؤولة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن إصدار "مذكرة حمراء" بحق دحلان لدوره في محاولة الانقلاب الفاشلة، عبر تمويل تنظيم "غولن" الإرهابي، المسؤول عن المحاولة الانقلابية الفاشلة.
وسبق أن أدلى وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، بتصريح قال فيه إن "دولة مسلمة مولت بثلاثة مليارات دولار محاولة الانقلاب في تركيا"، مشيراً إلى أنه علم بعد ذلك بأن تلك الدولة هي الإمارات.
ويواصل مسلسل الانتهاكات الإماراتية في اليمن تَكَشُّفه مع إعلان منظمات حقوقية عن سجون ومعتقلات سرية إماراتية جنوبي اليمن بغطاء من شركة توتال الفرنسية، لتكون أداة لفرض سيطرتها وإخضاع المناهضين لها بالإخفاء القسري والتعذيب والاعتداءات .