رجل يلوّح بعلم لبنان وسط أنقاض مبنى دمّره القصف الإسرائيلي، بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

الاتفاق الذي أتى بعد ما يقارب 14 شهراً من الحرب بين الطرفين، التي بدأت بسبب إسناد حزب الله لجبهة غزة بعد عملية طوفان الأقصى، جاء في وقت يسابق فيه الوسطاء، بخاصة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المتبقي في فترتها أقلّ من 55 يوماً، لإنهاء الحرب في الشرق الأوسط، التي شكلت العقدة الرئيسية في إدارة بايدن.

وبدأ وقف إطلاق النار رسمياً عند الساعة الرابعة صباحاً بتوقيت لبنان، بعد يوم من أعنف الغارات على بيروت، بما في ذلك سلسلة من الضربات في وسط المدينة، منذ تكثيف إسرائيل حملتها الجوية في لبنان في أواخر سبتمبر/أيلول قبل إرسال قوات برية.

ومع إعلان الاتفاق، اتجه آلاف النازحين اللبنانيين في سياراتهم المحملة بأغراضهم إلى مدنهم وقراهم في الجنوب، رغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي والجيش اللبناني طلبا من السكان الانتظار، ما يعكس الأثر الإنساني العميق المترتب على العدوان الإسرائيلي على الجبهة اللبنانية، الذي أدى إلى مقتل 3 آلاف و823 شخصاً، وإصابة 15 ألفاً و859، فضلاً عن نحو مليون و400 ألف نازح.

ما تفاصيل الاتفاق؟

كان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن مساء الثلاثاء الموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان بأغلبية 10 وزراء مقابل واحد، وبعد ذلك أعلن بايدن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله.

وقال نتنياهو إن المجلس الوزاري الأمني المصغر صدّق على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، متوعداً بـ"الرد بقوة" على أي خرق للاتفاق من حزب الله، فيما قال محمود قماطي نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله في لقاء تلفزيوني: "نشكّك بالتزام نتنياهو، ولن نسمح له بتمرير فخّ بالاتفاق".

يتبع الاتفاق الخطوط العريضة لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى حرب إسرائيل وحزب الله التي استمرت 36 يوماً في عام 2006، ولكن لم يُنفَّذ بالكامل قط.

وينص الاتفاق على أن تتوقف إسرائيل عن "تنفيذ أي عمليات عسكرية ضد الأراضي اللبنانية، بما في ذلك استهداف المواقع المدنية والعسكرية، ومؤسسات الدولة اللبنانية، براً وبحراً وجوّاً"، وتوقّف كل الجماعات المسلحة في لبنان (حزب الله وحلفائه) عملياتها ضد إسرائيل.

كما ينص على سحب جيش الاحتلال الإسرائيلي قواته تدريجياً من جنوب لبنان في أجل لا يتعدى 60 يوماً، وسحب حزب الله أسلحته الثقيلة شمال نهر الليطاني، على بعد نحو 16 ميلاً (25 كيلومتراً) شمال الحدود، ومن المتوقع أن ينشر الجيش اللبناني قواته (نحو 5 آلاف جندي) في جنوب الليطاني.

وفي حين أن حزب الله جزء من الحكومة اللبنانية، فإن قواته ليست جزءاً من الجيش الرسمي، وتنصّ نسخة من اتفاق وقف إطلاق النار، اطّلعَت عليها وكالة رويترز، على أنه لن يُسمح إلا "للقوات العسكرية والأمنية الرسمية" في لبنان بحمل السلاح.

وتشتكي إسرائيل من تمركز أسلحة حزب الله بالقرب من أراضيها، في حين يؤكد حزب الله أن قواته هي الوحيدة القادرة على مقاومة السياسات التوسعية لإسرائيل.

كما يتضمن الاتفاق بدء عودة المدنيين النازحين من الجانبين إلى ديارهم، فضلاً عن بنود حول حق لبنان وإسرائيل في الدفاع عن النفس.

وتشرف على مراقبة تنفيذ الاتفاق آلية ثلاثية قائمة مُسبَقاً بين قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) والجيشَين اللبناني والإسرائيلي، وسيجري توسيعها لتشمل الولايات المتحدة وفرنسا، وسترأس واشنطن هذه المجموعة.

ويُبلَغ عن أي انتهاكات محتملة لآلية المراقبة، وستحدد فرنسا والولايات المتحدة معاً ما إذا كان حدث انتهاك، وتشير التقارير إلى وجود رسالة ضمان، ليست جزءاً رسمياً من الاتفاق، تضمن الدعم الأمريكي لحرية إسرائيل في اتخاذ الإجراءات إذا هاجم حزب الله إسرائيل مرة أخرى أو حرك قواته أو أسلحته جنوب نهر الليطاني.

ما علاقة شحنات الأسلحة الأمريكية بالاتفاق؟

ويرى مراقبون أن إسرائيل وافقت على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد تحذيرات من واشنطن من أن الفشل في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قد يدفع الولايات المتحدة إلى عدم استخدام حق النقض (فيتو) ضد قرار مجلس الأمن الدولي الذي يفرض وقف إطلاق النار بشروط غير مواتية لإسرائيل.

ووفق تحليل لصحيفة الغارديان البريطانية، رحبت إسرائيل بفرصة إراحة قواتها البرية المرهقة وجنود الاحتياط، وإصلاح وإعادة تزويد مخزونها من الذخائر، كما كانت سعيدة بمشاركة الولايات المتحدة، حليفها الرئيسي، مباشرة في الوساطة.

صحيفة "هآرتس" العبرية نقلت بدورها عن نتنياهو قوله إن مدة وقف إطلاق النار في لبنان تعتمد على "ما يحدث في لبنان"، وبحسب رئيس الوزراء، فإن الاتفاق يهدف إلى "التركيز على إيران وعزل حماس".

وقال نتنياهو إن سبباً آخر لقرار التوقيع على الاتفاق هو تأخير شحنات الأسلحة، وكان هاجم من قبل إدارة بايدن لتأخير شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.

مع ذلك نفت إدارة بايدن تقليص تسليم الأسلحة لإسرائيل، باستثناء شحنة واحدة من القنابل الثقيلة التي يبلغ وزنها 2000 رطل، والتي حُجبت بسبب مخاوف الولايات المتحدة بشأن استخدامها في المناطق المدنية المكتظة بالسكان في غزة، وفق هآرتس.

من جهتها نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن تقارير إعلامية عبرية في الأيام الأخيرة عن مقربين من نتنياهو لم تكشف عن أسمائهم، زعمهم أن إدارة بايدن تعهدت بالإفراج عن شحنات الأسلحة المحتجزة مقابل موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار في لبنان.

مع ذلك برز تضارب في الروايات الإسرائيلية والأمريكية حول الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة، فوفق ما نقلته "هآرتس" عن مسؤولين إسرائيلين، فإدارة بايدن هددت باتخاذ إجراءات قاسية إذا لم تقبل إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار، الأمر الذي لم يترك لها أي خيار سوى ذلك، فيما رفض المسؤولون الأمريكيون هذا الاتهام قائلين إنه لم يكن هناك تهديد، بل مجرد محاولة وساطة نجحت في سد الفجوات بين الطرفين ودفعهما إلى اتفاق.

وفي عصر الثلاثاء عقد مسؤولون أمريكيون إحاطة للصحافيين الإسرائيليين لنفي ادعاءات الضغوط في مسألة الأسلحة وعدم استخدام حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن، وقال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية إنه لم يكُن في أي مرحلة تهديد أمريكي بالامتناع عن استخدام حقّ النقض في مجلس الأمن لصالح إسرائيل في سياق المفاوضات بشأن اتفاق في الشمال.

خطوة نحو اتفاق أوسع؟

وبعد التوصل إلى اتفاق لبنان، قال بايدن إنه سيجدد الآن مساعيه الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة، بالتعاون مع مصر وقطر وتركيا، ودعا إسرائيل وحماس إلى اغتنام الفرصة، ووصف العنف الكارثي الذي عانى منه الفلسطينيون في غزة بعبارات أكثر حدة مما اعتاد أن يصفه على مدى الأشهر الأربعة عشر الماضية من الحرب، وفق ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز".

واعتبرت الصحيفة أن السؤال المطروح هو ما إذا كان وقف إطلاق النار في لبنان، الذي أعلنه بايدن سيمثل خاتمة جهوده الدبلوماسية في الشرق الأوسط، أم سيكون بمثابة خطوة أولى نحو اتفاقات أكثر شمولاً قد تنهي في النهاية الحرب المدمرة في غزة، وتمهّد الطريق لتحول إقليمي أوسع.

وترى الصحيفة أنه "إذا صمد الاتفاق، فإن وقف إطلاق النار في لبنان بحد ذاته يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً، فقد صُمّم لاستعادة الاستقرار على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان، مما يسمح لمئات آلاف المدنيين النازحين على الجانبين بالعودة إلى منازلهم، مع توفير منطقة عازلة تضمن أمن إسرائيل، وإتاحة الفرصة للحكومة اللبنانية لإعادة بسط سيطرتها على أراضيها بعد إضعاف حزب الله".

واعتبرت الصحيفة أن خطاب بايدن الذي تَضمَّن عبارات مثل "السلام ممكن ولن أتوقف للحظة واحدة عن العمل لتحقيقه"، يشير إلى أن لديه طموحات أكبر في ذهنه، أي محاولات الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة.

وقالت: "مع بقاء 55 يوماً فقط على انتهاء ولايته، يسابق بايدن الزمن ضد عقارب الساعة، ويفضّل أن يتذكره الناس باعتباره الرئيس الذي وضع الشرق الأوسط على مسار تسوية دائمة للعداوات الطويلة الأمد، لا الرئيس الذي سلّم الفوضى لخليفته".

ما أهمية الاتفاق؟

الخبير العسكري والاستراتيجي خالد حمادة، يرى أن الاتفاق يمتلك جميع مقومات الصمود لعدة أسباب: أولاً أنه يحظى بدعم كامل من الإدارة الأمريكية التي تقف خلفه بثقلها الدبلوماسي والسياسي.

ثانياً أنه نجح في تلبية مجموعة من الهواجس الأساسية لدى اللبنانيين. وعلى الرغم من بعض التحفظات التي أثيرت بشأن عمل اللجنة الدولية المكلفة مراقبة تنفيذ الاتفاق، فإن في لبنان حالة من الرضا العامّ تجاه البنود التي تضمنها، وفق حمادة.

ويضيف حمادة في مقابلة مع قناة TRT عربي أن "الاتفاق نجح أيضاً في إزالة ما تعتبره إسرائيل مسببات لعدوانها، أو ما تصفه بأنه تهديد لأمنها، كما يحظى الاتفاق بإجماع إقليمي، عُبّر عنه بوضوح خلال القمة الإسلامية العربية التي عُقدت في الرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني".

ويشير إلى أن الدور الأوروبي كان أيضاً حاضراً في هذا الاتفاق، مما يعزز فرص نجاحه، ويُعتقد أن الاتفاق سيقدّم نموذجاً جديداً للعلاقات بين إسرائيل والدول المجاورة لها في القضايا الأمنية، بما في ذلك تأثيره المحتمَل في مسار الحرب في غزة، وقضية حماس تحديداً، وقد يسهم في دفع جهود التوصل إلى حلول جادة في غزة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً