قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي مع كلاب مدربة في منطقة خان يونس جنوبي قطاع غزة. المصدر: جيش الاحتلال (Others)
تابعنا

"أنا أم الشهيد والأسير والطفل الجريح إبراهيم جمال حشاش".. هكذا تُعرِّف السيدة عن نفسها، وهي التي سبق أن استُشهد لها ابن. وتقول لـTRT عربي إن طفلها إبراهيم ما زال يعاني آثار الاعتداء الوحشي الذي حصل له، مثل التبول اللا إرادي والاكتئاب، الأمر الذي يستدعي زيارة إلى عيادة "أطباء بلا حدود" أسبوعياً لعلاجه من الصدمة.

وعن الحادثة تروي أم محمد أنه في صباح الرابع من فبراير/شباط الماضي، استيقظت لكي تجهز أولادها للمدرسة لتُفاجأ باقتحام نحو 200 جندي من قوات الاحتلال الإسرائيلي المخيم ووجودهم في عمارتها ومحاولتهم اقتحام منزلها.

وتقول: "عند الاقتحام كان إبراهيم نائماً.. هرعت إليه وحملته بين ذراعيَّ خشية دخول الاحتلال عليه وترويعه فهاجمني الكلب وقفز عليَّ ووضع يديه ورجليه على جسدي وبدأ بنهش جسد إبراهيم من الخلف.. صرت أضربه كي يبتعد، لكن كل ما أضربه أكثر كل ما يشدّ على طفلي أكثر".

وبعد دقائق مرّت، سحب الكلب الطفل إبراهيم من بين يدَي أمه وذهب به إلى الدرج، تقول: "حمل الكلب إبراهيم مثلما تحمل القطط أولادها". تصف الأم الحادثة، إذ كانت في تلك الأثناء تصرخ وتبكي ثم ضربها أحد الجنود بالبندقية في صدرها وأمسك ابنتها البالغة 11 عاماً ودفعها أيضاً.

وتضيف السيدة: "بعد نحو 5 دقائق لحق الجنود بالكلب، وأتوني بإبراهيم مغطى بالقصدير.. أخذته ثم صرت أصرخ وأنادي عليه لكنه كان مغمى عليه، ركضت به إلى الإسعاف الذي كان واقفاً في الخارج وصرت أصرخ بأعلى صوتي: الولد مات، الولد مات، تعالَ خُذْ منِّي الولد".

استغرقت عملية الطفل إبراهيم ثلاث ساعات ونصف الساعة، وخرج من العملية مخيطاً بـ42 قطبة، فيما مكث في المشفى 22 يوماً، وفق ما تروي والدته، وتتابع: "لاحقاً أخذته إلى صحة بلاطة البلد وحقنوه بـ21 إبرة ضد تسمم الكلاب بسبب عدم تطعيم الكلب".

"إلى الآن ما زلت أتابع علاج طفلي، صار عنده حالة اكتئاب، وأذهب به إلى عيادات (أطباء بلا حدود) أسبوعياً، كما أصبح يتبول على نفسه بشكل لا إرادي"، تختتم السيدة حديثها.

تسلط قصة السيدة أم محمد وطفلها إبراهيم الضوء على سياسة أوسع يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي استخدام الكلاب أداةً لترويع الفلسطينيين وترهيبهم وحتى قتلهم.

تنكيل بالفلسطينيين باستخدام الكلاب

والأسبوع الماضي، نشرت صحيفة هآرتس العبرية مشاهد مسرَّبة من الجناح الأمني في "سجن مجدو" تُظهر التنكيل بالأسرى الفلسطينيين، واستخدام الكلاب لإذلالهم، إذ أجبر الاحتلال الأسرى على الانبطاح على الأرض مكبلي الأيدي، فيما يمر أحد السجانين ومعه كلب فوق رؤوسهم.

وفي يونيو/حزيران الماضي، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن استخدام جيش الاحتلال الكلاب البوليسية لمهاجمة المدنيين الفلسطينيين خلال عملياته الحربية في قطاع غزة، إلى جانب استخدامها في ترويع ونهش واغتصاب الأسرى والمعتقلين في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية "يعد سلوكاً ممنهجاً ومتبعاً بشكل واسع النطاق".

ووثق المرصد عشرات الحالات التي استخدمت فيها إسرائيل الكلاب البوليسية الضخمة خلال عملياتها الحربية في قطاع غزة، لا سيما خلال مداهمة المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء.

وأوضح أن استخدام الكلاب ضد المدنيين يأخذ عدة أشكال، منها استخدامها بعد وضع كاميرات مراقبة على ظهرها لاستكشاف المنازل والمنشآت قبل مداهمتها، فيما تهاجم هذه الكلاب بشكل متكرر مدنيين وتنهشهم عند عمليات الاقتحام، دون أي تدخل من أفراد جيش الاحتلال الذين غالباً ما يأمرون الكلاب بمهاجمة المدنيين ثم يستهزئون بهم.

وفي يونيو/حزيران الماضي انتقد المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان جيريمي لورانس، جنود الاحتلال الإسرائيلي لإطلاقهم الكلاب على المعتقلين الفلسطينيين، وقال: "مثل هذه الأعمال تشكل انتهاكات خطيرة لالتزامات إسرائيل في ما يتعلق بالأشخاص المحميين بموجب قانون الاحتلال".

أبرز جرائم الاحتلال باستخدام الكلاب

لعل من أكثر الحوادث بشاعة التي استخدم فيها الاحتلال الإسرائيلي الكلاب ضد الفلسطينيين كان الهجوم الوحشي من كلب بوليسي على الشاب الفلسطيني محمد بهار (24 عاماً)، المصاب بمتلازمة داون خلال اجتياح الاحتلال حي الشجاعية شرقي مدينة غزة في يوليو/تموز الماضي.

وقالت أم الشاب في مقابلة مع وكالة الأناضول إن الكلاب هاجمتهم وهجم أحدها على ابنها محمد الذي كان يجلس على الأريكة، ونهشه الكلب في صدره ثم في يده، ما أدى إلى نزيف دم كبير لم يتوقف واستشهاد الشاب.

وخلال عملية جيش الاحتلال بمخيم جباليا في مايو/أيار الماضي، هاجم أحد الكلاب البوليسية المسنّة الفلسطينية دولت الطناني (70 عاماً)، ونهش ذراعها، في مقطع فيديو انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما استُخدمت كلاب جيش الاحتلال في اقتحام المستشفيات، حيث أقدمت على نهش النازحين وجثامين القتلى التي كانت في ساحة المستشفيات أواخر عام 2023، وكذلك خلال الاجتياح الأخير لمجمع "الشفاء" الطبي في مارس/آذار 2024، وفق توثيق المرصد الأورومتوسطي.

وفي الضفة الغربية تشير المعطيات إلى ارتفاع واضح في استخدام الكلاب البوليسية المتوحشة خلال عمليات الاعتقال واقتحام المنازل، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، إذ وثقت عشرات الصور ومقاطع الفيديو كيف يطلق الجنود كلابهم على المواطنين، وتحديداً على الأطفال، لنهش لحمهم قبل اعتقالهم.

وتؤكد مؤسسات حقوقية فلسطينية ودولية أن استخدام جيش الاحتلال الكلاب البوليسية في اعتقال المدنيين، هي سياسة رسمية متَّبَعَة منذ سنوات، ويعد استخدام هذه الكلاب في اعتقال الأطفال والمدنيين العزّل ضرباً من ضروب ممارسة التعذيب والمعاملة اللا إنسانية والمهينة، التي يجرّمها القانون الدولي، حسب "وفا".

وفي 16 من سبتمبر/أيلول الحالي، تظاهر متضامنون مع فلسطين أمام مركز تدريب كلاب K-9 البوليسية في بلدة أوسترهاوت بهولندا لمنع تصديرها إلى جيش الاحتلال الذي يستخدمها ضد المدنيين.

"وحدة عوكيتس"

و"عوكيتس" هي وحدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي تعتمد بشكل كبير على الكلاب المدربة، وتعني "عوكيتس" بالعبرية "العضة" أو "النهش"، وهي تابعة للواء "ماروم" للعمليات الخاصة في الجيش وتعد من أشرس وحدات الكلاب المدربة في العالم.

تأسست وحدة "عوكيتس" عام 1974 في قاعدة "سيركين"، وبدأت الوحدة بـ11 كلباً مجنداً فقط قبل أن تتوسع لاحقاً لتضم المئات. وتعمل "عوكيتس" على تدريب كلابها بدقة، بحيث يكون لكل منها تخصص محدد، كالهجوم، والبحث، والإنقاذ، والكشف عن المتفجرات وموقع الأسلحة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً