تابعنا
أعلن الجيش الأوكراني في 14 يوليو/تموز، استلامه الذخائر العنقودية من الولايات المتحدة الأمريكية، رغم حظر هذا النوع من السلاح دولياً، وانتقاد الخطوة من منظمات حقوقية، وكذلك عدم تأييد القرار من شركاء لواشنطن، وبالخصوص الأوروبيين منهم.

صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" نُشرت مقتطفات منها مساء الجمعة 8 يوليو/تموز الحالي، بأنّ بلاده ستزوّد كييف بذخائر عنقودية.

وأعلن الجيش الأوكراني في 14 يوليو/تموز، استلامه الذخائر العنقودية من الولايات المتحدة الأمريكية، رغم حظر هذا النوع من السلاح دولياً، وانتقاد الخطوة من منظمات حقوقية، وكذلك عدم تأييد القرار من شركاء لواشنطن، وبالخصوص الأوروبيين منهم.

فما المخاطر التي ستنجم عن حصول كييف على هذا النوع من السلاح؟ وما تأثير ذلك على موازين الحرب الدائرة ضدّ روسيا؟

تسليح جديد

تندرج الذخائر العنقودية ضمن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار، ما يرفع إجمالي المساعدات العسكرية التي قدّمتها واشنطن لكييف منذ بدء التدخل العسكري الروسي إلى أكثر من 41 مليار دولار.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث في الدراسات الإستراتيجية والجيوسياسية الدكتور نبيل كحلوش في حديثه مع TRT عربي، إنّ الخطوة الأمريكية دليل على أنّ "الغرب يحاول تخويف روسيا عبر استعمال القنابل العنقودية نوعاً من أنواع التصعيد".

لكن في الحقيقة هذه الخطوة "لا تعبّر سوى عن انهزام نفسي من طرف الغرب وتصريح واضح بعدم قدرته على إيجاد حلول ضد روسيا"، وفق كحلوش.

ويضيف كحلوش أنّه "بعد انتصار الروس في معركة باخموت وإعلان سيطرتهم على إقليم دونباس وباقي المناطق الشرقية وجنوب الشرقية، أصبح الهدف كييف، وإسقاط العاصمة يؤدي إلى اضطراب في الدولة"، معتقداً أنّ "الإتيان بقنابل عنقودية لساحة المعركة يعني أنّ الخصم في حالة انهزام نفسي وذهني".

ويُرجع مدير مركز "جي اس ام" للأبحاث والدراسات، الدكتور آصف ملحم الخطوة الأمريكية إلى سببين، الأول مباشر يتمثل في "نقص الذخائر المدفعية التقليدية في مخازن دول الناتو.

أما السبب الثاني فغير مباشر، حسب قول ملحم، ويُترجم في العمل على "مزيد من الاستفزازات ضد روسيا ودفعها إلى ارتكاب حماقة ما، وبالتالي تشويه سمعتها أمام الرأي العام العالمي".

ويوضّح ملحم في حديثه مع TRT عربي، بأنّ "الحرب تحولت إلى شكل من أشكال الابتزاز والمقامرة، وبهذا الأسلوب تحاول واشنطن تسجيل مزيد من النقاط السياسية في المرمى الروسي، وفي النهاية محاولة فرض شروط سياسية معيّنة في المفاوضات التي قد تحدث في المستقبل".

وعن الذخائر، يقول ملحم إنّه "جرى التركيز على نوعين من الذخائر المدفعيّة العنقوديّة من عيار 105 ملم وعيار 155 ملم، فخلال سنة زُودت كييف بنحو 280 ألف قذيفة مدفعية تقليدية، وفي مستودعات البنتاغون نحو 3 مليون قذيفة عنقودية، لم تُستخدم، يعود تاريخ صناعتها إلى الثمانينات والتسعينات".

ومن ناحيته يرى أستاذ العلوم السياسية والإستراتيجية الدكتور عصام الملكاوي أنّ "القرار الأمريكي جاء جراء فشل أوكرانيا في هجومها المضاد، إذ لم تستطع إعادة السيطرة على كثير من المناطق التي فقدتها، إضافة إلى أنّ واشنطن تعتقد أنّ هذا النوع من القنابل سيربك القوات الروسية في أوكرانيا ويجعل تقدمها في الأراضي الأوكرانية محفوفاً بالمخاطر".

ويتابع الدكتور الملكاوي قائلا لـTRT عربي: "ربّما يكون الهدف هو عملية تصعيدية من واشنطن ضدّ روسيا، وإرسال رسالة مفادها رفع الحظر عن الأسلحة والذخائر المحرّمة دولياً والقادم ربّما يكون أخطر".

ذخائر محظورة

وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّ أنواع الذخائر العنقوديّة حُظرت بموجب المعاهدة التي جرى تبنّيها في 30 مايو/أيار 2008 بدبلن، وانضمَّت إليها 111 دولة ليست منها الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا، إذ لا يزال هذا السلاح غير محظور في الأجندة العسكرية لهذه البلاد.

ويلفت ملحم إلى نوعَين من الذخائر العنقودية، أحدهما موجه ضد الأفراد والآخر يستهدف المدرعات.

ويمضي موضّحاً أنّ "القنبلة المدفعية العنقودية من عيار 155 ملم هي عبارة عن حاوية فيها 88 قنبلة صغيرة، عند انفجارها في الهواء تنتشر هذه القنابل الصغيرة على مساحة تصل إلى 30 ألف متر مربع، وهي تساوي مساحة 3-4 ملاعب كرة قدم تقريباً، كما أنّ نصف قطر تأثير كل قنبلة صغيرة 10 أمتار، وبالتالي ستؤدي إلى إصابة أعداد كبيرة من الجنود في أماكن انتشارها".

ويتابع: "أمّا القنابل العنقودية الموجّهة ضد المدرّعات فستسقط من الأعلى، أي على الجزء الأضعف في المدرّعات؛ فهذه القنابل قادرة على اختراق دروع سمكها نحو 10 سم".

ويبيّن ملحم أهمّ مخاطر القنابل العنقودية قائلاً: "نسبة كبيرة منها قد ترتطم بالأرض ولا تنفجر، لذلك تتحوّل إلى ما يشبه حقول الألغام، وبخاصة في المناطق المدنية".

ويذكر أنّه "عند تصميم القذيفة عيار 155ملم من نوع M864 الأمريكية الصنع كانت نسبة القذائف غير المنفجرة نحو 14%، وجرت محاولات عديدة لتخفيض هذه النسبة إلى 3%، إلّا أنّ هذه المحاولات توقّفت، وتوقّف استخدامها في الجيش الأمريكي منذ عام 2016".

ويلفت ملحم إلى أنّ دولاً مثل فيتنام ولاوس وكمبوديا، لا تزال تعاني حتى اليوم من القنابل العنقودية غير المنفجرة التي استخدمتها واشنطن في حروبها هناك بين عامي 1964-1975.

أما الملكاوي فيوضّح أنّ "حصول أوكرانيا على القذائف العنقودية مفاده أنّ مصطلح حرمة الاستخدام قد سقط، وبالتالي ستستخدم كلّ الدول التي تحتاج إلى الدفاع عن نفسها أو تحقيق نصر سريع لها هذا النوع من القنابل، ولن تكون جريمة حرب أو محاكمة جنائية لأنّ أمريكا والناتو أقرّوا استخدامها".

ردّ روسي

وفي سياق الردّ الروسي على الخطوة الأمريكيّة حذّرت موسكو من مغبّة تزويد واشنطن كييف بالأسلحة العنقوديّة وغيرها.

وصرّح وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو بأنّه "إذا زوّدت الولايات المتحدة أوكرانيا بذخائر عنقودية، فستضطر القوات المسلحة الروسية إلى استخدام أسلحة مماثلة ضد القوات الأوكرانية، رد فعل"، مؤكداً أنّ "الذخائر العنقودية الروسية تتفوق على نظيراتها الأمريكية".

ولا يعتقد ملحم أنّ "روسيا ستستخدم هذه القنابل على خطوط الاشتباك بين القوات، فاستخدامها في هذه الأمكنة سيحولها إلى حقول ألغام أمام القوات الروسية نفسها، وسيجعل تقدمها صعباً في تلك الأماكن، لأنّ نسبة كبيرة من هذه القنابل لا تنفجر عند ارتطامها بالأرض".

ويضيف قائلاً: "فيما يتعلق بمخازن الأسلحة وأماكن تجّمع العتاد والقوات الأوكرانية، فإنّ روسيا تقصفها بالأسلحة والصواريخ، وهي لا تخفي ولا تنكر ذلك، وقصفها بالقنابل العنقودية عديم المعنى".

من جهته يرى الملكاوي أنّ "تأثير هذا النوع من القنابل في موازين الحرب مع روسيا لن يكون كبيراً، لأنّ ردّة الفعل الروسية ستكون مباشرة ومن نفس النوع".

موضحاً أنّ "الخطر من القنابل العمياء أو القنابل الفاشلة سيكون تأثيره في الأوكرانيين أكبر لأنّهم أصحاب الأرض وعودة المهجّرين إلى بيوتهم وأراضيهم سيكون كارثياً عليهم".

عدم تأثير

ورغم أنّ القرار الأمريكي المتعلّق بتزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية لقي رفضاً من مختلف الأطراف، لكنّ هذا الرفض لم يغيّر شيئاً. حسبما قاله ملحم.

وينوّه ملحم إلى أنّ "تاريخ التكتل الغربي يؤكّد أنّه بالرغم من بروز الخلافات بينهم حول بعض القضايا فإنّهم يتمكنون دائماً من إيجاد صيغ ترضي الجميع، والكفّة دائماً تميل لصالح واشنطن، فهي دماغ الناتو وعضلاته".

ويستدرك: "كما أنّ موضوع تزويد كييف بالقنابل العنقودية كان قراراً منفرداً لكل دولة، وليس قراراً مشتركاً في الناتو، لذلك فإنّ هذا التكتل المساند لكييف لن يتأثّر على الإطلاق".

وبدوره، أوضح الدكتور الملكاوي أنّ حصول كييف على الذخائر العنقودية دليل على أنّ "التكتل الغربي المساند لأمريكا والمعارض لاستخدام هذه الذخائر لم ينجح في جعل واشنطن تتراجع عن قرارها".

ويؤكّد هذا الموقف ما صدر عن الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي أوضح أنّه بالرغم من أنّ موقف بلاده يبقى "ضدّ الذخائر العنقودية"، لا يمكنه "منع الولايات المتحدة" عن المضيّ في مسعاها.

وكان القرار الأمريكي واجه أيضاً رفضاً من المنظمات الحقوقيّة، إذ حثت هيومن رايتس ووتش الولايات المتحدة على عدم تقديمها الذخائر العنقودية لأوكرانيا، مشيرة إلى أنّ كييف وموسكو استخدمتا بالفعل هذا السلاح مما أسفر عن مقتل مدنيين أوكرانيين.

ويبيّن الملكاوي أنّ التنديد الحقوقي لم يثنِ واشنطن عن تنفيذ قرارها، بالنظر إلى أنّ "دور المنظمات الحقوقية إعلاميّ صوريّ لا يرقى إلى القدرة على المنع، وهو فقط شجب وتنديد وأقوال دون أفعال، كما أنّ معظم هذه المنظّمات مرتبطة بطريقة أو أخرى بقوى دوليّة هي من تقرّر وتفعل لذلك موقف هذه المنظمات مجرد زوبعة في فنجان".

ويلفت إلى أنّ "التزويد جرى والقذائف وصلت إلى أوكرانيا ولا يوجد من يوقف شغف واشنطن برؤيتها موسكو وهي تُهزم أمامها في أوكرانيا، لذلك لا يوجد من يوقف هذا التزويد".

TRT عربي