تقف خيمة مريم المؤقّتة والمكتظّة، والمصنوعة من الغطاء المُشمَّع، على منحدر تلٍّ كبير بمخيم اللاجئين الجنوبي ببنغلاديش، ولها إطلالة واضحة على الضوء القرمزي للشّمس الغاربة. ويمكن لأي زائر خلال وقت الإفطار الاستمتاع بالجمال الطبيعي الذي يلُفّ مريم بسلام. وتسري الرواية ذاتها على غالبية خيام الروهينغيا في أكبر مخيمٍ للاجئين في العالم الذي يستضيفه موقع جبلي بالدولة الواقعة على دلتا نهر الغانج جنوبي آسيا.
لكن الروهينغيا المُضطهَدين في بنغلاديش ليسوا مفتونين على الإطلاق بهذا الجمال الطبيعي. فهم منشغلون بمصاعب الحياة في خيام مزدحمة وذكريات الماضي الخانقة لِمَا تعرضوا له من عمليات قتل وحرق عمد واغتصاب وتعذيب لا إنساني.
ومع ذلك، دائماً ما يكون شهر رمضان المبارك مختلفاً عندهم، لأنهم يشعرون بالحنين لذكريات الماضي الجميلة عن موطنهم، ولاية راخين في غرب ميانمار، حيث كانوا يؤدّون الشعائر الدينية بفرح كبير. وعلى الرغم من أنَّ الروهينغيا اضطروا لعيش حياة مليئة بالتوتر في راخين منذ إصدار المجلس العسكري قانون المواطنة لعام 1982 المثير للجدل، حاولوا جعل الحياة سعيدة من خلال مشاركة مشاعر رمضان مع بعضهم البعض.
وبعد الفرار من القمع اللا إنساني قبل ثلاث سنوات، عاش الروهينغيا في مخيمات بنغلاديش تاركين وراءهم العديد من أحبائهم وأقاربهم وجيرانهم في راخين الذين قُتلوا بوحشية على يد جيش البلاد "تاتماداو".
وتقول مريم: "عَمِلَ زوجي ووالد زوجي مزارعين، وكان لديهما ما يكفي من الأراضي الصالحة للزراعة. وعَشِنا حياة رغيدة. لكن الجيش البورمي (ميانمار) قتل والد زوجي مثل صيّاد يطلق النار على طائر وأحرق منزلنا. بعد رحلة مؤلمة دامت أسبوعاً عبر الغابات والمياه، وصلتُ مع زوجي وطفليّ الاثنين إلى بنغلاديش. الآن أنا أمٌ لأربعة أطفال، ونحن ستة من أفراد الأسرة نكافح من أجل البقاء في خيمة صغيرة".
وبينما كانت مريم ترتّب بعض أغراض الإفطار لأفراد الأسرة الجالسين على الأرض، وصفت شهر رمضان المبارك في مخيمات بنغلاديش بأنه يُحرّك فيهم الحنين إلى الماضي، قائلة: "في معظم أيام رمضان، اعتاد زوجي ووالد زوجي على العودة إلى المنزل قبل الإفطار مُحمَّليْن بالأطعمة اللذيذة المختلفة من السوق القريب. واعتدنا تناول الإفطار مع الجيران والأقارب، الذين قُتِل العديد منهم على يد قوات ميانمار. صيام رمضان في بنغلاديش هو مجرد التزام ديني بالنسبة لنا بدون احتفال".
أحلام الاحتفال برمضان مرة أخرى في الوطن الأم
برغم أكوام المِحن، لا يزالالروهينغيايحلمون بالعودة إلى وطنهم ميانمار والتّمتع بحقوقهم وكرامتهم، والاحتفال بشهر رمضان المبارك هناك.
وقالت دولو بيبي، المرأة المسنة من الروهينغيا البالغة من العمر 65 عاماً، إنها دفنت زوجها في بنغلاديش وتركت وصيّتها بأخذها إلى مثواها الأخير بجانب قبر زوجها. ولجأت دولو أيضاً إلى بنغلاديش أثناء نزوح الروهينغيا الجماعي في أغسطس/آب 2017. وتُوفِي زوجها المُسِن بعد أيام من وصوله إلى بنغلاديش، فلم يقوَ على تحمّل المصاعب في الوطن والرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى البلد المجاور.
ودولو أمٌ لستة أطفال، تعتقد أنَّ أطفالها سيعودون يوماً ما إلى أرض والدهم وسيعيشون حياة أفضل هناك. وقالت: "إن شاء الله في المستقبل القريب سيحتفل أطفالي بشهر رمضان في ميانمار بصفتهم مواطنين مستقلين في البلاد".
بعد سنِّ قانون الجنسية لعام 1982، تعاملت سلطات ميانمار مع أقلية مسلمي الروهينغيا على أنهم سكان غير شرعيين أو بنغاليين دُخلاء، على الرغم من تاريخ أسلافهم الممتد منذ مئات السنين وماضيهم الذهبي في أراكان (ولاية راخين الحالية). ولإبادة الأقلية المسلمة، شنّ جيش ميانمار العديد من العمليات الوحشية طوال سنوات عديدة، وكانت آخر التحركات القمعية هي الحملة العسكرية في أغسطس/آب 2017.
ووفقاً لدراسة بعنوان "الهجرة القسرية للروهينغيا: تجربة تعجز الكلمات عن وصفها" التي أجراها اتحادٌ مِن الباحثين والمنظمات من أستراليا وبنغلاديش وكندا والنرويج والفلبين، خلال حملة جيش ميانمار والبوذيين المتطرفين القمعية في أغسطس/آب 2017، التي قتلوا خلالها أكثر من 24000 منالروهينغيا، وتعرّضت 18000 امرأة وفتاة من الروهينغيا للاغتصاب. علاوة على ذلك، أُصِيب 41192 من الروهينغيا بأعيرة نارية، وأُلقِي أكثر من 34436 منهم في النار، وتعرّض نحو 114872 للضرب على أيدي قوات ميانمار. ويُقدَّر عدد المنازل المحترقة بـ115 ألفاً و26 منزلاً، فيما تعرّض 113 ألفاً و282 منزلاً للتخريب.
وعلى الرغم من هذه المعاملة المريرة في وطنهم، يحاول شعب الروهينغيا المُضطهَد نسيان كل شيء ويحلمون بالعودة إلى وطنهم. ووقفت دولو تتحدث بوجه مبتسم مع أحفادها أمام خيمتها وتخبرهم عن ماضيهم الجميل.
من جانبه، قال سليمان الله، شاب من الروهينغيا يبلغ من العمر 30 عاماً، وهو يحمل طفله في حضنه: "سنستشعر المذاق الحقيقي لرمضان والعيد عندما نعود إلى الوطن الأم". وتساءل محمد إسماعيل، وهو شاب آخر مُتعلّم من الروهينغيا في الـ25 من عمره، ويقيم في مخيم بنغلادش: "كيف يمكنني مقارنة أيام رمضان الجميلة في بلدي بتلك الموجودة في المخيمات الضيّقة في بنغلاديش وأنا غريب لا أحمل حتى صفة لاجئ؟".
ويتناقل شعب الروهينغيا الآن هذا الحلم من جيل لآخر، وسيتحقق عندما يعودون إلى ديارهم ويؤدون الصّيام ويحتفلون بعيدي الفطر والأضحى، أهم الأعياد الدينية للمسلمين، في وطنهم في مناخ من الأمن والحقوق والكرامة.