يأتي هذا الإعلان بعد محادثات جمعت مسؤولين من كييف والاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، اتفقوا خلالها على الأطر التفاوضية بشأن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد. وفي كلمة في بداية المحادثات، قال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال: "أصدقائي الأعزاء، يمثّل اليوم بداية فصل جديد في العلاقة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي".
وتأتي هذه الخطوة بعد عامين من موافقة بروكسل على منح أوكرانيا صفة الرشّح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بوصفه رداً على الحرب التي أطلقتها روسيا على البلد منذ 24 فبراير/شباط 2022. فيما تطرح خطوة بدء المفاوضات الرسمية اليوم، أسئلة حول مدى تأثيرها في مجريات الحرب وسيناريوهات ما بعد انتهائها.
ماذا ينتظر أوكرانيا خلال المفاوضات؟
وينتظر كييف مسار طويل من التفاوض والإصلاحات للانضمام أخيراً إلى الاتحاد الأوروبي، من أجل إقناع الدول الـ27 التي أبدى بعضها، مثل المجر، تحفظاً على قرار الانضمام.
وعلى الرغم من أن قطاعاً واسعاً من الناخبين الأوروبيين (45% من الناخبين) يؤيدون انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن 35% منهم يعارضون ذلك بشكل علني، وفق ما كشفت عنه استطلاعات رأي.
وترجع هذه المعارضة إلى المخاوف الأمنية التي يمكن أن تثيرها خطوة الانضمام، كما إلى مخاوف اقتصادية من إضرار الصادرات الأوكرانية بتنافسية منتجات الدول الأوروبية الأخرى، مثل ما حصل في عام 2023 باحتجاج الفلاحين والسائقين البولنديين ضد الصادرات الأوكرانية.
وفي أول تعليق لها، وصفت رئيس المفوضيّة الأوروبية أورسولا فون دير لاين، انطلاق مفاوضات انضمام أوكرانيا بـ"النبأ السار جداً بالنسبة لأوكرانيا وللاتحاد الأوروبي برمته"، لكنها استطردت مشيرةً إلى أن "هناك تحديات في الطريق أمامنا (لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد) لكنه سيكون (طريقاً) مليئاً بالفرص".
يأتي هذا في وقت كانت تلحّ فيه أوكرانيا على تسريع انضمامها إلى الكتلة الأوروبية، وسبق لرئيس الوزراء الأوكراني أن صرح العام الماضي: "لدينا خطة طموحة للغاية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في غضون العامين المقبلين. لذلك نتوقع أن نشرع في مرحلة ما قبل الدخول هذا العام".
ويرى محللون أن هذا الطموح الأوكراني بعيد عن أن يكون واقعياً، لسببين: أولهما استراتيجي، إذ إن أي انضمام لأوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي دون حسم الحرب، سيفرض بموجب بند الدفاع المشترك في اتفاقية ماستريخت المؤسِّسة للتكتل القاري، على الدول الـ27 أن تشارك في القتال ضد روسيا.
فيما السبب الآخر إجرائي، متعلق بمبدأ سيادة القانون ومحاربة الفساد، الذي يُلزم أوكرانيا العمل أكثر على تحقيق استقلالية قضائها وتطهير مؤسساتها من الارتشاء والكسب غير المشروع. ناهيك بالإجراءات الأخرى المتعلقة بالاندماج الاقتصادي، التي قد تستغرق سنوات طويلة للتفاوض حولها وحول صيغ تنفيذها.
وحسب موقع "بوليتيكو" الأمريكي، لا أحد في بروكسل ولا العواصم الأوروبية الأخرى، يعتقد أن الجدول الزمني المسرع "كافٍ وواقعي" لتأمين انضمام أوكرانيا الكامل إلى الاتحاد. وفي 2022، إثر إعلان منح كييف صفة المرشح، قال رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون إن "الأمر قد يستغرق عقوداً" قبل أن تحصل أوكرانيا على فرصة حقيقية للانضمام.
كيف سيؤثر هذا في مسار الحرب؟
ويطرح إعلان انطلاق مفاوضات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، أسئلة حول المراد من هذه الخطوة في ظل التطورات التي تشهدها الحرب، وفي غياب بوادر لنهاية قريبة لها. وكيف سيؤثّر قرار بروكسل في مسار الصراع، وسيناريوهات مرحلة ما بعده.
في هذا السياق، يرى الدكتور محمد فرج الله، المحلل السياسي ومدير موقع "أوكرانيا بالعربية"، في تصريحات لـTRT عربي، بأن القرار "نتيجة عكسية جديدة لما أراده بوتين" من خلال الحرب بإبعاد أوكرانيا عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، "فلسنا هنا بصدد الحديث عن وعود أو قرارات سياسية جوفاء، بل أصبحنا نتحدث الآن عن آلية فعالة وبدء عملية بيروقراطية أوروبية مقننة".
ويُعَدّ سعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إحدى أبرز النقاط الخلافية في علاقاتها مع موسكو، وأحد الأسباب التي بدأت منها الأوضاع في البلاد تتدحرج نحو الحرب التي تعيشها حالياً. فيما أتى طلب كييف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي مباشرةً بعد اندلاع الحرب، أداةً تحاول بها الاحتماء ببند الدفاع المشترك بين الدول الـ27، وورقة ضغط على الجانب الروسي خلال المفاوضات.
وأشار الدكتور فرج الله إلى هذا بضرب مثل بفنلندا التي واجهت التهديدات السوفييتية بالاجتياح بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في وقت "كان أعضاء حلف الناتو غير متفقين على حماية فنلندا بضمها إليه"، فـ"أمّن الاتحاد الأوروبي المظلة السيادية لفنلندا منذ انضمامها"، وبنفس الكيفية "ستصبح الأراضي الأوكرانية أراضي سيادية أوروبية وهذا مهم جداً".
هذا بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية، إذ إن الاتحاد الأوروبي ثالث قوة اقتصادية بعد أمريكا والصين، "هذا الاقتصاد سيموِّل الاقتصاد الأوكراني وسيؤمِّن لأوكرانيا أن تستمر في الحياة بعد الحرب، إذ ستكون في حاجة ماسّة إلى الدعم من أجل إعادة الإعمار"، كما أورد المحلل السياسي.
وأضاف: "ستصبح المؤسسة الأوكرانية خاضعة للمؤسسة الأوروبية. لأن أوكرانيا بحاجة لأن تقضي على الفساد وتثور ضده (...) أوكرانيا حققت تقدماً في هذا المجال، لكنها لم تنتصر عليه حتى الآن. فعندما سيبدأ تفاوض (بشأن الانضمام) سيحفّز ذلك عملية التعافي من الفساد، مما سيجعل الاقتصاد الأوكراني قوياً".