تابعنا
في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2020 الجاري، نقلت سلطات بنغلاديش 1642 لاجئاً روهينغياً إلى جزيرة "بهاسان شار" النائية في خليج البنغال على بعد نحو 50 كيلومتراً من الساحل الجنوبي الغربي، وتستهدف ترحيل 100 ألف منهم إلى هذه الجزيرة.

أن يضيق بك الجحيم، وتستكثر عليك الحياة مجرد الاتكاء على جدار خيمة هشة قرب وطنك، بلغتها بشق الأنفس بعد فرار من الموت إلى شبه حياة، في رحلة قطعتها وهناً على وهن في سكة الهروب من وطن لم يسمح لك حتى أن تحمل اسمه فنزع عنك المواطنة، هذا هو حال المسلمين الروهينغيا الفارين من ميانمار إلى بنغلاديش، لكن على ما يبدو ليست ها هنا نهاية الرحلة، فالمعاناة تنتظر من ورائها معاناة أكبر، بعد أن قررت بنغلاديش نقلهم إلى جزيرة نائية بخليج البنغال في تغريبة يخشون أن تكون بلا عودة.

ففي الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2020 الجاري، نقلت سلطات بنغلاديش 1642 لاجئاً روهينغياً إلى جزيرة "بهاسان شار" النائية في خليج البنغال على بعد نحو 50 كيلومتراً من الساحل الجنوبي الغربي، وتستهدف ترحيل 100 ألف منهم إلى هذه الجزيرة، رغم الانتقادات الحقوقية والدولية، إذ إن الجزيرة معرضة لمخاطر الأعاصير والفيضانات، في حين تقول "دكا" إنها أنفقت 272 مليون دولار على الجزيرة، وأنشأت بها 120 مخيماً فضلاً عن بناء سور حديدي لصد المياه.

مالديف بنغلاديش.. تغريبة بلا عودة

يقول د.توها بهويان وهو كبير منسقي الصحة في مفوضية إغاثة اللاجئين والعودة إلى الوطن (RRRC) وهي منظمة حكومية بنغالية، لـTRT عربي: "نحن لا نتسبب في إيذاء أحد، جزيرة "بهاسان شار" مكان ممتاز للعيش، مثل جزر المالديف، والوضع الإنساني فيها جيد، فقط نحتاج إلى الدعم بكل أنواعه من كل الأطراف الدولية وحتى دول الجوار كالهند والصين، فبنغلاديش بلد فقير وعدد سكانه كبير، وهذا العدد الكبير من اللاجئين (أكثر من 1.1 مليون روهينغي) يمثل عبئاً كبيراً علينا، وعلى الرغم من هذا فنحن نقدم كل أنواع الدعم للروهينغيا الذين تدفقوا على بنغلاديش خاصة بعد أحداث 2017".

في حين لا يتفق عزيز عبد المجيد، رئيس المركز الروهينغي لحقوق الإنسان ومقره سويسرا، مع هذا الطرح، فيرى في تصريح لـTRT عربي، أنه من غير المنطقي نقل الروهينغيا للعيش في مكان غير مؤهل من الأساس، فهي مجرد جزيرة طينية عائمة تكونت بفعل الطمي في خليج البنغال وظهرت قبل نحو 20 سنة، وهي عرضة للأعاصير والفيضانات، وليست مؤهلة للصمود، فالطين يمكن أن تجرفه المياه بمرور الوقت. والأمر الآخر الذي ينعكس بالسلب على اللاجئين هو عيشهم في مجرد جزيرة من بنايات حديدية، وبالتالي فليس هناك حرية في الحركة أو فرصة لنشاط يمكن أن يقوموا به، وهم في الأساس لم يتعافوا بعد من هول ما رأوه من قتل جماعي في أراكان وتهجير قسري من هناك.

أطفال الروهينغا (Reuters)

ويرى عبد المجيد أن نقل الروهينغيا إلى هذه الجزيرة بمنزلة تغريبة جديدة لا يُنتظر من ورائها عودة مرة أخرى إلى وطنهم في أراكان بدولة ميانمار، مشيراً إلى واقع الفلسطينيين الذين هجرتهم إسرائيل منذ عقود ولم يحصلوا بعد على حق العودة، "فهل ننتظر تكرار المأساة الفلسطينية للروهينغيا؟".

ليس قراراً حكيماً

من جانبها تقول رئيسة المجلس الروهينغي الأوروبي د.أمبيا برفين لـTRT عربي: "نقدر دور بنغلاديش وما تتحمله من أعباء إزاء الروهينغيا، لكن قرارها بنقل 100 ألف روهينغي إلى جزيرة "بهاسان شار" ليس قراراً حكيماً، فالجزيرة غير صالحة للسكن، ونحن قلقون فعلياً حيال هذه الخطوة، فمن غير المعقول أن يتم نقل المشردين إلى مزيد من العزلة في مكان ليس من السهل الوصول إليه وليس هناك حرية تنقل". وتساءلت: "ماذا يمكن أن يحدث إذا أصبح أحد اللاجئين في حاجة إلى مساعدة طبية طارئة في ظل الطقس السيئ في بنغلاديش، خاصة خلال موسم الرياح الموسمية؟".

وأضافت: "السلطات البنغالية تقول إن نقل اللاجئين يتم طواعية، لكن في حقيقة الأمر ما يتم هو خداع لهم، فقد أبلغوا من قبل مسؤولي المخيم بأن المدرجين على قوائم الانتقال للجزيرة يعني أن لهم الأولوية في العودة إلى وطنهم أراكان، كما تم منح بعضهم أموالاً تتراوح بين خمسة آلاف وثمانية آلاف "تاكا" للذهاب إلى الجزيرة، ووُعِد آخرون بالحصول على حصص غذائية أكثر. ممَّا يعني أن الخداع تم بواسطة تقديم رشى للضحايا أنفسهم، وفي وضع لا يملكون سوى الخضوع والتسليم".

يقضي على أمل العودة

بُعد آخر يشير إليه د.طاهر الأراكاني، ناشط روهينغي مقيم في بريطانيا، وهو ما يتعلق بدلالات نقل الروهينغيا إلى الجزيرة، إذ يرى أن أخطرها هو القضاء على أمل العودة إلى الوطن، وهذا في الأساس ما يستهدفه جيش ميانمار، كما أنها خطوة تعد تشجيعاً لميانمار على تهجير من تبقى من الروهينغيا داخل أراكان، ولا يستبعد وجود ضغط صيني لأجل توطين الروهينغيا في بنغلاديش، كمساندة من بكين لميانمار بحكم المصالح المشتركة بينهما، موضحاً أن المطلب الملح هو إعادة الروهينغيا إلى أراكان وليس ترحيلهم إلى عزلة أكبر.

وأشار الأراكاني في تصريح لـTRT عربي إلى أن بنغلاديش تسلمت دعماً كبيراً لبناء مخيمات وفق معايير دولية، وهي اليوم بحاجة إلى إثبات صرفها لمصلحة اللاجئين، وبالتالي كانت خطوة نقلهم إلى الجزيرة في ظل التكدس الملحوظ في مخيمات كوكس بازار، لكن بدلاً من هذه الأموال الضخمة التي أنفقت كان الأولى ببنغلاديش وبمساندة دولية الضغط على ميانمار لإعادة الروهينغيا إلى موطنهم في أراكان عوضاً عن تهجيرهم للمرة الثانية، وإلى جزيرة نائية مليئة بالمخاطر.

لمصلحة من؟

الصحفي البنغالي إم دي قمر الزمان يرى أن قرار نقل الروهينغيا إلى الجزيرة غير مدروس ويصب في مصلحة ميانمار، بل يدفع السلطات في ميانمار بقيادة "أونج سان سو كي" إلى مزيد من التباطؤ في عملية إعادة الروهينغيا إلى وطنهم، التي تعتبر مطلباً عاجلاً أكثر أهمية وحلاً فعلياً للأزمة.

يختتم قمر الزمان قوله لـTRT عربي: "إذا كان هناك تكدس في منطقة "كوكس بازار" بسبب وجود أكثر من 1.1 مليون روهينغي معرضين لأخطار كوارث طبيعية، فإن جزيرة "بهاسان شار" لا تقل خطورة فهي كذلك عرضة لمخاطر الأعاصير والفيضانات، لكن يبقى توفير الغذاء لهذا العدد المستهدف نقله إلى الجزيرة تحدياً كبيراً لبلد فقير مثل بنغلاديش، حيث لم توافق حتى الآن أي وكالة مساعدات دولية على الذهاب إلى الجزيرة وتقديم معونات".

من ناحية أخرى تقول سلطات بنغلاديش إن وجود أكثر من 1.1 مليون روهينغي في مخيمات كوكس بازار تسبب في وجود تكدس وضغط كبيرين على المناطق السياحية، وعبء على البنية التحتية غير المؤهلة، ومن هنا فهي تستهدف نقل 100 ألف منهم إلى الجزيرة تخفيفاً للضغط، وكإجراء مؤقت في ظل عدم وجود أي تقدم في إعادتهم إلى ميانمار.

لماذا يقتلونهم؟

يعيش هؤلاء الروهينغيا في مخيمات من البلاستيك والخيزران في مخيمات "كوكس بازار" جنوبي بنغلاديش، بعد تهجيرهم قسرياً من "أراكان" تحت ضغط العمليات العسكرية والقتل الجماعي على يد جيش ميانمار، كان آخرها ما حدث في 25 أغسطس/آب 2017 والذي تسبب في فرار نحو 740 ألف روهينغي.

أراكان هي موطن الروهينغيا المسلمين، احتلتها ميانمار "بورما سابقاً" عام 1784 وجعلتها إحدى ولاياتها، لكنها تمارس منذ عقود اضطهاداً ضد الروهينغيا بحجة أنهم مهاجرون غير شرعيين جاؤوا من بنغلاديش، حتى إنه تم تجريدهم من المواطنة بموجب قانون الجنسية الصادر سنة 1982، وتمارس ميانمار تغييراً ديموغرافياً في أراكان إذ إنها مع كل موجة تهجير قسري للروهينغيا تأتي بسكان بوذيين لتوطينهم محل الروهينغيا، كما أن رهباناً بوذيين يدعمون المذابح ضد الروهينغيا وتهجيرهم بحجة التخوف من أن تتحول ميانمار إلى بلد مسلم على غرار إندونيسيا أو ماليزيا.

وفي اعتقادي أن هذه الخطوة بنقل الروهينغيا تأتي ضمن سياق المعاناة طويلة الأمد لهؤلاء المسلمين ضحية المذابح المتكررة والتهجير القسري من أراكان منذ عام 1942، في ظل غياب موقف دولي ضاغط على ميانمار يوقف المعاناة أو على الأقل يحسن من واقع الشتات.


TRT عربي