وتأتي هذه التغييرات الجذرية غير المتوقعة في خضمّ مساعي روسيا الدؤوبة للسيطرة على الأراضي الأوكرانية، وقبل وصول شحنة جديدة من الأسلحة الغربية إلى كييف، لتُثير تساؤلات حول استراتيجية بوتين الجديدة في إدارة الصراع.
خطوة نادرة
وبحسب ما نقلته وكالة "تاس" أمس الأحد، تسلّم مجلس الاتحاد الروسي مجموعة اقتراحات من بوتين حول عدد من المرشحين لمناصب وزراء رؤساء الإدارات الاتحادية.
وتعتبر هذه التعيينات خطوة نادرة في الفريق الأمني للكرملين، إذ صار وزير الدفاع المُقال سيرجي شويغو، سكرتيراً لمجلس الأمن الروسي والدفاع في البلاد، وهي هيئة استشارية تقدم المشورة للرئيس، كما سيتولى مسؤوليات مجمع الصناعات العسكرية.
وسيحل شويغو محل نيكولاي باتروشيف، وهو ضابط سابق في الاستخبارات السوفييتية (K.G.B) ومُقرّب من بوتين، وسيُنقل إلى منصب آخر سيُعلن عنه في الأيام المقبلة، بحسب الكرملين.
وحول تعيين بيلوسوف الذي يأتي من خلفية مدنية وزيراً للدفاع، صرّح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحافيين، إن قرار تعيينه مرتبط بالحاجة إلى "جعل اقتصاد الكتلة الأمنية جزءاً من اقتصاد البلاد"، مضيفاً: "تقترب ميزانية وزارة الدفاع من مستوى الثمانينات وهذا ليس بالأمر الحرج الآن لكنه في غاية الأهمية".
وأكد بيسكوف أن رئيس الأركان العامة الروسي، فاليري غيراسيموف، سيحتفظ بمنصبه. وأشار إلى أن تعيين بيلوسوف "لن يغير بأي حال من الأحوال النظام الحالي فيما يتعلق بقضايا الدفاع".
تغييرات أمنية تزامناً مع تقدّم ميداني
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الأحد، أن قوات "مجموعة الشمال" سيطرت على أربع قرى في منطقة خاركيف بأوكرانيا، مع إجلاء آلاف السكان وسط الهجوم البري المفاجئ لموسكو.
وبحسب بيان الدفاع الروسية، فإن المناطق هي جاتيشي وكراسنوي وموروخوفيتس وأولينيكوفو في مقاطعة خاركوف. وكانت القوات الروسية سيطرت سابقاً على مناطق بوريسوفكا وأوغورتسوفو وبليتينيفكا وبيلنايا وستريليتشيا في المقاطعة ذاتها.
بدورها، أقرت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية "صعوبة" الوضع العملياتي على محور خاركوف معترفةً بما وصفته "نجاحاً تكتيكياً" للقوات الروسية.
وصرّح حاكم منطقة خاركيف الأوكرانية، أوليغ سينيغوبوف، أمس الأحد أن "كل مناطق الحدود الشمالية تتعرض لنيران العدو على مدار الساعة تقريباً"، مؤكداً ازدياد عدد المناطق التي تصاعدت فيها الأعمال القتالية، وسط إجلاء ما مجموعه 4073 شخصاً.
وفي آخر التطورات أيضاً على المستوى العسكري، أسقطت الدفاعات الجوية الروسية مقاتلة أوكرانية من طراز "ميغ 29"، وفق ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية أمس الأحد.
وجاء في بيان الوزارة، أن أنظمة الدفاع الجوي دمرت 12 صاروخ "أولخا" و12 مسيّرة فوق مقاطعة بيلغورود، و8 مسيّرات فوق مقاطعة كورسك، و4 صواريخ "ستورم شادو" بريطانية و7 مسيّرات فوق القرم، و4 مسيّرات استهدفت مقاطعة ليبيتسك".
الطريق إلى إصلاح الجيش
يعتبر أندريه بيلوسوف (65 عاماً)، أحد المستشارين الاقتصاديين الموثوقين لدى فلاديمير بوتين، ومن المتوقع أن يؤدي تعيينه في تحسينات لدى البنية الإنفاقية للجيش الروسي، وخاصة مع العملية العسكرية في أوكرانيا المستمرة منذ 2022.
وشغل بيلوسوف منذ 21 يناير/كانون الثاني 2020 منصب النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، وفي الفترة من 30 أبريل/نيسان إلى 19 مايو/أيار 2020، شغل منصب رئيس الحكومة بالنيابة.
ومن مايو/أيار 2012 إلى يونيو/حزيران 2013 شغل منصب وزير التنمية الاقتصادية لروسيا في حكومة دميتري ميدفيديف. وكان مديراً من روسيا في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير ونائب مدير من روسيا في البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
ووفق الكرملين، فإن ميزانية الدفاع الروسية المتضخمة تبرر تعيين خبير اقتصادي مسؤولاً، وأن بيلوسوف سيساعد في جعل الجيش الروسي "منفتحاً على التجديد والابتكار".
بدورها، قالت صحيفة "واشنطن بوست"، إن "بيلوسوف صنع اسماً لنفسه باعتباره مؤيداً لانتزاع الأموال من كبار أصحاب الدخل في الدولة (عمالقة التعدين والمعادن) لزيادة الاحتياطيات الحكومية".
وحول اختياره وزيراً، أشار تحليل الصحيفة إلى "رغبة بوتين في تعيين وزير دفاع يتولى فرض رقابة مشددة على الزيادات الهائلة في الإنفاق العسكري لتمويل حرب روسيا الوحشية ضد أوكرانيا، والحدّ من الفساد المستشري في وزارة الدفاع، والذي بدا أنه يعيق القوات الروسية في وقت مبكر من الغزو".
ونقلت الصحيفة عن منشور عباس جالياموف، وهو كاتب خُطب سابق في الكرملين وتصفه روسيا حالياً بأنه "عميل أجنبي"، في مدونته على تليغرام: "من وجهة نظري، يُرجّح أن هدف تعيينه هو تأمين الموارد اللازمة لخوض حرب طويلة الأمد. فبيلوسوف معروف بدعمه القوي لتعبئة الاقتصاد على غرار مبدأ كل شيء للجبهة، كل شيء للنصر".
وتابع: "بفضل معرفته العميقة بأوضاع الاقتصاد، سيكون من الصعب على زملائه المدنيين إخفاء أي معلومات عنه".
فيما انتقد الاقتصادي الروسي كونستانتين سونين، الأستاذ بجامعة شيكاغو، في حسابه عبر منصة إكس هذه التعيينات بقوله: "إن التغييرات الجديدة: بيلوسوف بدلاً من شويجو في وزارة الدفاع، وشويجو بدلاً من باتروشيف في مجلس الأمن هي مثال ممتاز لنظرية (الاستبداد المنحط) لدينا".
وأضاف: "الأمور لا تسير وفقاً لخطة بوتين (بالإشارة إلى مسار الحرب) لكنه سوف يتناوب إلى ما لا نهاية على المجموعة الصغيرة نفسها من الموالين له".
وفي 24 فبراير/شباط 2022، أطلقت روسيا عملية عسكرية بأوكرانيا وتشترط لإنهائها "تخلي" كييف عن خطط الانضمام إلى كيانات عسكرية، ما دفع عواصم في مقدمتها واشنطن إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو.
