تزامناً مع أول قصف صاروخي للمقاومة في المعركة الأخيرة الذي استهدف مدينة القدس رداً على اقتحام المسجد الأقصى من قبل الشرطة الإسرائيلية، خرجت المظاهرات في المغرب يوم الاثنين 20 مايو/أيار دعماً للمقدسيين، وتنديداً بانتهاكات الاحتلال.
قابلت السلطات المغربية هذه الاحتجاجات بالمنع وفرقت المتظاهرين بالقوة وحالت دون وصول آخرين إلى الساحات للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية والتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة. لكن ذلك لم يمنع الاحتجاج على منصات التواصل الاجتماعي التي تصدّر فيها وسم "أولاً أوقفوا اتفاقية التطبيع".
ما قصة الوسم؟
في 14 مايو/أيار الجاري قرر العاهل المغربي محمد السادس إرسال مساعدات إنسانية عاجلة من المغرب إلى غزة والضفة، وهو ما رفضه مناهضو التطبيع ونشطاء على مواقع التواصل، وانتقدوا ما سمَّوه "مساندة الفلسطينيين بيد وقمع المتضامنين معهم ومصافحة العدو باليد الأخرى" من خلال التغريد عبر وسم "أولاً أوقفوا اتفاقية التطبيع"، مطالبين بطرد رئيس البعثة الإسرائيلية من المغرب.
وفي هذا السياق يرى نائب منسق الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع عبد الصمد فتحي في حديث لـTRT عربي أن "المغرب يحاول التغطية على خيانته (التطبيع) بالإعلان الصوري عن التضامن مع الشعب الفلسطيني لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون"، مشبهاً المساعدات المغربية الرسمية للفلسطينيين "بالذي يدعم سارق الدار ثم يرسل سلة مؤونة إلى صاحبها (الضحية)".
ويؤكد فتحي أن التطبيع مع إسرائيل "خيانة للقضية الفلسطينية"، مشدداً على أنه لا يمكن الجمع بين التطبيع ومساندة الشعب الفلسطيني في نفس الوقت، ولهذا "أعلن المغاربة رفضهم إرسال المساعدات قبل وقف الاتفاقية".
هَبَّة شعبية تهدد التطبيع
كسرت الأحداث الأخيرة في فلسطين هدوء الشارع المغربي الذي توج يوم الأحد 16 مايو/أيار بنجاح اليوم الوطني للتضامن مع الفلسطينيين الذي دعت إليه جبهة دعم فلسطين، فتظاهر آلاف المغاربة بأزيد من 55 مدينة من دون أن تتعرض لهم السلطات باستثناء مظاهرة العاصمة الرباط التي تدخلت بها الشرطة لمنع تحوُّلها إلى مسيرة بعد احتشاد أعداد كبيرة من المتظاهرين.
ثم عادت المواجهة بين السلطة ومناهضي التطبيع في الأسبوع الثاني عقب إعلان الجبهة المغربية تنظيم مسيرة شعبية في العاصمة الرباط يوم الأحد 23 مايو/أيار، وهو ما قابلته وزارة الداخلية بالرفض من خلال قرار منعٍ جرى بثُّه عبر التلفزيون الرسمي، يَعتبر أن من شأن المسيرة التي انتظرها المغاربة بفارغ الصبر "خرق حالة الطوارئ الصحية".
يقول عبد الصمد فتحي في حديثه مع TRT عربي: "إن المغاربة عبروا من خلال المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي والمستمرة احتفالاً بانتصار المقاومة عن مؤازرتهم الشعب الفلسطيني ورفضهم التطبيع مع الاحتلال"، لافتاً إلى أن هذا التضامن "هو الذي فرض على السلطات المغربية التسابق إلى دعم الفلسطينيين، وتعليق إجراءات التطبيع التي كانت تسير بسرعة، ومغادرة ممثل الاحتلال في الرباط التراب الوطني".
في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2000 أمر العاهل المغربي محمد السادس بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بعد ست سنوات من فتحه، وطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية عقب اندلاع انتفاضة فلسطينية صحبها ضغط شعبي على مستوى الشارع المغربي.
يرى فتحي أن الهدف من قرار منع مسيرة الرباط هو الهروب من "حرج وضغط" كان سيدفع إلى السيناريو ذاته وهو "إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي كما حدث أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية"، لأنها كانت ستكون مسيرة مليونية، يضيف المتحدث، "لولا قرار المنع الذي اضطر الجبهة إلى تحويلها إلى مسيرات شعبية في كل مدن المغرب".
وكانت الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع التي تضم تيارات إسلامية ويسارية من بينها جماعة العدل والإحسان والحزب الاشتراكي الموحد، أعلنت الجمعة 21 مايو/أيار تنظيم يوم وطني تخرج فيه مظاهرات شعبية من أجل الاحتفال بانتصار المقاومة الفلسطينية والمطالبة بإسقاط اتفاق التطبيع.
وقالت الجبهة بمؤتمر صحفي بالرباط: "إذا جاء المنع ليشوش على مسيرة الأحد ويحد من التحاق سكان باقي المدن بها فإننا نأبى أن تكون مسيرتنا باهتة أو يستفيد منها المطبعون"، داعية للاحتجاج بكل أقاليم المغرب.
وتظاهر آلاف المغاربة مساء الأحد 23 مايو/أيار عبر مهرجانات احتفالية واحتجاجات طالبت بإسقاط التطبيع وإنهاء جميع الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، وسط حضور أمني كثيف لم تسلم من تدخُّله كل من مظاهرات مدينة وجدة (شرق البلاد) والعاصمة الرباط أمام مقر البرلمان، حيث فرقت الشرطة المحتجين بالقوة.
من جهته يتوقع البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) عبد العزيز أفتاتي أن يدفع استمرار هذه الهَبة الشعبية في اتجاه إغلاق مكتب الاتصال "بحكم أنه لا أحد يثق باتفاقيات التطبيع مع العدو"، مشيراً إلى أنه "لو كان مسار التطبيع ناجحاً لنجح مع سلطة عباس في فلسطين أولاً باعتبارها أكثر النماذج تسوية".
ويقول أفتاتي بتصريح لـTRT عربي: "أتصور عدم توقُّف التعبير الشعبي عن رفض اتفاق التطبيع والسعي لإسقاطه، بالنظر إلى الرفض العارم للكيان الاستيطاني وسجله الإجرامي الجديد بالمعركة الأخيرة".
هل يراجع الـPJD موقفه؟
يشير القيادي في العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي إلى أن حزبه يرفض التطبيع ويواجه المشروع الصهيوني، ويشدد على أن من واجب الحزب اليوم بعد الأحداث الأخيرة "أن يدعو رسمياً لوقف هذا المسار دفاعاً عن المجتمع، وحرصاً على المسؤولية الملقاة على المغرب في الدفاع عن القدس وفلسطين".
وطالبت الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان في 17 مايو/أيار بإغلاق مكتب الاتصال في الرباط رداً على الانتهاكات الإسرائيلية، متمنية في كلمة على لسان النائب محمد الحمداوي أن يتخذ المغرب "قراراً مثل الذي اتخذه في أعقاب اندلاع الانتفاضة الثانية".
ويلفت أفتاتي، وهو أحد قيادات الحزب الذين عارضوا اتفاق التطبيع منذ إعلانه، الانتباه إلى أن قرار التطبيع دبرته الدولة بمفردها من خلال "الإكراه على الربط بين الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء واشتراط الانفتاح مجدداً على العدو الصهيوني".
يذكر أن عدداً من قيادات الحزب أبدوا ترحيبهم بالاتفاق، منهم وزير الطاقة والمعادن عزيز الرباح الذي قال إنه لا يمانع زيارة إسرائيل إذا اقتضى الأمر باعتباره يمثل الدولة، ووزير الشغل محمد أمكراز عبر تبرير تطبيع بلاده مع الاحتلال بكون قضية إقليم الصحراء الغربية فوق كل اعتبار، فضلاً عن زعيم الحزب الذي وقَّع على الاتفاق بصفته رئيساً للحكومة.
وهو ما انتقده نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسم "أولاً أوقفوا اتفاقية التطبيع"، عقب تصريحات لرئيس الوزراء المغربي والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني يتضامن فيها مع الشعب الفلسطيني ويندد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويُرتقب وسط غضب شعبي متصاعد تبادل زيارات مغربية-إسرائيلية في الأيام المقبلة تُدشَّن بتسيير رحلات جوية مباشرة بين الجانبين، حسب رئيس مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب عبد الرحيم بيود الذي قال إنها ستنطلق بعد شهر رمضان.
وفي 22 من ديسمبر/كانون الأول وقَّع رئيس الوزراء سعد الدين العثماني "اتفاقاً مشتركاً" بين بلاده وإسرائيل والولايات المتحدة، ليصبح المغرب رابع دولة عربية توافق على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين والسودان عقب إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عن ما سُمي "صفقة القرن".