لم يمضِ سوى يومين على زيارة رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهن أبو ظبي للقاء قادة دولة الإمارات وعلى رأسهم مستشار وليّ العهد طحنون بن زايد، حتى نقلت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قوله إن "تركيا تشكّل خطراً علينا أكثر من إيران".
زيارة كوهن أبو ظبي جرت تحت غلاف مناقشة اتفاق التطبيع الذي أعلن عنه مؤخراً بين الجانبين، لكنها عُنيت بالدرجة الأولى بالتنسيق الأمني والتعاون العسكري، كما كشف مستند صادر عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية.
ولا تُخفِي إسرائيل نيّتها دعم الإمارات في موقفها المناوئ لتركيا، فقد كان لافتاً قبل توقيع اتفاق التطبيع مع الإمارات بأيام قليلة صدور بيان إسرائيلي رسمي لأوّل مرة يساند اليونان ضد تركيا، ويعلن صراحةً دعمها في مواجهة "التقدم التركي في مياه شرق المتوسط"، وترى أوساط إسرائيلية أن الاتفاق مع الإمارات جاء لتعزيز الحلف المناهض لتركيا الذي تشكّله اليونان وإسرائيل ومصر وجنوب قبرص وأيّدته الإمارات غير مرّة.
تطوي الإمارات العربية بسرعة فائقة المسافات بينها وبين إسرائيل، وتبدو على عجلة من أمرها لتنفيذ اتفاق التطبيع وما حواه من بنود بعضها كُشف والباقي قيد الكتمان، لكنها تسارع أيضاً إلى الاحتماء بإسرائيل لتنفيذ أجندتها التي فشلت في تحقيقها، بخاصة ما يتعلق بدعمها للانقلابي خليفة حفتر في ليبيا، وإجهاض مساعي تركيا للتنقيب عن الموارد الطبيعية في جرفها القاري بالبحر المتوسط.
للمزيد اقرأ:
- دعم الإمارات لحفتر.. كيف تستدرج أبو ظبي سودانيين وتدفعهم للقتال في ليبيا؟
- تمده بالسلاح وتسانده بالسياسة.. كيف تدعم إسرائيل حفتر؟ وما مصالحها؟
ركوب أمواج المتوسط المتلاطمة
وفي ظل تلاطم الأمواج بالبحر المتوسط وارتفاع حدّة التوتّر بين تركيا من جهة، ومعسكر اليونان وإسرائيل ومصر من جهة أخرى، بخاصة بعد توقيع مصر واليونان اتفاق ترسيم حدود مائية مزعومة تتجاهل الحق التركي والحدود المائية القارية لأنقرة، تدخل الإمارات على الخط بشكل مباشر، وتعلن إرسالها مقاتلات من طراز F-16 للمشاركة في تدريب عسكري مع القوات الجوية اليونانية الأسبوع المقبل.
وبهذا القرار تنضمّ الإمارات عسكرياً إلى اليونان وفرنسا، إذ أرسلت الأخيرة سفناً حربية إلى المنطقة بعد إعلان تركيا إرسال سفينة أوروتش رئيس للتنقيب عن الموارد الطبيعية في جرفها القاري القانوني في شرق المتوسط في منطقة تقع بين جزيرتَي كريت وقبرص أيضاً.
المناورات العسكرية بدأت، الثلاثاء، وأنطلقت من قاعة عسكرية على جزيرة كريت، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، وهو ما يعني أن المناورات تقع على مقربة من المياه القارية التركية، التي تنقّب فيها سفينة أوروتش رئيس عن الغاز والنفط في هذه الأثناء، وهو ما يُعَدّ تدخُّلاً مباشراً في الشؤون التركية واصطفافاً إلى جانب اليونان، التي قال وزير خارجيتها نيكوس ديندياس الجمعة في تغريدة إنه تحدث عبر الهاتف مع نظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بشأن التعاون الثنائي والمسائل الإقليمية والوضع في شرق البحر المتوسط.
ولم تكن الإمارات الدولة الوحيدة التي أجرت مناورات عسكرية مع القوات اليونانية وقوات قبرص الجنوبية، فإلى جانب فرنسا، أجرى جيش الاحتلال الإسرائيلي مناورات وصفها بالتاريخية مع قوات إدارة قبرص الجنوبية اليونانية في ظل التصعيد بين معسكر اليونان ومصر من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وأشار الجيش الإسرائيلي في حينه إلى أن قواته درّبت قوات قبرص الجنوبية على التعامل مع التطورات العسكرية والتهديدات المتواصلة.
وبهذه المناورات تنضمّ الإمارات بشكل شبه رسمي إلى الحلف الذي شكلته إسرائيل عام 2016، وأطلقت عليه "حلف حماية البحر المتوسط"، الذي يهدف في نهاية المطاف إلى تمهيد الطريق أمام إسرائيل لنقل الغاز الطبيعي الذي تستخرجه من الشواطئ الفلسطينية إلى دول الاتحاد الأوروبي مروراً بالمياه التركية دون استشارة تركيا نفسها أو مناقشة الأمر معها، وهو ما رفضته تركيا التي أكدت على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان أن "أي مشروع بالمتوسط دون تركيا مصيره الفشل".
للمزيد اقرأ:
- نتنياهو-دحلان-بن زايد.. حلف لتصفية القضية الفلسطينية واستهداف تركيا
- اتفاقية مصر-اليونان.. أيادي إسرائيل تعبث بالمتوسط وتوصيات بالتحرّك ضد تركيا
-جزيرة ميس.. هكذا أفشلت تركيا أحلام اليونان بمحاصرة سواحلها شرق المتوسط
يوم الحساب
كانت تركيا أوّل من اعتبر إعلان الإمارات توقيع اتفاق مع إسرائيل "خيانة" للشعب والقضية الفلسطينية، بل بلغ الأمر أكثر من ذلك حين قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن بلاده "تبحث سحب سفيرها من الإمارات اعتراضاً على اتفاق التطبيع".
التصريحات التركية ضد الإمارات لم تكن مجرّد صدفة، إذ تعتبر تركيا الإمارات دولة وظيفية تسعى لزعزعة الاستقرار في مناطق مختلفة بالشرق الأوسط، مروراً بتركيا نفسها، إذ شاركت في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، ثم ليبيا واليمن وسوريا وأخيراً فلسطين.
وقبل هذه التصريحات، وقبل أن تُقدِم الإمارات على الخطوة التي قد تُعَدّ "القشة التي قصمت ظهر البعير"، هدّد وزير الدفاع التركي خلوصي أقار أبو ظبي بالحساب.
وقال أقار في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية، إن "أبو ظبي تدعم التنظيمات الإرهابية المعادية لتركيا، وارتكبت أعمالاً ضارة في ليبيا وسوريا، وسوف تُحاسَب في المكان والزمان المناسبين".
ووصف أقار الإمارات بأنها دولة وظيفية تخدم غيرها سياسياً أو عسكرياً، وتُستخدم وتُستغَل من بُعد.
التصريحات والمواقف التركية ضد الإمارات قبل دخولها على خط المواجهة من النقطة "صفر" مع أنقرة في البحر المتوسط، من شأنها أن تصوغ تصوراً حول ردّ الفعل التركي خلال الأيام القادم حال اقتربت المناورات العسكرية من سفينة أوروتش رئيس أو السفن الحربية المرافقة لها، بخاصة في ظل التهديد التركي المباشر لليونان بأن الرد سيكون عاجلاً "إذا وقعت تلك الواقعة".
للتحالف مع الإمارات أهداف أخرى، لأن الإمارات مثل اليونان تماماً تسعى لوقف الرئيس التركي ومساعيه في البحر المتوسط
وبهذه المناورات تفتح الإمارات صفحة جديدة مع تركيا، وتعلن رسمياً أنها باتت تصطفّ إلى جانب اليونان وإسرائيل ضد أنقرة ومصالحها في شرق المتوسط، كما سبق واصطفّت إلى جانب الانقلابي خليفة حفتر الذي لا يحظى بأي دعم داخلي أو خارجي ضد حكومة الوفاق المعترف بها دولياً في ليبيا، واعترضت على توقيع اتفاقية ليبية-تركية، وكذلك دعمها للمجلس الانتقالي الذي يحاول شقّ صفوف الشعب اليمني وإعلان الانفصال وتقسيم البلاد، إلى جانب دعم بشار الأسد في حربه على الشعب السوري، وأخيراً دعم الاحتلال الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني وتوجيه "طعنة غادرة" إلى القضية الفلسطينية، كما جاء في تصريحات القيادة الفلسطينية الرسمية والشعبية.
ولمّا تحدث وزير الدفاع التركي عن الإمارات قبل مشاركتها في مناورات مع اليونان، دعاها في الختام إلى أن تنظر إلى "ضآلة حجمها ومدى تأثيرها، وأن لا تنشر الفتنة والفساد"، لكنّ ما يظهر على أرض الواقع هو أن أبو ظبي لم تأخذ هذه التصريحات بجدّية ولم تنظر إلى "ضآلة حجمها"، بل سارعت إلى استفزاز أنقرة بشتى الوسائل والطرق، وانضمّت إلى جميع خصومها.
الرد التركي الحازم
وأكدت وزارة الدفاع التركية أن المناورات العسكرية اليونانية المزمعة ستجري في مساحة تتداخل جزئياً مع منطقة تنشط فيها سفينة أوروتش رئيس التركية، وهو "ما لا يتوافق مع مبدأ حسن الجوار والقوانين البحرية".
وأوضحت أن عزم اليونان على إجراء مناورات في تلك المنطقة، يعرّض سلامة الملاحة للخطر ويزيد التوتر بين البلدين، وأن القوات البحرية التركية تواصل أنشطتها بكثافة وحزم في المتوسط وإيجه والبحر الأسود، مشددة على تصميم تركيا على حماية مصالحها في المنطقة، وأن لديها القدرة الكافية لذلك".
وكان الحديث عن المناورات العسكرية لليونان في المنطقة التي تنشط فيها السفن التركية قبل أن يعلن رسمياً عن مشاركة الإمارات في تلك المناورات، بما يعني أن تلك المشاركة ستزيد التوتر في المنطقة، وقد تُعتبر محاولة استفزاز لتركيا.
الاستفزاز الإماراتي-اليوناني لتركيا يأتي بعد أيام قليلة فقط من تأكيد الرئيس رجب طيب أردوغان أن بلاده "لن تطأطئ الرأس للعربدة في جرفها القاري بشرق البحر المتوسط، ولن تخطو أي خطوة إلى الوراء أمام لغة التهديد والعقوبات".
وأشار الرئيس التركي إلى أن سفينة "أوروتش رئيس" ستواصل أنشطتها للتنقيب عن الطاقة شرقي المتوسط حتى 23 أغسطس/آب ا لجاري، "ولن نتردّد أبداً في الردّ اللازم حال تعرضت لأدنى مضايقة".
وقال: "اليونان زجّت بنفسها في فوضى لا تستطيع الخروج منها، والذين يلقون باليونان أمام البحرية التركية لن يقفوا وراءها".
ويأتي الاستفزاز الإماراتي أيضاً في ظل تنامي خشية الدول الأوروبية من تحوُّل التصعيد إلى مواجهة عسكرية قد يكون لها "عواقب وخيمة" وفقاً للمتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية كريستوفر برغر، وفي ظل مساعي ألمانية تُبذل لاحتواء التصعيد، إذ يُجري وزير الخارجية الألماني هايكو ماس زيارة لأثينا وأنقرة في محاولة لاحتواء التصعيد، وهو ما يعني بالضرورة دخول الإمارات على خط تصعيد غير معروفة نتائجه، لكنها بالضرورة قد لا تنجو منه حال شاركت فيه رسمياً، بخاصة بعد التلويح التركي بمحاسبة أبو ظبي من جهة، وبالرد على اليونان من جهة أخرى.
الاستقواء بإسرائيل
لا يبدو أن الإمارات أقدمت على خطوة المناورات العسكرية مع اليونان في منطقة تنقّب فيها تركيا عن الموارد، بشكل عبثي ومتسرع، إذ يأتي هذا الاستفزاز بعد إبرامها اتفاقية تطبيع شاملة مع إسرائيل، وهي اتفاقية ترى الأوساط الإسرائيلية أنْ سيكون لها تأثير كبير على الشرق الأوسط، بخاصة ما يتعلق بالصراع في البحر المتوسط.
يقول المحلل السياسي لموقع ميديا الإسرائيلي ديمتري شوبوتنسكي، إن "الاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي اتفاق أسطوري في الشرق الأوسط، من شأنه أن يعرقل طموحات تركيا وإيران".
ويرى أن الإمارات "بعد الاتفاق مع إسرائيل والقوة العسكرية التي صارت إلى جانبها في المنطقة، بات بإمكانها أن تشكّل تهديداً للمخططات التركية".
ويشير المحلل السياسي إلى أنه في ظل الحديث عن توافق عسكري كبير بين الإمارات وإسرائيل قد يتضاعف الدعم لخليفة حفتر في ليبيا، و"هذا من شأنه أيضاً أن يزيد ابتعاد تل أبيب عن أنقرة ويدعم مصالحها في البحر المتوسط، في الوقت الذي تهدّد فيه تركيها هذه المصالح من خلال الاتفاقيات التي تعقدها مع حكومة الوفاق الليبية".
النشاط التركي في منطقة شرق المتوسط يشكل تهديداً لإسرائيل
دولة وظيفية.. دفاعاً عن إسرائيل
بدورها تشير هيئة الإذاعة والتليفزيون الإسرائيلية نقلاً عن وزارة الاستخبارات، إلى أن "الاتفاق مع الإمارات لم يكن اقتصادياً وسياسياً فحسب، بل الأهمّ من ذلك أنه التعاون العسكري".
وتقول في تقرير إن التعاون العسكري كان على رأس سلّم الأولويات في المحادثات بين الجانبين الإسرائيلي والإماراتي.
من جهتها تشير صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أن "تركيا في هذه الأثناء توسّع نشاطها في البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما من شأنه أن يشكّل تهديداً مباشراً على إسرائيل".
وبينما يدور الحديث عن تشكيل التنقيب التركي عن الغاز تهديداً لإسرائيل بشكل مباشر، تُقلِع الطائرات الإماراتية لإجراء مناورات مع اليونان في منطقة التنقيب التركية ذاتها، وهو ما يعني أن "الحلف" بدأ السعي لاستفزاز أنقرة ومقارعتها بدلاً من إسرائيل التي لم تتحرك عسكرياً ولا سياسياً إلى درجة كبيرة حتى الآن، مما يشير إلى حقيقة تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أقار بوصفه الإمارات بـ"الدولة الوظيفية".
وما يؤكد أن الإمارات تؤدي الدور بدلاً من تل أبيب، هو ما أوردته معاريف من أن "لإسرائيل مصلحة كبيرة في دعم الإمارات ومصر والوقوف معهما من أجل وقف تركيا"، مشيرة إلى أن "إسرائيل تسعى لتمرير خطوط الغاز والنفط إلى أوروبا، ولا يقيّد تلك المساعي إلا الموقف التركي، مما يزيد التقارب بين تل أبيب وأثينا".
وكشف موقع "كلكاليست" الإسرائيلي أن إسرائيل سعت سراً خلال السنوات الماضية لبناء القدرات العسكرية لدولة الإمارات لتحقيق مصالح مختلفة، ويشير إلى أن العلاقات العسكرية بدأت بين الجانبين بشكل سري للغاية منذ عام 2009.
فيما كشفت صحيفة يسرائيل هيوم قبل أيام أن الإمارات تدرس اقتناء منظومات دفاع جوية إسرائيلية، وهو قرار اتخذته أبو ظبي بعد إعلان اتفاق التطبيع، والحديث يدور عن منظومة "لاهف أفير" التابعة لقوات حرس الحدود الإسرائيلية، وتعمل على اعتراض الطائرات دون طيار، وتستخدمها القوات الإسرائيلية لصدّ "البالونات الحارقة" التي تُطلَق من قطاع غزة.
يوضّح عيران ليرمان نائب مدير مركز القدس للأبحاث الاستراتيجية الإسرائيلي، أن الاجتماع الأخير بين نتنياهو ونظيره اليوناني كان محوره الأساسي عمليات التنقيب التركية في البحر المتوسط وما تفرضه من تحديات أمام إسرائيل وحلفائها (اليونان ومصر وجنوب قبرص).
ويقول إن "قضية التنقيب في البحر المتوسط تحظى بأهمية بالغة لدى تل أبيب بحيث لا يمكن إهمالها"، ويشير في الوقت ذاته إلى أن التطورات قد تدفع باتجاه معارك عسكرية لا تحبّذ إسرائيل أن تكون جزءاً منها، "لكن لديها علاقات عسكرية واستخباراتية مع اليونان وكذلك مصالح مع مصر".
هل تحمي إسرائيل الإمارات؟
يقول الخبير في الشؤون العسكرية والإسرائيلية رافع طريف لـTRT عربي،إن "جوهر الاتفاق بين إسرائيل والإمارات يقضي بأن تقدم إسرائيل الدعم للإمارات وتوفر لها الحماية، لأن الإمارات دولة فقيرة عسكرياً وليس لديها قدرات تكتيكية".
ويضيف: "إسرائيل لا تتدخل عسكرياً في النزاع التركي-اليوناني، لأنه لا حدود تربطها واقعياً في تلك المنطقة، بل تربطها المصالح، ومن المرجح أن تطلب من الإمارات أن تؤدي دوراً ما بدلاً منها، ووارد أن تكون المناورات الإماراتية المذكورة جزءاً من هذا الطلب".
ويشير إلى أن "إسرائيل تتصرف بذكاء في مثل هذه الظروف كي لا تكسر قواعد اللعبة، فمثلاً قد تستطيع العمل على إقامة حلف يحقّق هذه الغايات ضد تركيا، على رأسه الولايات المتحدة وقوات دولية أخرى".