"وُلدتْ إسرائيل لتكون مكاناً آمناً للشعب اليهودي في العالم (...)، وإذا لم تكن موجودة، فسيتعين علينا اختراعها (...)، يجب أن تكون مرّة أخرى مكاناً آمناً للشعب اليهودي"، بهذه الكلمات أكّد الرئيس الأمريكي جو بايدن من إسرائيل، يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعم واشنطن لتل أبيب.
لكنْ في ظل استمرار الحرب على غزة، وغضب صامت في عواصم عدّة بالمنطقة، كيف تتأثر المكانة الأمريكية؟ وهل تحاول واشنطن إحياء دورها الدبلوماسي في الشرق الأوسط؟
هل أمريكا "حليفة العرب"؟
قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعلى مدار سنوات، تردّدت أسئلة عديدة حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومستقبل تعاونها مع الدول العربية، وخاصة بعد تركيز دبلوماسيتها على ما تصفه بـ"التهديد الصيني" في المحيط الهادئ، وانخراطها في دعم جهود الحرب الأوكرانية.
وبعد وصوله إلى السلطة، شارك بايدن في قمة إقليمية بمدينة جدّة السعودية في يوليو/تموز 2022، جمعت قيادات دول الخليج ومصر والأردن والعراق، حاول خلالها بعث رسالة مفادها أن الولايات المتحدة ما زالت على دعمها وتحالفها مع الدول العربية.
وأكد بايدن، خلال القمة التي واكبت زيارته الأولى للمنطقة، التزام بلاده بالدور الذي تلعبه، قائلاً: "لقد شهدنا على تغييرات هائلة هنا في منطقة الشرق الأوسط (...)، نعلن بوضوح أن الولايات المتحدة ستظل شريكاً نشطاً وملتزماً في الشرق الأوسط".
ورغم التصريحات الأمريكية، لم تكن هناكَ تحركات حقيقية على الأرض تساعد في تقليص حدّة التوتر في أزمات دول المنطقة تحديداً.
مقابل ذلك نجحت، في مارس/آذار 2023، الوساطة الصينية في أحد أعقد الخلافات السياسية بين كل من السعودية وإيران، فقد أعلن البلدان عن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية.
واعتبَر وزير الخارجية الصيني وانغ يي الاتّفاق بمنزلة "نصر للحوار ونصر للسلام"، مؤكداً في رسالة ضمنية للولايات المتحدة الأمريكية، أنّ بكين "سوف تواصل لعب دور بنّاء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم، وستظهر تحلّيها بالمسؤولية بصفتها دولةً كبرى".
فرصة أمريكية للعودة إلى المنطقة
منذ ذلك الوقت، رأى كثيرون أن الدّور الأمريكي يتراجع بالفعل في منطقة الشرق الأوسط، ويمهّد الطريق لصعود دبلوماسية دولٍ أخرى أكثر فاعليّة، مثل الصين.
ولكن جاءت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لإعادة ملف الشرق الأوسط إلى الواجهة في واشنطن، بوصف الملفّ، ومعه القضية الفلسطينيّة، من أهم القضايا العالقة على مستوى العالم، وتحظى باهتمام أمريكي خاص.
وكانت الجولات الدبلوماسية لوزير الخارجية الأمريكي في بداية الحرب ومن بعده زيارة الرئيس الأمريكي، لتثبت أن الولايات المتحدة صاحبة صوت "حاسم" في القضية.
كذلك بدأت الدبلوماسية الأمريكية اجتماعات مع القوى الإقليمية، مثل تركيا وقطر ومصر؛ لتحقيق هدنة بين الأطراف المتنازعة، وتبادل الآراء حول الملف.
وبالفعل، نجحت الولايات المتحدة بفضل مساعدة مصرية قطرية في عقد هذه الهدنة التي استمرّت لأيام، وعادت الولايات المتحدة للمشهد مرة أخرى، رغم انحيازها للسرديّة الإسرائيلية.
ويرى ديمتري دلياني، المتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، أن "الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة دائماً لحماية مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي لم تغادر المشهد".
لكنْ، يوضّح دلياني لـTRT عربي، أن واشنطن بدت "بالتأكيد أقل تأثيراً مقارنة بالسنوات الماضية، وخاصة مع انفتاح دول الخليج على الشرق، ووقْف اعتمادها في عديدٍ من الشؤون الاقتصادية والعسكرية على الولايات المتحدة الأمريكية".
ويشير إلى أن ما يحدث اليوم من تفاعل دبلوماسي أمريكي ملحوظ، يعود إلى أن "أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول اضطرت الولايات المتحدة أن تتدخل بقوة لدعم حليفتها إسرائيل، وإرسال رسالة بالغة الوضوح، وهي أن كل من يمسُّ دولة الاحتلال الإسرائيلي يمسّ الولايات المتحدة".
ويضيف دلياني أن "هذه الرسالة كانت بمنزلة رادع لإيران وذراعها في المنطقة، وخاصة أن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت لها تداعيات أمنية وسياسية داخلية، تدعو أن تكون الولايات المتحدة أكثر حضوراً من الفترات السابقة".
وبحسب المتحدث باسم تيار الإصلاح، "فإن الوجود الأمريكي يعزِّز كل ما يخدم الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة ضغوط وتوجّهات داخل واشنطن، تُجسَّد من خلال التواطؤ الأمريكي وشراكة البيت الأبيض في المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال في غزة".
أمريكا ضعيفة من دون الوساطة العربية
من جهته، يؤكد منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية في واشنطن، أن الولايات المتحدة كانت تنظر إلى المنطقة في المرحلة السابقة لعملية "طوفان الأقصى" على أنها "لا تحتلّ المكانة الأولى في اهتماماتها، وتحديداً بعد حرب أوكرانيا والتركيز على روسيا، وأيضاً على أنّ الصين هو التهديد الاستراتيجي الأكبر".
ويوضح سليمان في حديثه مع TRT عربي، أن الولايات المتحدة نسجت تحالفات وحرَّكت قطعاً بحرية وتعزيزات عسكرية إلى المناطق المحيطة بالصين التي تشهد تهديدات (تايوان)، ورأت أن منطقة الشرق الأوسط منطقة هادئة، لكن بعد الأحداث هبَّت لإنقاذ إسرائيل "التي بدت هشةً".
ويشير الباحث إلى أن "الأحداث الأخيرة أعادت القضية الفلسطينية إلى أنظار الولايات المتحدة، وهي الآن تحاول جمع الأوراق الدبلوماسية والعسكرية لضمان حماية وأمان إسرائيل".
مساندة قد لا تستمر طويلاً
ويشير سليمان إلى أن الحضور العسكري الأمريكي، "هو محاولة لكبح جماح القوى المساندة لقطاع غزة، أي ما يعرف بمعسكر المقاومة، ويضمّ كلاً من إيران وحزب الله اللبناني وأنصار الله اليمنية والمقاومة الإسلامية العراقية".
ويوضّح أنه رغم تحريك القوات، لا تزال المقاومة قادرةً على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وكان هناك أكثر من 70 هجوماً من أطراف المقاومة ضد القواعد الأمريكية والإسرائيلية.
ويرجّح الباحث أنَّ الولايات المتحدة لن تستطيع البقاء على موقفها لفترة طويلة، ولكن لا بدّ لها من ضمانات من الجهات الداعمة لغزة، لتخفيف الاحتقان، مشيراً إلى أن مسار الأحداث سيُقرِّر في استمرار هذا الحضور العسكري من عدمه.
ويشدّد سليمان على أن واشنطن بحاجة إلى القطع العسكرية في مناطق أخرى هامّة منها المحيط الهادئ، خشية استغلال الصين الموقف ومحاولة القيام بعمل عنيف ضد تايوان.
ودبلوماسياً، قد يعزّز الوضع الحالي محاولات الإدارة الأمريكية تلميع صورتها في المنطقة بعد حديث أمريكي عن حلّ الدولتين في الفترة التي ستتلو الحرب، لكنها أحاديث إعلامية لا تواكبها خطوات دبلوماسية واضحة المعالم.
كما تعمل واشنطن على إحياء دورها عبر قنوات وساطة عربية، والتوصّل إلى فرض هدنة والإفراج عن الأسرى.
وبما أن الولايات المتحدة تعلم أنَّها لا تملك ما يكفي من أوراق قويّة، فقد تلجأ إلى موقف عربي موحّد، يسهم في إيقاف الحرب الحالية، بما يواكب ذلك من عودة للدور الأمريكيّ في منطقة الشرق الأوسط.