في خضم مساعي الإمارات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كان البلدان قد وقعا على اتفاقية تعاون استراتيجي لنقل النفط في سبتمبر/أيلول 2020، أثارت الكثير من الجدل حول مساعي البلدين لإيجاد بديل لقناة السويس. غير أن رحيل بنيامين نتنياهو عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية قد ينذر بتغير ما في بوصلة تحركات تل أبيب الإقليمية، والتي ربما يكون من أهمها توقف مشروع نقل النفط.
حيث إن حكومة تل أبيب الجديدة قد أظهرت بالفعل عدم ترحيبها بالمشروع. ويحدث ذلك بالتزامن مع توجّه مصر نحو حلفاء إقليميين آخرين، مثل قطر وتركيا، وتحركها بشكل فردي أكثر من ذي قبل.
وفي هذا الصدد، طالبت وزيرة الحماية البيئية المعينة حديثاً في الحكومة الإسرائيلية تمار زاندبرغ بإلغاء اتفاقية نقل النفط لمخاوف بيئية، وأردفت أن نقل النفط عبر الأراضي الإسرائيلية قد يتسبب في أضرار ومخاطر بيئية جسيمة.
بداية القصة
عند توقيع اتفاقية نقل النفط عبر خط أنبوب إيلات عسقلان المعروف بخط "كاتسا"، كان من المخطط له أن يقوم بنقل النفط والغاز من الخليج إلى إسرائيل عبر ممر بري، يبدأ من الإمارات ويمر عبر السعودية ومنها إلى إيلات جنوبي إسرائيل، ثم يصل إلى ميناء عسقلان ومنها إلى أوروبا وأمريكا. وكانت أهم الأسباب المعلنة لتلك الاتفاقية تقليل وقت وتكاليف نقل النفط والغاز، وكذلك تجنب بعض مخاطر النقل البحري التي تتمثل في الوجود الإيراني والحوثي في مضيقي هرمز وباب المندب وكذلك تجنباً لأعمال القرصنة.
على إثر تلك الاتفاقية، بدا جلياً للقاهرة أن حليفها في أبوظبي لا يكترث بمصالح مصر الجيوسياسية والاقتصادية، والتي من المحتم أنها ستتقلص نتيجة لخسارة مصر لعائدات عبور النفط. ففي تقرير كانت قد نشرته مجلة "فورين بوليسي" فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بنسبة أكثر من 17% بموجب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي. بالإضافة إلى خسارة مصر لدورها في تخزين النفط السعودي.
وأفاد تقرير لصحيفة "The Times of Israel" الإسرائيلية بوجود نزاع بين مصر والإمارات بسبب "مشاورات وترتيبات أولية" بين أبوظبي وتل أبيب حول إيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس.
وفي سياق متصل، كان أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس قد أعرب عن قلقه من وجود مشروع إسرائيلي منافس للقناة المصرية، وأنه سيكون لذلك تداعيات على الأمن القومي المصري على حد تعبيره.
بعد الإطاحة بنتنياهو، هل يتغير الأمر؟
كانت قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية قد بثت تحقيقاً خلال الأسابيع الماضية، يفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو ومستشاره للأمن القومي مئير بن شابات قد أخفيا عن وزارات الحكومة والمؤسسات الرسمية كل بنود الاتفاق مع الإمارات والتفاصيل المتعلقة ببدء تشغيله. وعليه يؤكد التحقيق أن الكثير من المستويات الرسمية في تل أبيب تعارض نقل النفط الخليجي عبر أراضيها وذلك لمخاوف بيئية.
أفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" المعروفة بتأييدها لرئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، أن أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق بين الإمارات وإسرائيل على يد الحكومة الجديدة. ويأتي ذلك في سياق توقعات باحتمال إلغاء اتفاق نقل النفط الخليجي عبر خط أنابيب إيلات عسقلان.
يبدو أن دخول اتفاقية نقل النفط حيز التنفيذ ليس من السهولة على ما كان عليه الوضع قبل أشهر قليلة. حيث اختلفت الكثير من الحيثيات المتعلقة بالأمر، مثل الإطاحة ببنيامين نتنياهو الصديق المقرب للإمارات، ووصول حكومة نفتالي بينيت إلى سدة الحكم في تل أبيب، وتصريح وزيرته للحماية البيئية تمار زاندبرغ بشأن مخاوفها من اتفاقية نقل النفط الخليجي، وكذلك مع الوضع في الاعتبار كثرة التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وكذلك تداعيات الأزمة الأخيرة في قطاع غزة التي شهدت عودة للقاهرة إقليمياً للعب دور الوسيط لخلق الهدنة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
تغير المقاربة المصرية
على صعيد آخر، ومع استشعار القاهرة الخطر في ملفات حيوية مثل مشروع إيلات عسقلان لنقل النفط، بدأت السياسة الخارجية المصرية تجد لها تموضعاً مختلفاً خارج الحلف الإماراتي السعودي، فمن ناحية فتحت المصالحة الخليجية باباً لاستئناف العلاقات مع قطر بعد جمود استمر سنوات، ومن ناحية أخرى كان التقارب مع تركيا عاملاً مهماً في المعادلة. والموقف المصري الأخير من العدوان الإسرائيلي على غزة. كل ذلك أظهر إلى أي حد تفرّقت السبل بين مصر وحليفها القديم الإمارات.
من جهة أخرى، جاء توقيع إدارة جنوب قبرص واليونان وإسرائيل على اتفاق خط أنابيب "ايست ميد" في وقت سابق من عام 2020، تهميشاً لدور مصر في المنطقة، ممَّا أنعكس بلا شك على سياسات وتحالفات القاهرة الإقليمية.
علاوة على أن ملف مشروع خط النفط الإماراتي الإسرائيلي ليس ناقوس الخطر الوحيد الذي يشغل بال صانعي القرار بالقاهرة، بل هناك العديد من الخلافات الأخرى التي يأتي على رأسها ملف محوري مثل سد النهضة الإثيوبي، حيث إن أبوظبي قدمت الكثير من الدعم المعلن وغير المعلن لأديس أبابا. وقد أسهم كل ذلك في تغير المقاربة المصرية تجاه حلفائها في المنطقة.
في ضوء المستجدات على الساحة الإقليمية، يبدو أن مساعي الإمارات وإسرائيل في إيجاد بديل لقناة السويس المصرية ستبقى محل شك ولفترة طويلة. لكن المؤكد أنه برحيل نتنياهو خسرت الإمارات حليفاً مهماً كانت قد قطعت معه أشواطاً كبيرة في التطبيع مع إسرائيل.