العدوان على غزة / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

وتقدم وسائل إعلام الاحتلال رواية واحدة بأشكال مختلفة، إذ تصف هجوم حماس على جنوب إسرائيل بأنه أصل الأزمة الحالية، وتبث يومياً لقطات جديدة للغارات التي شنتها حماس على المستوطنات في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشهادات الجنود الميدانيين أو مقابلات مع المستوطنين الفارين.

كيف يتناول الإعلام الإسرائيلي حرب غزة؟

"لعبت التحولات في البث الإسرائيلي دوراً رئيسياً في تشكيل الخطاب القومي والعسكري في البلاد، والتي يمثل السابع من أكتوبر/تشرين الأول ذروتها"، وفق تقرير لمجلة "972+" الرقمية.

وتقول المجلة إنه مع تمدد أيام العنف الوحشي للاحتلال إلى أشهُر، عادت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنماط مألوفة من الدعاية مثل الالتفاف حول العلم، وتضخيم روايات الدولة، وتهميش أي تغطية نقدية لوحشية إسرائيل في غزة.

ونقل تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، عن مديري وسائل الإعلام والصحفيين ومحللي وسائل الإعلام إنه داخل دولة الاحتلال يمكن مشاهدة "حرب معينة" بينما يرى معظم بقية العالم حرباً مختلفة، ففي التلفزيون الإسرائيلي، لا توجد أي لقطات للضحايا الفلسطينيين.

كما أشار ما يقرب من ثلثي اليهود الإسرائيليين إلى أنهم شاهدوا القليل من صور الأضرار أو لم يشاهدوها على الإطلاق، وفقاً لمسح أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في أبريل/نيسان، حسب ما نقله التقرير.

وفي حديث للصحيفة قال شوكي توسيج، رئيس تحرير مجلة "العين السابعة" وهي مجلة استقصائية مستقلة متخصصة في مراقبة الإعلام: "إنك ترى كل شيء عن الحرب على التلفزيون الإسرائيلي باستثناء شعب غزة". مضيفاً: "في الوقت الحالي، لا تستطيع وسائل الإعلام الإسرائيلية التعامل مع واقع معقد.. إنهم يعلمون أن مشاهديهم لا يريدون حقاً رؤية صور لأعدائهم وهم يموتون.. لذلك لا يعرضونها".

بدورها قالت أيالا بانيفسكي، الأكاديمية الإسرائيلية المقيمة في لندن، لوول ستريت جورنال، إنه يوجد انقسام كبير بين ما تراه على شاشة التلفزيون في لندن وما يراه الأصدقاء والعائلة في إسرائيل. وأوضحت: "لم أر قط مثل هذا الاختلاف الكبير في المنظور من قبل".

ويشعر البعض أن وسائل الإعلام خائفة للغاية من معالجة الرأي العام من خلال إظهار بعض الضحايا الأبرياء أو الضغط على الحكومة الإسرائيلية بشأن إعاقتها للمساعدات الإنسانية، حسب ما أفادت به الصحيفة الأمريكية.

استغلال الإعلام في ترسيخ دور الضحية

لا يزال التلفزيون يلعب دوراً كبيراً في دولة الاحتلال، إذ تفيد التقارير بأن ثلاثة أرباع الإسرائيليين يقولون إنه مصدر رئيسي للمعلومات، واستغلاله هو قرار واعٍ من جانب المسؤولين.

وفي هذا الصدد تقول مجلة "972+" إن وسائل الإعلام، وبخاصة البرامج الإخبارية التلفزيونية، اتخذت خطوات نشطة لوضع نفسها في موقع تجسيد الوطنية الإسرائيلية، فهي تحدد ما يخدم المصلحة العامة، وترسم حدود الخطاب السياسي المشروع، وتقدم حقيقة معينة فقط للمواطنين الإسرائيليين، "وبهذا، تسير البرامج الإخبارية التلفزيونية باستمرار على خط رفيع بين الدعاية والصحافة".

ومنذ بداية الحرب، كانت قنوات الأخبار التلفزيونية في طليعة جهود الدعاية في إسرائيل، وتظهر عناصر الدعاية في كل قناة إخبارية تلفزيونية، فمثلاً منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول،جرى تعديل شعار كل قناة بحيث يتضمن العلم الإسرائيلي وشعار الحكومة (معاً سوف ننتصر)، وفق ما ذكره تقرير المجلة.

وتتابع المجلة أن جزءاً من هذه الدعاية أن تُصور جميع شبكات الأخبار الرئيسية إسرائيل باعتبارها "الضحية"، وأن هجمات حماس "أظهرت وحشية لا مثيل لها"، وأن هذه الضحية حالة حصرية، فهي لا تترك مجالاً يذكر لمعاناة الفلسطينيين في غزة، ولا لمستوى الأزمة الإنسانية التي يواجهونها. كما أن أي شخص يتحدى هذه الرواية يتعرض للاستهداف.

وتضرب المجلة مثالاً على ذلك عندما أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صراحة هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكنه قال إنه "لم يحدث من فراغ"، في إشارة إلى احتلال إسرائيل الذي دام 56 عاماً كسياق حاسم، فانقضّت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية.

تجنيد نتنياهو للإعلام في حرب الدعاية

تحول المشهد الإخباري في إسرائيل خلال العقدين الماضيين بشكل جذري، فمنذ تولي بنيامين نتنياهو منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى في أواخر تسعينيات القرن العشرين، كان منتقداً شرساً لوسائل الإعلام السائدة، ووصفها بأنها مصدر يساري متطرف وغير جدير بالثقة للمعلومات ووضع وسائل الإعلام كمنافس له، ووحد قاعدته تدريجياً في صراع شعبوي ضدها، وفق المجلة.

وتتابع المجلة أن نتنياهو أنشأ وسيلة إعلام مستقلة لنفسه ولآرائه تتجاوز وسائل الإعلام الرئيسية. وفي عام 2007، أقنع نتنياهو شيلدون أديلسون بتأسيس صحيفة إسرائيل اليوم اليومية المجانية، والتي أصبحت تدريجياً الصحيفة الأكثر قراءة في إسرائيل، وحتى وفاة أديلسون قبل بضع سنوات والتغييرات اللاحقة في هيئة التحرير، كانت الصحيفة متعاطفة بشكل مطلق مع نتنياهو.

وفي العقد الماضي، حاول نتنياهو إغلاق القناة العاشرة وسعى إلى تقويض هيمنة صحيفة يديعوت أحرونوت على وسائل الإعلام المطبوعة الإسرائيلية، كما حرص على إعادة تشكيل منظومة الأخبار التلفزيونية بسبب دورها المهم في التأثير على المشاعر العامة، حسب تقرير المجلة.

وتحت سيطرة حزبه الليكود، روجت وزارة الاتصالات للتغييرات التنظيمية التي سمحت للقناة 14 بتحويل نفسها من "قناة تراثية" (مرخصة لبث برامج عن اليهودية) إلى قناة إخبارية كاملة توفر ساعات من التغطية يومياً.

وتتابع المجلة أنه قبل بضعة أشهر فقط من السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أعلن وزير الاتصالات شلومو كارهي عن مشروع قانون لإصلاح المشهد الإعلامي، استناداً إلى رغبته في إغلاق هيئة البث العام الإسرائيلية وفرض السيطرة على قطاع الإعلام الخاص، وقد جرى كل هذا تحت شعارات "فتح السوق" و"إزالة الحواجز".

وتزامنت هذه التغييرات البنيوية مع تغير في تركيبة الصحفيين في إسرائيل فمع تزايد ميل المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين على مدى السنوات العشرين الماضية، وبخاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، تزايد أيضاً عدد الصحفيين من المتطرفين اليمينيين، وكثير منهم من المستوطنين.

السابع من أكتوبر فرصة جديدة لإعادة دور الضحية

يقول المراقب الإعلامي أورين بيرسيكو الكاتب في مجلة العين السابعة لمجلة 972+: "إن حق الفلسطينيين، هو موضوع محرم تماماً في الإعلام، سواء كان الأمر يتعلق بالنكبة، أو الاحتلال العسكري المستمر لملايين البشر".

ويتابع بأن وسائل الإعلام والمشاهدين متورطون من خلال الدخول في نوع من ميثاق الصمت: الجمهور لا يريد أن يعرف، وبالتالي لن تتحدث وسائل الإعلام عن الأمر. كانت هذه الآليات النفسية راسخة بالفعل لدرجة أنه عندما حدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اندفعت إلى العمل وازدادت قوة.

وختم حديثه مع المجلة قائلاً: "لكن الدعاية التي شاهدناها في الأخبار على مدى العام الماضي لا تعمل إلا على تبرير العنف الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، فهي توفر مبرراً لفعل أي شيء ضروري لإبادة أولئك الذين يجري تصويرهم باعتبارهم "شراً مطلقاً"، وفي نهاية المطاف، فإنها تغرس في الإسرائيليين شعوراً بالصلاح، وهو أمر تراه الحكومة ضروري في أثناء حرب طويلة بلا تاريخ نهاية واضح.

TRT عربي - وكالات