ما المهم: عزز اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، في أنقرة، التوجه الراسخ منذ عقود بين البلدين لتطوير العلاقات الثنائية بينهما، ومحاولة تجنيبها السياقات الإقليمية التي من شأنها أن تؤثر عليها.
المشهد: استقبل الرئيس التركي أردوغان رئيس وزراء باكستان عمران خان، في القصر الرئاسي في أنقرة. ويقوم خان بزيارة إلى تركيا على مدى يومين، بمرافقة وفد وزاري كبير.
ساعتان وعشر دقائق استغرق اللقاء الثنائي بين الرجلين، قبل أن يلتحق بهما الوفدان، ليخرجا بسلسلة مواقف على صعيد التعاون السياسي والاقتصادي.
ففي مؤتمر صحفي مشترك، أعلن الرئيس التركي عن عقد قمة ثلاثية بين تركيا وباكستان وأفغانستان في مدينة إسطنبول، مرجحاً تنظيمها عقب الانتخابات المحلية في تركيا المزمع إجراؤها نهاية مارس/آذار المقبل. وأوضح أردوغان أنه تباحث مع نظيره الأفغاني أشرف غني، الذي "نظر بإيجابية" إلى المسألة.
كما رحّب أردوغان بإعلان القضاء الباكستاني في الشهر الماضي، منظمة غولن منظمةً إرهابيةً. وأكد أن تركيا كالسابق واليوم، ستقف إلى جانب باكستان مستقبلاً.
ولفت إلى أنه بحث مع عمران خان، الإجراءات التي يمكن اتخاذها من أجل رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مستوى يليق بعلاقاتهما.
بدوره، أعرب رئيس الوزراء الباكستاني عن تمنياته أن "تسهم القمة في إحلال السلام في أفغانستان". وقال إنّ باكستان وتركيا "توثقان علاقاتهما يوماً بعد آخر".
وفي بيان مشترك صدر عقب اللقاء الثنائي، أكد الطرفان "تصميمهما على مكافحة منظمة غولن الإرهابية". كما رحب البيان بالتعاون الثنائي القائم "في المنظمات والمحافل الدولية، لاسيما الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي".
وكان رئيس الوزراء الباكستاني قد أعلن موقفاً لافتاً الشهر الماضي، حين ألمح إلى الضغوط الأميركية التي تتعرض لها إسلام أباد فيما يخص دورها في أفغانستان، قائلاً "لن نخوض بعد الآن حروب الآخرين ولن ننحني أمام أحد".
الخلفيات والدوافع:حين انتُخب عمران رئيساً لوزراء بلاده في منتصف الصيف الماضي، ورث علاقات راسخة مع تركيا؛ فمن جهة، تعود العلاقات إلى عام 1947، فيما شهدت في الأعوام الأخيرة تطوراً نوعياً، شمل التعاون التجاري، والأمني، والصناعات الدفاعية.
غير أنّ علاقة حكومة عمران خان مع تركيا تكتسب أهميتها من واقع أنّ أولوية هذه الحكومة تتمثّل في "إحياء الاقتصاد الباكستاني الذي يحتضر"، كما سبق للكاتب عمير جمال أن أشار في صحيفة باكستان توداي.
تتشارك تركيا وباكستان العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والدفاعية خلال الـ72 عاماً الأخيرة. وشمل التعاون والتنسيق بين البلدين قضايا متعددة؛ حيث منعت تركيا بالتعاون مع السعودية في فبراير/شباط 2018، مساعي أميركية وبريطانية لإدراج باكستان ضمن قائمة الدول التي فشلت في الحد من تمويل الإرهاب.
وفي المقابل، أطلق الباكستانيون حملة لدعم الليرة التركية في جميع أنحاء البلاد، بشراء الليرة بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية الجانب ضد وزيرين تركيين في أغسطس/آب الماضي.
كما تعد باكستان واحدة من الدول القليلة التي أدانت، بشكل فوري، المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا عام 2016، وأعربت عن تضامنها مع الحكومة التركية المنتخبة.
ويتمتع البلدان بتعاون عسكري ودفاعي وثيق؛ ففي يوليو/تموز الماضي، وقّعت شركة "توساش" التركية للصناعات الجوية والفضائية اتفاقية مع وزارة الدفاع الباكستانية، تنص على تزويدها بـ 30 مروحية استطلاع تكتيكي من طراز "أتاك T129"، إضافة إلى حزمة من العقود الخاصة بالمواد الاحتياطية، واللوجستية، والذخائر والتدريب.
وفي الوقت ذاته، تعتزم أنقرة شراء مقاتلات من طراز (MFI-17" (Super Mushshak" إضافة إلى ثلاث غواصات من باكستان، كما ستشتركان في بناء ناقلة أسطول.
وفازت أنقرة في يوليو/تموز 2018 بمناقصة تُقدر بمليارات الدولارات، لتوريد أربع فرقاطات إلى البحرية الباكستانية، تم وصفها بأنها "أكبر صفقة تصدير لصناعات الدفاع التركية في التاريخ".
باكستان تدرك أنّ تركيا لاعب أساسي، لا سيما في أفغانستان لكونها العضو المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي
ما التالي: يشير الباحث الباكستاني، رئيس مؤسسة الباب للدراسات الإستراتيجية جاسم تقي، في حديث لـTRT عربي، إلى أنّه "رغم أنّ العلاقات بين تركيا وباكستان إستراتيجية، لا سيما العسكرية منها والسياسية، إلا أن العلاقات التجارية لا تزال ضعيفة، وباكستان تحتاج إلى دعم تركيا لمواجهة أزمتها الاقتصادية والاستثمار في القطاع الخاص".
وفي مسألة التنسيق السياسي بين الدولتين، يرى تقي أنّ "باكستان تدرك أنّ تركيا لاعب أساسي، لا سيما في أفغانستان لكونها العضو المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي".
ويضيف الباحث الباكستاني "في ظل المفاوضات الحالية مع طالبان، تأمل الدولتان أن تكون أفغانستان مستقلة"، وهذا ما يفسّر سبب انعقاد القمة المقبلة.