تابعنا
عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تشهد إسرائيل انفجار موجة هجرة عكسية واسعة، بعدما غادرها مئات الآلاف، ونية آلاف آخرين الفرار منها. وهو ما أشارت إليه إحصاءات حديثة، مما يؤثر بشكل كبير في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لإسرائيل.

وفي أحدث دراسة حول الهجرة العكسية في إسرائيل، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن هيئة الإحصاء المركزي الإسرائيلية، إحصائية تفيد بارتفاع نسبة عدد الإسرائيليين الذين غادروا البلاد بصورة قد تكون دائمة في أكتوبر/تشرين الأول، بنسبة 285% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2022.

وتعد هذه من المرات النادرة التي تكشف فيها السلطات الإسرائيلية عن مثل هذه الأرقام، وهو ما يُظهر حجم التأثير الذي خلقه هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول داخل المجتمع الإسرائيلي، إضافةً إلى السياسات المتطرفة لحكومة نتنياهو التي أصبحت تدفع عديداً من الإسرائيليين إلى مغادرة البلاد.

انفجار موجة الهجرة من إسرائيل

ويكشف تحليل حديث للبيانات صادر عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، عن تقلبات كبيرة في حركات الهجرة في إسرائيل، منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ووفقاً للأرقام التي نشرتها القناة 12 الإسرائيلية، شهدت الهجرة الدائمة زيادة هائلة بنسبة 285% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

واستمرت وتيرة الهجرة خلال الأشهر التي تلت الهجوم، ولو بوتيرة أخف، إذ سجلت الفترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ومارس/آذار 2024 مغادرة نحو 30 ألف إسرائيلي البلاد بشكل دائم، حسبما أفاد به المصدر الإسرائيلي.

فيما يرى عدد من المحللين أن أرقام الهجرة العكسية من إسرائيل على الواقع تفوق ما أُعلن من طرف مركز الإحصاء. وفي تصريحات لـTRT عربي، قدَّر دومينيك فيدال، المؤرخ الفرنسي المختص في الشؤون الإسرائيلية، أن أعداد مَن غادروا إسرائيل عقب السابع أكتوبر/تشرين الأول "ما بين 600 ألف ومليون شخص".

وأضاف المؤرخ الفرنسي: "إسرائيل تُبقي هذه الأرقام طي الكتمان كأنها أسرار حرب، لكننا حصلنا عليها بالتدقيق، انطلاقاً من تحليل بيانات ومعطيات أخرى (...) إننا نقدّر أن نصف اليهود من أصول فرنسية قد غادروا إسرائيل بالفعل".

ويهتم فيدال بشكل خاص بموضوع الهجرة العكسية من إسرائيل، وحسب دراسة سابقة أجراها رفقة المؤرخ توما فيسكوفي، في عام 2022، هناك بين 700 ألف ومليون مواطن إسرائيلي يعيشون خارج إسرائيل، نحو 100 ألف منهم يعيشون في ألمانيا. كما أن عدد الإسرائيليين الذي يمتلكون جواز سفر فرنسياً ارتفع بـ45%.

في السياق نفسه، ووفق استطلاع نشرته صحيفة هآرتس العبرية، فإن واحداً من كل أربعة يهود ينوون الهجرة من إسرائيل في حال أتيحت لهم فرصة ذلك. وأضافت الصحيفة أن الأغلبية الساحقة من المواطنين الإسرائيليين يشعرون بقلق شديد إزاء الوضع الأمني ​​الحالي في إسرائيل، وهو ما عبر عنه نحو 84% من يهود البلاد.

وترتبط هذه المعطيات أيضاً بانخفاض ثقة الإسرائيليين في إمكان تحقيق جيشهم انتصاراً في غزة، وحسب هآرتس، فإن 41% منهم فقط هم من عبّروا عن ثقتهم في تحقيق الانتصار، فيما تتأرجح أغلبية 59% بين مستويات التشكيك في تحقق ذلك.

ظاهرة تهدد تماسك إسرائيل

وحسب المؤرخ الفرنسي دومينيك فيدال، فإن ما يزيد من وقع ظاهرة الهجرة العكسية على النسيج الديمغرافي الإسرائيلي، هو تناقص أعداد اليهود الوافدين على إسرائيل. ووصف فيدال هذا الوضع بـ"المشكل الديمغرافي العويص"، بحيث أن "الـ7 أكتوبر/تشرين الأول أثرت أيضاً على موقف يهود الخارج".

في هذا السياق، أشارت أرقام مركز الإحصاء الإسرائيلي إلى أن عدد اليهود الوافدين من دول الخارج إلى إسرائيل انخفض بنسبة 21% بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومارس/آذار 2024، مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق أيضاً.

وشدد المؤرخ الفرنسي على أن تداعيات هذه الظاهرة تتخطى ضررها للقطاعات الاقتصادية لتهدد الطرح الصهيوني الأساسي الذي أُنشئت من أجله دولة إسرائيل، قائلاً: "نعرف أن مجمل سكان إسرائيل في حدود 7 ملايين نسمة، إذا قرر سُبع سكان البلاد مغادرتها إلى الأبد، فبالتالي لن يبقى هناك شيء من الوعود التي أطلقتها الصهيونية بشأن تأسيس إسرائيل".

وفي حوار سابق له مع TRT عربي، يجادل الأستاذ الباحث والمختص في تاريخ اليهود، أمين الكوهن، بأن إسرائيل تعيش "هشاشة ديمغرافية" منذ تأسيسها إلى اليوم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى وقوع هجرات جماعية منها.

ويوضح الكوهن أن المجتمع الإسرائيلي ليس أمة موحدة، بل "خليط من العناصر البشرية التي توافدت على فلسطين في فترات تاريخية متعددة، والتي تميزت بمعطيين: أنْ لا رابط بين مكوناتها سوى الديانة اليهودية، وحتى في هذا كان التدين اليهودي مختلفاً حسب مناطق النزوح. والمعطى الآخر هو هيمنة الأشكناز (يهود أوروبا) على الفضاء السياسي والاقتصادي والفكري، في المقابل جرى اعتبار غيرهم من اليهود مواطنين من درجة أدنى".

ويضيف الأستاذ بجامعة بن مسيك بالدار البيضاء، أن أول المؤشرات على ظاهرة هجرة الإسرائيليين "ظهر عبر بعض المبادرات الاحتجاجية التي قادها اليهود السفرديم، والتي طالبت بالعودة إلى الوطن الأم. منها ما حدث سنة 1959، بقيادة يهودي مغربي يدعى بن هاروش، إذ كان يرفع صورة محمد الخامس، ملك المغرب، ويقود مظاهراته المطالبة بالعودة إلى وطنه الأم".

ويخلص الكوهن إلى أن "إسرائيل تعيش اليوم مع جيل يشكك في موثوقيتها، فبعد 75 سنة ما زالت الدولة تفتقر إلى الأمن وكل تاريخها حروب، وهو ما يعبّر عنه حضور المؤسسات الأمنية بمختلف تشكيلاتها، وهيمنتها على كل الفضاءات، وهذا أمر مزعج ويدفع الفئات الشابة إلى البحث عن آفاق وفضاءات جديدة خارجها".

TRT عربي
الأكثر تداولاً