أثار قرار محكمة صلح رام الله في الضفة الغربية حجب 59 موقعاً إلكترونيّاً، ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والحقوقية، التي اعتبرت القرار مساساً بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، بخاصة بعدما سبق للحكومة الفلسطينية العمل بقانون الجرائم الإلكترونية الذي قيّد الحريات الإعلامية بطريقة غير مسبوقة.
واعتبرت نقابة الصحفيين القرار "مجزرةً" بحق حرية الرأي والتعبير ووسائل الإعلام الفلسطينية، ورأت أن هذا "يوم أسود" في تاريخ الصحافة الفلسطينية، مشيرة إلى أنه قد يُعَدّ استخداماً فظّاً لسيف قانون الجرائم الإلكترونية، ويشكّل استهتاراً بنقابة الصحفيين والجسم الصحفي عموماً، إضافة إلى أنه يناقض تعهُّدات رئيس الحكومة محمد اشتية بصون الحريات الإعلامية.
ويُعتبر القرار "منافياً للحقوق الأساسية للناس بالوصول إلى المعلومة، ولحرية الرأي والصحافة، وهو أمر مستغرَب في القرن الحادي والعشرين"، حسب تصريحات فراس أبو هلال رئيس تحرير صحيفة عربي 21، الذي كان من المواقع المحجوبة.
ويقول أبو هلال لـTRT عربي، إن "هذا الحجب يكتسب بُعداً آخر أشدّ خطورة، لأنه يحصل في فلسطين، فالشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ عشرات السنوات لأجل حريته واستقلاله يستحقّ أن يحظى بحرية الصحافة"، مستغرباً "الحظر من سلطة لا تمتلك السيادة على الأرض، وتتبع للاحتلال عمليّاً بسبب ارتباطات أوسلو".
ويستنكر أبو هلال "حجب السلطة لمواقع عربية، في الوقت الذي لم تتجرأ فيه على حجب أي موقع تابع للاحتلال"، مشيراً إلى أنها حجبت موقع عربي 21 مع أنه موقع غير فلسطيني، ويتناول عادةً قضايا الصراع مع الاحتلال، فيما لا تنال الصراعات الداخلية الفلسطينية من التغطية سوى جزء بسيط.
ولا يعتقد رئيس تحرير صحيفة عربي 21 أن الحجب سيؤثر على الموقع، قائلاً: "هذا يدل على ضعف خيال من اتّخذ مثل هذا القرار، لأن التكنولوجيا الآن لديها كثير من الحلول للوصول إلى المواقع المحجوبة، ولأن أي شخص لديه الحد الأدنى من المتابعة للتكنولوجيا سيكون قادراً على الوصول إلى ما يريده على الفضاء الإلكتروني".
خطورة القرار على مستخدمي الإنترنت
يستغرب مدير مركز صدى سوشيال إياد الرفاعي، القرار الذي قال إنه "يأتي ضمن سياق تكميم الأفواه ومحاربة حرية التعبير عن الرأي، في الوقت الذي ينشغل فيه الفلسطينيون والإعلاميون بمحاربة إسرائيل قانونيّاً ودوليّاً وبالوسائل المتاحة كافة، بسبب ضغطها على وسائل التواصل الاجتماعي لكتم صوت كل من يناصر القضية الفلسطينية".
ويقول الرفاعي لـTRT عربي، إن "القرار خطير جداً لأنه يؤدّي إلى سلسلة من الخطوات التصعيدية والخطيرة على مستوى استخدام الإنترنت في فلسطين، فبدلاً من استخدام الشبكة العامة سيلجأ أصحاب هذه المواقع إلى استخدام ما يسمى بالويب السفلي أو المظلم، الذي تستخدمه عادةً جهات متطرفة، وسيؤثر بشكل كبير على آليات ونمط وممارسة مستخدمي الإنترنت في فلسطين".
وتزايدت في الآونة الأخيرة انتهاكات موقع فيسبوك ضدّ المحتوى الفلسطيني، وحاربه بطريقة لا تسمح للوكالات ووسائل الإعلام والأفراد بالتعبير عن رأيهم بحرية، ليشنّ حملات واسعة يحذف من خلالها مئات الحسابات المهمَّة والموثَّقة التي تساهم في نقل الرواية الفلسطينية وتفضح الجرائم الإسرائيلية.
وهذه الإجراءات غير المبررة دفعت عديداً من الفلسطينيين إلى بدء حملة تغريد على هاشتاغ fbblockspalestine عبّر من خلاله الإعلاميون والنشطاء الفلسطينيون عن غضبهم لمحاولات فيسبوك المتكررة اجتثاث الرواية الفلسطينية بشكل كامل، وانحيازه لإسرائيل بطريقة واضحة.
ويُعتبر فيسبوك من مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها الفلسطينيون في نشر الأخبار ومتابعة الأحداث، فقد ساهم في الآونة الأخيرة في فضح الانتهاكات الإسرائيلية بشكل كبير، ونظّم النشطاء الوقفات التضامنية والشعبية من خلاله، الأمر الذي كبّل عديداً منهم بسبب هذه السياسة التي باتت غير مفهومة.
ردود أفعال غاضبة
طالبت نقابة الصحافيين مجلس القضاء الأعلى باتخاذ ما يلزم من إجراءات لنقض هذا القرار وإعدام أثره وبمراجعة الآلية التي اتُّخذ بها، وأكدت أنها ستتخذ كل الإجراءات القانونية، وبأقصى سرعة، لاستئناف هذا القرار والطعن فيه وفي مشروعيته.
وأشارت النقابة إلى أنها تدرس كيفية الرد والخطوات الميدانية التي ستنفذها والتي سيعلن عنها لاحقاً، داعية الجسم الصحفي إلى الالتفاف حول النقابة وإسناد خطواتها وقراراتها.
وأدان التجمع الصحفي الديمقراطي الاثنين القرار، معتبراً إياه انتهاكاً لأحكام القانون الأساسي المعدَّل عام 2003 وقانون المطبوعات والنشر لعام 1995. ودعا التجمع السلطة إلى التراجع عن حجب المواقع واحترام القانون وحقوق الإنسان وحق التعبير المكفول في القوانين الدولية.
من جانبها اعتبرت رابطة الصحافيين في الداخل القرار اعتداءً على حرية العمل الصحافي وعلى حق جمهور الفلسطيني في المعرفة وتلقِّي المعلومات.
نتوجه إلى عنايتكم بالعدول عن القرار، والعمل على تعديل البند رقم 10 من قانون الجرائم الإلكترونية الصادر عام 2018، فرغبتنا هي رؤية مجتمع فلسطيني يحترم الصحافة والتعددية الفكرية، ويصون الحريات الإعلاميّة
وقالت الرابطة في بيان لها: "نؤمن بأنّ الصحافة الحرة والموضوعيّة هي التي تعكس كافة المواقف وتعبر عن كافة التطلعات والآمال، وأي قرار يمنع هذا التنوع يُعَدّ سياسة لكَمّ الأفواه، ونرى هذا القرار بخطورة كبيرة، لا سيما أنه يعزّز الرقابة الذاتيّة لدى الصحافيين، يبعدهم عن المهنية ويضعهم في خانة صحافة البلاط".
من جانبه علّق منتدى الإعلاميين الفلسطينيين بأنه "يستدعي القرار حشد كل منظمات المجتمع المدني من أجل مواجهته والوقوف دون تطبيقه لما يلحقه من ضرر فادح في المشهد الإعلامي الفلسطيني الرازح تحت نير الأزمات المالية التي باتت على بعض المؤسسات الإعلامية وتهدّد بعضها الآخر".
وعلى المستوى السياسي، انتقد حسام بدران عضو المكتب السياسي لحركة حماس قرار الحجب، قائلاً إن "السلطة الفلسطينية تعيد الصحافة الوطنية إلى زمن الظلام"، منوهاً بعدم وجود أي موقع إسرائيلي بين المواقع المحجوبة.
ودعا بدران السلطة الفلسطينية إلى "وقف حربها الشعواء على الصحافة الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال، ودفعت في سبيل ذلك شهداء وجرحى وأسرى، واحترام القوانين والمعاهدات الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير، وحق كل مواطن في الحصول على المعلومات والتعبير عن رأيه".
وفي أول خطوة عملية لمواجهة القرار، بعثت منظمة سكاي لاين الدولية برقية عاجلة إلى المقرر الأممي الخاص بحرية الرأي والتعبير في الأمم المتحدة ديفيد كاي، وأرسلت المنظمة الدولية نسخة من قرار المحكمة الفلسطينية التي تحتوي على القرار، مطالبة إياه بالتدخل لوقف الاعتداء على حرية الرأي والتعبير في الأراضي الفلسطينية.
وطالبت منظمة سكاي لاين الدولية، السلطة الفلسطينية بالوقف الفوري لقرار حجب عشرات المواقع الإلكترونية في فلسطين بذريعة "تهديد الأمن القومي والإخلال بالآداب والنظام العامّ".