مخيم جباليا حيث مكث المسن صابر 3 أشهر وحيداً في ظل العملية العسكرية / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

الآثار المأساوية لأكثر من ثلاثة أشهر من عملية إسرائيلية مكثفة استهدفت الشمال منذ 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بدت جليّة على وجه الخمسيني ونظراته، إذ ما زالت أصوات انفجارات الروبوتات المفخخة عالقة في ذهنه، فيما لا يفارق ضجيج الآليات الإسرائيلية مسمعه، وفق ما قال.

ومع عودة النازحين، كأنما عادت الحياة إلى المخيم، الذي لا تزال مشاهد الموت حاضرة فيه من خلال جثامين القتلى التي تملأ الشوارع والطرقات.

قصته مع الحصار

يروي انصيو أنه بقي محاصراً وحيداً في منزله طيلة الشهور الثلاثة، وسط القصف المستمر. وذكر أنه عاش هذه الفترة دون أهله أو جيرانه الذين نزحوا خلال الأيام الأولى من الاجتياح.

وأوضح أنه اعتمد على كميات قليلة من الدقيق والطعام كانت بحوزته قبل بدء العملية الإسرائيلية، وهو ما ساعده على الصمود والبقاء حياً.

ونظراً إلى وحدته، كان انصيو يعجن الدقيق ويخبز بنفسه ليوفر قوت يومه، مكتفياً بالقليل من المياه لتجاوز صعوبة الأوضاع. وعن اتفاق وقف إطلاق النار، قال: "لم أكن أعلم أنه جرى التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب إلا من خلال الناس العائدين إلى المخيم".

أوقات عصيبة

وحول أهوال الحرب التي عاشها في عزلة تامة، قال انصيو إنه مر بأوقات عصيبة "تقشعرّ لها الأبدان". وأضاف: "لك أن تتخيل كيف يمكن لشخص أن يبقى وحيداً ثلاثة أشهر تحت قصف شديد، والنسف والتفجير بالقرب منه، مع إطلاق القذائف وارتقاء عديد من الشهداء في كل مكان".

ورغم ذلك، استدرك قائلاً: "لقد عشت 53 عاماً رأيت فيها كثيراً من المصاعب، وهو ما ساعدني على أن أكون قوياً وأتحمل تلك الفظائع". وأشار إلى أنه حاول التأقلم مع الوضع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مؤكداً أنه لم يفكر أبداً في النزوح من الشمال، رغم كل ما حدث من حوله. واختتم قائلاً: "صبَّرت نفسي كثيراً، فهذا أمر الله وقدره النافذ. الحمد لله على كل حال".

توقف الحرب

صباح الأحد، خرج انصيو من مكانه لتفقد الأوضاع، متعجباً من صمت أصوات الانفجارات وضجيج الطائرات الحربية، وسط تسلل أصوات مرتفعة لبعض الأشخاص في منطقة غاب عنها الناس لأشهر طويلة. وأوضح أنه ظن في البداية أن ما يجري هو انسحاب إسرائيلي وانتهاء العملية العسكرية في مخيم جباليا دون توقف الحرب.

ولكن عندما خرج إلى الشارع ليسأل عمّا يحدث، فوجئ بإبلاغه بانتهاء الحرب بشكل كامل. وعن شعوره وقتها، قال: "تملَّكني شعور غريب فور سماعي الخبر. أول شيء فعلته كان شكر الله على إنهاء المعاناة وبقائي على قيد الحياة".

وأضاف، بصوت غلبته الدموع: "أكرمنا الله بالصمود في وجه الغطرسة الإسرائيلية ومن خلفها العالم الظالم. تحدينا آلة البطش والقتل الإسرائيلية، فالحمد لله أولاً وأخيراً".

وأعرب انصيو عن أمله بأن يتمكن الفلسطينيون في غزة من تجاوز آثار ما حدث قريباً، وأن ينعموا بحياة ملؤها الحرية والكرامة.

عودة النازحين

ومع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، بدأ النازحون الفلسطينيون من مختلف أنحاء القطاع العودة إلى منازلهم، باستثناء العائدين من جنوب القطاع إلى شماله، حيث من المقرر أن تبدأ هذه الخطوة في اليوم السابع من الاتفاق.

كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في بيان: "إذا التزمت حماس بكل تفاصيل الاتفاق، فابتداءً من الأسبوع المقبل سيتمكن سكان قطاع غزة من العودة إلى شمال القطاع، وسيجري إصدار توجيهات بهذا الشأن".

تأتي عودة النازحين وسط آمال بأن يسهم اتفاق وقف إطلاق النار في تهدئة الأوضاع، ويفتح الباب أمام جهود إعادة الإعمار وعودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها في قطاع غزة، الذي يعاني من دمار واسع النطاق جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.

وبدعمٍ أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 158 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، إضافةً إلى ما يزيد على 14 ألف مفقود.

TRT عربي - وكالات