أعلن كل من كوسوفو وإسرائيل اتفاقهما على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وغدا من المقرر أن تفتتح الدولة البلقانية ذات الأغلبية المسلمة، إلى جانب صربيا، سفارة لها في القدس.
إذ إنه مع اضطلاع الرئيس الأمريكي دونالد تامب بدور الوسيط بين إسرائيل وعدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، لا سيما الدول العربية، أخذت إسرائيل تمضي بسرعة في تحقيق هدفها المتمثل في تطبيع العلاقات مع الدول التي لطالما رفضت الاعتراف بها لعقود، متجاهلة تطلعات الفلسطينيين وحقوقهم وضاربة بها عرض الحائط.
ومع تحول كوسوفو إلى دولة أخرى في ركب الملتحقين بدولة الإمارات، بعد إعلان الدولة الخليجية مؤخراً إقامة روابط رسمية مع تل أبيب، وافقت بريشتينا أيضاً على فتح سفارة للبلاد في القدس، وهي خطوة تنطوي على دعم لقرار إسرائيل أحادي الجانب بإعلان القدس عاصمة للدولة العبرية.
وفي هذا السياق، كتب رئيس كوسوفو هاشم ثاتشي تغريدة يوم السبت، يقول فيها: "أرحب بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي [بنيامين] نتنياهو عن نيته الصادقة حيال الاعتراف بكوسوفو وإقامة علاقات دبلوماسية معها. وكوسوفو، من جانبها، ستوفي بوعدها بنقل بعثتها الدبلوماسية إلى القدس".
إذا حدث ذلك بالفعل، فستكون كوسوفو أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، على الرغم من أن القرار في الأصل يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي.
مواطنو كوسوفو ليسوا راضين عن الأمر
في حديثٍ أجراه معه موقع TRT، قال السياسي الكوسوفي إرتان سيميتشي إن هذه الخطة ينبغي النظر إليها في ضوء حاجة كوسوفو إلى اعتراف أكبر عدد ممكن من الدول بها، لأنها دولة فتيّة بدرجة كبيرة تأسست عام 2008.
ومع ذلك، يقول سيميتشي إن "مسؤولي كوسوفو الذين ذهبوا إلى واشنطن لعقد اتفاقيات ثنائية مع صربيا، في انتظار الحصول على اعتراف بهم منها، قنعوا بالاعتراف بإسرائيل وتوقيع اتفاقية تطبيع اقتصادي مع صربيا"، ومن ثم، "فإن الفائز بحق من هذا الاتفاق هو إسرائيل".
اقرأ أيضاً:
وأضاف سيميتشي: "حقيقة أن نص الاتفاق الذي من المفترض أن يتناول تطبيع علاقات اقتصادية أصبح يتوقف على إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة أخرى والاعتراف المتبادل بها لم يفلت من انتباه الجمهور، بل أصبح بؤرة النقد الأساسية فيما يتعلق بالاتفاق".
ووصف سيميتشي قرار حكومة كوسوفو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بأنه "وضع محزن ومثير للتساؤل"، منتقداً القادة المسؤولين عن ذلك، واصفاً الأمر بأنه "ظالم وغير أخلاقي".
كما أشار سيميتشي إلى أنه مع سقوط الحكومة التي كانت تقودها حركة "تقرير المصير" في أواخر مايو/أيار، وتولِّي حزب "رابطة كوسوفو الديمقراطية" المنتمي إلى يمين الوسط من دون انتخابات، بات التوزيع الحالي غير انتخابي ولا يعكس إرادة الشعب الكوسوفي.
ولذلك، يقول سيميتشي إن قراراً مندفعاً مثل الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها هو أمر لا يتماشى مع ما تشعر به الأغلبية في كوسوفو تجاه القضية الفلسطينية".
وقال: "في الوقت الذي لا تزال فيه شرعية الحكومة الحالية موضعَ مناقشةٍ اليوم، يمكن القول إن القرارات المتخذة حتى الآن مقلقة"، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة لتشكيل حكومة تحظى بأغلبية.
وأوضح سيميتشي أن شعب كوسوفو يدرك جيداً الفظائع التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، لأنهم هم أنفسهم تعرضوا للتشويه والاضطهاد على أيدي الصرب، وبطرق مماثلة.
وبصرف النظر عن بذل الجهود للحصول على الاعتراف الدولي بدولة كوسوفو المستقلة، قال سيميتشي إن بلاده يتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار الدول الأخرى "الصديقة والشقيقة" مثل تركيا، التي حثّت بريشتينا على الامتناع عن تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
ولفت سيميتشي إلى أنه يبذل جهوداً لتوحيد الناخبين من أصل تركي في إطار برنامج سياسي جديد، بحيث يمثل تطلعاتهم وآراءهم في عملية صنع القرار.
من جهة أخرى، يقول أحد سكان بريشتينا طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن قرار الحكومة الائتلافية الحالية جاء تحت ضغط من الولايات المتحدة، إذ تريد واشنطن منهم التوقف عن التعامل ببرود مع إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية حميمة معها.
وقال صاحب متجر من مدينة بريزرن في كوسوفو، إن "الألبان والأتراك غير مرتاحين" لهذا الاتفاق.
اقرأ أيضاً:
ولما كان الاتفاق الذي عُقد توسطت فيه الولايات المتحدة ووُقع عليه من دون موافقة البرلمان في كوسوفو، فيقول صاحب المتجر من كوسوفو إنه لا يعتقد أن الاتفاق كان سيُمرر لو كانت المسألة عُرضت على البرلمان.
من الجدير بالذكر أن الخلاف حول وضع القدس ومكانتها هي إحدى أكثر العقبات الشائكة أمام تحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بالنظر إلى أن الطرف الفلسطيني يريد، ولديه دعم دولي واسع النطاق بخصوص ذلك، أن تكون القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، عاصمةً للدولة الفلسطينية.
في المقابل، تعتبر إسرائيل المدينة بأكملها، ومنها القسم الشرقي الذي احتلته بعد حرب 1967، مدينة رئيسية تابعة لها.
يقول كثير من الكوسوفيين إن الحكومة الحالية قد تُزاح في المستقبل القريب، وإن قرارها بتطبيع العلاقات مع تل أبيب قد يصبح أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس إلى طرد مسؤوليها من السلطة.
وفي الختام، قال المواطن الكوسوفي مُظهراً دعمه، إن "شعب كوسوفو يدعم الشعب الفلسطيني منذ كانت كوسوفو جزءاً من يوغوسلافيا".