لا تنفكّ إسرائيل عن وضع خطط واستراتيجيات لتشديد الخناق على قطاع غزة بالتوازي مع حربها غير المسبوقة، وكان آخرها إجراء مناقشات حول نقل وتغيير مكان معبر رفح، وسط ترحيب أمريكي، وفق وسائل إعلام عبرية.
ومطلع فبراير/شباط الجاري، نقل موقع "واي نت" العبري عن مسؤول إسرائيلي كبير، أن المباحثات مع القاهرة وواشنطن تهدف إلى نقل معبر رفح بين قطاع غزة ومصر إلى مثلث الحدود ليصبح معبر كرم أبو سالم البديل، مشيراً إلى أنه في حال خرج الاقتراح إلى النور فإنه سيحتاج إلى مبلغ كبير.
بدورها ذكرت القناة "13" الإسرائيلية أن الخطوة تهدف إلى "عدم السماح للقاهرة بالتدخل في إدارة المعبر، وعدم الدخول في صراع حول هذه القضية"، إضافةً إلى الحرص على أن يكون المعبر على الحدود مع إسرائيل، لإجراء فحوصات أمنية.
وفي خطوة تبدو لتحييد معبر رفح، يعتزم الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ خطة تجريبية شمال القطاع تشمل إدخال مساعدات إنسانية عبر معبري بيت حانون "إيرز" والمنطار "كارني"، وليس من جهة رفح، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
رفض مصري-فلسطيني
ونقلت قناة "القاهرة الإخبارية" عن مصدر مصري مسؤول، نفيه وجود خطة تدرسها تل أبيب لنقل معبر رفح إلى المثلث الحدودي بمنطقة كرم أبو سالم، أو وجود محادثات مع مصر بهذا الشأن.
وأعلنت مصر في أكثر من مناسبة رفضها أي تحرك إسرائيلي باتجاه احتلال محور صلاح الدين (محور فيلادلفيا) في قطاع غزة بزعم محاربة عمليات التهريب، مؤكدةً أنه سيؤدي إلى تهديد خطير وجدّي للعلاقات المصرية-الإسرائيلية.
ومطلع هذا الشهر، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن تل أبيب والقاهرة تقتربان من التوصل إلى تفاهمات بشأن مدينة رفح ومحور فيلادلفيا بعد حوار متواصل على المستويات الأمنية، لكنّ قناة "الشرق" السعودية نقلت عن مصدر مصري، قوله إن القاهرة أبلغت تل أبيب مراراً رفضها التام مناقشة أي أمور تنتهك الاتفاقيات الموقعة في السابق بشأن محور فيلادلفيا.
وأواخر يناير/كانون الثاني الماضي، ردّ رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان، على ما وصفها بمزاعم وادعاءات باطلة أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها، إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية بعدة طرق من بينها أنفاق موجودة بين جانبي الحدود.
وذهب المسؤول المصري إلى أبعد من ذلك، وطالب الحكومة الإسرائيلية بإجراء تحقيقات داخل جيشها وأجهزة دولتها وقطاعات مجتمعها لـ"البحث عن المتورطين الحقيقيين في تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة".
وتبع الرفض المصري رفض رسمي فلسطيني جاء على لسان رئيس الوزراء محمد أشتية، إذ قال إن "معبر رفح هو بوابة الحدود الفلسطينية-المصرية، وهي شأن مصري-فلسطيني".
وأضاف أشتية، حسب بيان صادر عن مكتبه: "لدينا اتفاق مع الشرطة الأوروبية منذ 2005 لإدارة المعبر، حتى وإنْ استبدلته إسرائيل سيبقى شأناً مصرياً-فلسطينياً، وسوف نعيد فتحه إنْ أغلقته إسرائيل".
سيطرة وتشديد خناق
ويقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، إن الرغبة الإسرائيلية تعكس حاجةً وتوجهاً إسرائيلياً؛ لكي يكون معبر رفح سواء الخاص بالأفراد والمسؤولين أو بالبضائع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة بنقله إلى المنطقة المحاذية لكرم أبو سالم.
ويوضح شديد في حديثه مع TRT عربي، أنه في هذه الحالة "سيكون المعبر خاضعاً لإسرائيل وستتحكم بالحركة في كلا الاتجاهين، وستمنع مَن تريد وتعتقل مَن تريد"، معتقداً أنه يمكن لتل أبيب الإقدام على هكذا خطوة وتحويلها واقعاً في حال نيلها رضاً أمريكياً.
ويلفت إلى أن السلطة الفلسطينية مع الحكومة المصرية تستطيعان رفض القرار وعدم التعامل معه، وتأكيدهما أن معبر رفح باقٍ في مكانه، مضيفاً: "إذا حاولت إسرائيل احتلال المعبر بما فيه المنطقة المصرية-الفلسطينية سيكون وقتها اعتداءً على السيادة والأمن القومي المصري".
ويوضح شديد أن الموضوع يتمثل برغبة إسرائيلية في إحكام السيطرة لمنع ما يسمى "تهريب الأسلحة والأموال والنشطاء بالاتجاهين"، مؤكداً أن طريقة مواجهته بقرار فلسطيني من السلطة يشمل حركتي حماس والجهاد الإسلامي مع الحكومة المصرية.
"منع أي حدود مع العرب"
ويتفق الكاتب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية نهاد أبو غوش، مع الرأي القائل إن توجه إسرائيل لإلغاء معبر رفح أو دمجه مع كرم أبو سالم، يندرج في إطار محاولة تشديد الخناق على قطاع غزة وعدم ترك أي منفذ إلى العالم الخارجي، وكذلك عدم إبقاء أي حدود بين الفلسطينيين والعرب سواء مع مصر أو الأردن.
ويوضح أبو غوش في حديثه لـTRT عربي، أن الخطة الإسرائيلية المرتبطة بتشديد الخناق تهدف لحسم الصراع بهذه الطريقة، لافتاً إلى الرفض المصري لما أوردته الصحافة الإسرائيلية، وتأكيد القاهرة أن معظم الأسلحة في غزة مصدرها مستودعات الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى تهريب الأسلحة عن طريق البحر.
ويؤكد أن اتفاقية عام 2005 بشأن معبر رفح عُدّت امتداداً لاتفاقية كامب ديفيد، "وفي حال أرادت إسرائيل السيطرة على معبر رفح بالقوة النارية بقصف كل ما يدخل فإنها سوف تصطدم بالسيادة المصرية على الجهة الثانية من المعبر".
ويصف أبو غوش الخطة الإسرائيلية بالعدوانية على الشعب الفلسطيني ومصر والاتفاقيات الدولية، إذ إن "الصمود الفلسطيني في قطاع غزة، ومقاومته، ووحدة كل القوى الفلسطينية، وحملات المناصرة الدولية للمقاومة، هي ما يمكن أن تواجهها وتحبطها".
ويتابع: هذه الخطة لا تنفصل عن مخططات إعادة احتلال أجزاء من قطاع غزة ومطالبة قوى اليمين المتطرف بإعادة الاستيطان فيه، وتجريد المقاومة من سلاحها وإعطاء إسرائيل الحق لنفسها بالتدخل متى شاءت.
ويضيف أبو غوش أن خطة نقل معبر رفح تأتي أيضاً في سياق حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وفرض حل تسووي يُنهي القضية الفلسطينية ويصفي وكالة "أونروا" وقضية اللاجئين، ويدفع إلى تهويد القدس.
اتفاقية 2005
ووقَّعت السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 "اتفاقية المعابر" أو "اتفاقية حركة التنقل والوصول"، التي حدّدت آلية لتشغيل معبر رفح بين الجانبين المصري والفلسطيني، على أن يكون الاتحاد الأوروبي -ممثلاً في بعثة حدودية- طرفاً ثالثاً يُشرف على تطبيق والالتزام بالقواعد والآليات المعمول بها في الاتفاق.
وجاءت الاتفاقية بعد أقل من 3 أشهر على الانسحاب الأحادي الإسرائيلي من القطاع، الذي أخلت تل أبيب بموجبه مستوطنات ومعسكرات الجيش.
ووفقاً للاتفاق، تكون مصر مسؤولة عن إدارة الجانب المصري، والسلطة الفلسطينية عن إدارة الجانب الفلسطيني، على أن يراقب الاتحاد الأوروبي التزام الطرف الفلسطيني تنفيذ الاتفاق، بصفته ضامناً أمام الإسرائيليين.
وبدأت العمليات التشغيلية للمهمة في معبر رفح في الـ24 من الشهر ذاته، فيما توقف العمل في الاتفاق، وانسحب الاتحاد الأوروبي من المعبر، في يونيو/حزيران 2007، عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وخروج السلطة الفلسطينية منه.
وفي 28 مايو/أيار 2011 أُعيد فتح المعبر من الجهة المصرية، وبات يعمل خارج نطاق الاتفاق، ولم يَطلب أيٌّ من الأطراف من الاتحاد الأوروبي إعادة الانتشار رسمياً، وفقاً للموقع الرسمي للمهمة.