أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد زيارة للصين بعد انقطاع في الزيارات بين الجانبين استمر لـ19 عاماً، إذ تزامنت الزيارة مع استعدادات بكين لإطلاق الدورة 19 من الألعاب الآسيوية، حيث شارك الأسد في حفل الافتتاح.
واتفق الرئيس الصيني شي جينبينغ، مع الأسد على إقامة "شراكة استراتيجية" خلال لقاء جمعها في مقاطعة هانغجو شرق البلاد، في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، قُبيل يوم واحد من افتتاح الألعاب الآسيوية، كما أكد الرئيس الصيني استعداد بكين لدعم دمشق لا سيّما في إعادة إعمار سوريا.
توقيت الزيارة
جاءت زيارة بشار الأسد للصين بعد قرابة شهر ونصف على ظهوره الإعلامي في لقاء متلفز تحدث فيه بشكل صريح عن عدم تفاؤله بأن ينعكس مسار عودة العلاقات مع الدول العربية على الوضع الاقتصادي.
وفي أعقاب المقابلة، تحدثت تقارير عربية عن فتور في مسار إعادة العلاقات بين دمشق والعواصم العربية.
وحسب مراقبين، فإن المتطلبات العربية تصدرتها قضية إيقاف المخدّرات المتدفقة من سوريا إلى دول الجوار، إضافةً إلى قضية إعادة اللاجئين، والدفع باتجاه الحل السياسي بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي "2254".
وكشفت مصادر دبلوماسية عربية لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في تقرير لها 17 من سبتمبر/أيلول الجاري عن أنّ فشل المبادرة العربية ارتبط بأسباب منها، عدم تقديم النظام السوري التسهيلات الأمنية والسياسية المطلوبة لوقف تصدير الممنوعات إلى دول الجوار، خصوصاً حبوب "الكبتاغون".
إضافةً إلى عدم تجاوب النظام السوري مع جهود الانتقال السياسي، واستمراره في رمي مسؤولية اللاجئين على المجتمع الدولي، ورفضه تسهيل عودتهم بحجة أن "الدول لا تموّل عملية إعادة الإعمار"، وفق الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن "اللجنة الوزارية العربية" التي تشكّلت بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية قررت تجميد اجتماعاتها بالنظام السوري، وذلك لـ"عدم تجاوب النظام مع خريطة الطريق التي رسمتها لإعادة تطبيع العلاقات العربية-السورية".
وفي هذا السياق، يرى الباحث في مركز "عمران للدراسات"، أيمن الدسوقي، أنّ النظام السوري يحاول القيام بخطوات للمناورة على غرار زيارة الصين التي أتت بعد الحديث عن ضغوط يمارسها داعمو الأسد عليه.
ويبيّن الدسوقي في حديثه مع TRT عربي، أنّ روسيا تضغط على الأسد لتقديم تنازلات من أجل إعادة العلاقات مع أنقرة، أما إيران فتحاول الحصول على مزيدٍ من الامتيازات الاقتصادية في سوريا، وبناءً عليه، يسعى الأسد للاستفادة من محاولات الصين أن تكون لاعباً متقدماً في منطقة الشرق الأوسط، وقد أظهرت بكين الرغبة في ذلك من خلال إطلاق "مبادرة الحزام والطريق"، ورعاية المصالحة بين إيران والسعودية.
ويقول: "النظام السوري يهدف للتهرب من الاستحقاقات الرئيسية المتمثلة في الاستجابة لمطلب التغيير السياسي، بما يتيح المجال أمام رفع العقوبات عن سوريا وإعادة الإعمار، وبالتالي تسهيل عودة اللاجئين إلى بلادهم".
ويؤكد أنّ الأسد يحاول شرعنة نظامه مجدداً من خلال العلاقات مع الصين وقبلها روسيا وإيران، ويسعى لاستجلاب بكين للمنطقة؛ بهدف خلق فرصة تتيح له إعادة التموضع مستفيداً من التناقضات الدولية، على غرار ما حصل مع حافظ الأسد الذي استفاد من حرب الخليج عام 1990 لإعادة التموضع على الساحتين الإقليمية والدولية.
وتجددت الاحتجاجات الشعبية ضدّ النظام السوري منذ منتصف أغسطس/آب الماضي، إذ تشهد محافظة السويداء جنوب البلاد مظاهرات واحتجاجات مستمرة إلى اليوم، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم قدرة النظام على تقديم حلول للمشكلات المتفاقمة.
وعن تلك الاحتجاجات، يلفت الدسوقي إلى أنّها أربكت حسابات النظام السوري بالفعل، لدرجة أنّها أخّرت الزيارة إلى الصين التي كان من المفترض القيام بها في وقت سابق.
خطوات شكلية
من جهته يقلّل الباحث السوري ومدير مركز "إدراك"، باسل حفار، من النتائج الفعلية التي ستتمخض عنها الزيارة، لا سيّما فيما يتعلق بإعلان الصين استعدادها لإعادة إعمار سوريا.
ويشير حفار في حديثه مع TRT عربي، إلى عدم وجود ظروف وبيئة مناسبة في سوريا تتيح للصين المساهمة في عملية التنمية، مستدلاً بالمعطيات التي حدثت في أثناء ترتيب زيارة الأسد للصين، حيث لم يتمكن من السفر على متن طائرة سورية، واضطرت بكين إلى أن ترسل إليه طائرة خاصة تستطيع الهبوط في المطارات السورية التي تعاني من تدهور كبير في بُنيتها التحتية.
ورأى حفار أنّ "بشار الأسد، ومن خلفه إيران، يسعيان عن طريق اللجوء إلى الصين للاستفادة من علاقات الأخيرة مع السعودية، والعمل على إقناع بكين بالضغط على الرياض من أجل تغيير مواقفها في سوريا".
بدوره يرى مدير وحدات الدراسات في مركز "أبعاد" محمد سالم، أنّ احتفاء الأسد والإعلام الموالي له بالزيارة، يعود إلى أنّ الأسد يريد إظهار قدرته على فك عزلته الدولية، لأنّه بالفعل يعاني عزلة، خصوصاً أنّ مسار إعادة العلاقات مع الدول العربية لا يسير بالشكل المطلوب؛ بسبب عدم تجاوب النظام مع المطالب العربية المتعلقة بإجراء إصلاحات سياسية ومكافحة تهريب المخدرات إلى الأردن.
ويضيف سالم لـTRT عربي، أنّ النظام السوري يبحث عن خطوات شكلية فقط، توهِم الجميع بأنّه يستعيد علاقاته الدولية، للتغطية على المشكلات الاقتصادية والأمنية المتفاقمة وعجزه عن تقديم حلول عملية لها.
دلالات سياسية وإعلامية
مضى أكثر من عام ونصف على توقيع النظام السوري مذكرة تفاهم مع الصين، انضم بموجبها إلى مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري، أملاً بالاستفادة من الصندوق الاستثماري التي خصّصته بكين لدعم البنية التحتية في الدول النامية الواقعة على طريق الحرير، لكن من دون تنفيذ خطوات على أرض الواقع.
ويعتقد محمد سالم أنّ اللقاء الأخير بين رئيس الصين والأسد، خطوة ذات دلالات رمزية وسياسية وإعلامية أكثر من كونها تعبّر عن مشاريع فعلية ناضجة في المرحلة الراهنة، وبالتالي فإنّ تنفيذ الصين وعودها المتعلقة بدعم إعادة إعمار سوريا محفوف بالصعوبات.
ويوضح أنّ بكين ذاتها تعاني اليوم مشكلات اقتصادية، وهي لن تُقْدم على دعم النظام السوري إلا في حال حصولها على امتيازات كبيرة مثل استثمارات طويلة الأمد للموانئ، أو ستكتفي بتقديم دعم لتأهيل بعض البنى التحتية بما يخدم مصالحها فقط.
ويشير سالم إلى أنّ الحرب الأوكرانية أحدثت فراغاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحكم الانشغال الروسي، وتسعى الصين اليوم لاستغلاله، لذا تجنح بكين أكثر للتدخل في القضايا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط مثل رعاية المصالحة بين إيران والسعودية، والآن تُظهر رغبة في العمل في الملف السوري عبر استقبال الأسد.
ويؤكد سالم أنّ استضافة الصين للأسد جاءت بعد الإعلان عن المبادرة الأمريكية التي رعتها واشنطن ضمن قمة العشرين الأخيرة، والمتمثلة بربط آسيا مع إفريقيا وأوروبا من بوابة الهند؛ لأنّ بكين معنية بتأكيد نفوذها ضمن الشرق الأوسط في مواجهة واشنطن.
من جانبه يعتقد أيمن الدسوقي أنّ الصين تدرك عدم توفر البيئة المناسبة التي تُتيح لها الاستثمار في إعادة إعمار سوريا بحكم العقوبات الدولية التي أتت بسبب سلوك النظام، كما أنّ السوق السورية غير مغرية للصين، والأخيرة أرادت من خلال استقبال الأسد والحديث عن تعزيز الشراكة، توجيه رسائل سياسية إلى الدول الإقليمية تؤكد من خلالها اهتمام بكين بمنطقة الشرق الأوسط.
وتحدث الدسوقي عن الاعتبار الأمني كأحد الدوافع التي تدفع بكين لتطوير العلاقات مع دمشق، إذ إنّ الصين ترغب في التعاون الأمني بينها وبين النظام السوري ضدّ الحزب الإسلامي التركستاني المنتمية عناصره للإيغور المنحدرين من إقليم تركستان الشرقية (شينجيانغ).