شنّت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، فجر السبت، السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، هجوماً عسكرياً على الاحتلال الإسرائيلي في عملية حملت اسم "طوفان الأقصى"، جاء ذلك رداً على الاعتداءات المستمرة من الاحتلال على الفلسطينيين.
تمكنت المقاومة من الوصول إلى المستوطنات في غلاف غزة، ومهاجمة أكثر من 50 موقعاً عسكرياً، وأسر عددٍ غير معروف على وجه التحديد -حتى الآن- من الجنود الإسرائيليين، وصفه أبو عبيدة، الناطق العسكري لكتائب القسام، بـ"الأضعاف المُضعّفة"، وسيطرت على أربع مستوطنات في الساعات الخمس الأولى من الهجوم من دون اشتباك مع الجانب الإسرائيلي.
خمسة آلاف صاروخ وقذيفة كانت ضربة البداية لحركة حماس، تبعها اجتياح بري للسياج الحدودي العازل بين غلاف غزة والقطاع، تمكنت بعدها المظلات من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية بتقنيات عدّة، بينها تفادي البصمة الرادارية بارتفاع وسرعة منخفضين كالطائر.
في الساعات الأولى للعملية، كانت المُفاجأة رد الفعل الأول للشارع العربي، الذي اعتاد متابعة أنباء حول شُهداء ومصابين فلسطينيين، وللمرة الأولى تنقلب الدفة ويكون الحديث عن قتلى وإصابات في الجانب الإسرائيلي، وكان للمشاهد المصوَّرة للمقاومة في أثناء أسرها عدداً من الإسرائيليين وقعٌ جديدٌ على قلوب المتابعين من مناصري القضية الفلسطينية.
50 عاماً بين أكتوبر مصر وفلسطين
كان للحدث خصوصية شديدة لدى المصريين، فاختيار يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول لبدء العملية وتزامنها مع أعياد الإسرائيليين، أعاد الذاكرة لحرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي احتفلت مصر بمرور خمسين عاماً على الانتصار فيها في اليوم السابق لـ"طوفان الأقصى".
محمد إسماعيل (50 عاماً)، مواطن مصري لا يملك حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي، في السادسة ونصف صباحاً بدأ متابعة القنوات الإخبارية كعادته قبل الخروج إلى العمل، فوجئ حينها بأخبار الاجتياح الفلسطيني، ويقول إنّه لم يُصدق للحظات ما يراه من تفاصيل حول هجوم من ثلاث جهات "براً، وبحراً، وجواً"، خصوصاً في ظل وجود الجدار الفاصل بين غلاف غزة والقطاع، فضلاً عن الإمكانات المتقدمة لأجهزة الاحتلال في المراقبة والتأمين.
وفي حديثه مع TRT عربي، يتساءل إسماعيل: "كيف لكل هذا التفوق أن تقضي عليه المظلات؟"، لافتاً بالقول: "كأنّنا نقول إنّ أكتوبر/تشرين الأول شهر الانتصارات: السادس من أكتوبر/تشرين الأول لمصر، والسابع منه لفلسطين".
ويضيف أنّ المشاهد أظهرت التباين في الحياة المعيشية بين المحتل الذي يعيش في مستوطنات مُجهّزة، وصاحب الأرض المحروم من أساسيات الحياة، متعجباً من الصمت على انتهاكات الاحتلال طوال السنوات الماضية، فيما تعلن الآن دول أوروبا وأمريكا تضامنها الكامل والواضح مع الاحتلال.
ويتابع: "في حالة القضاء على المقاومة الفلسطينية، ستلتفّ إسرائيل حينها للقضاء علينا جميعاً، ولن يحدث ذلك -بإذن الله".
اجتمع الخوف والفخر في قلب محمد عبد السلام (33 عاماً) من مصر، ويعبّر عن ذلك بقوله، إنّ "ما قدمته المقاومة خلال عملية طوفان الأقصى خطوة مهمة لإحياء القضية الفلسطينية والقضاء على فكرة الجيش الذي لا يُقهَر والقُبة الحديدية والحدود التي لا يمكن اختراقها، وكل الأوهام التي يُروَّج لها".
ويضيف عبد السلام لـTRT عربي، أنّ المقاومة أفقدت المُحتل فكرة الأمان، كما أنّ تزامن العملية مع احتفالات مصر بذكرى نصر 1973، جعل شعور المصريين بها مختلفاً، إلا أنّه تخوّف من رد فعل قوات الاحتلال.
الموقف العربي الموحد بالتضامن مع المقاومة الفلسطينية هو الحد الأدنى المطلوب -وفق ما يرى عبد السلام- وأن يكون المجتمع الدولي عادلاً في نظرته إلى القضية الفلسطينية كما كان في الحرب الأوكرانية، موضحاً أنّ الجلوس على طاولة المفاوضات يستلزم تمتعك بالقوة، وهو ما حصلت عليه المقاومة في حربها الحالية من احتجاز أسرى وتكبيد الاحتلال خسائر كبيرة.
في تونس.. الاحتفاء بالثأر والانتصار للقضية
وكان لـ"طوفان الأقصى" وقعٌ خاص في قلوب أبناء تونس، فمشاركة طائرة الزواري، المُهندس التونسي الذي اغتاله الاحتلال في تونس عام 2016، كان رمزاً للثأر.
ويقول حمزة الشاوشي، إنّه تابع أخبار العملية على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفاً ما نُشر حينها بأنّه أفضل خبر سمعه منذ فترة طويلة، إنْ لم يكن الأفضل على الإطلاق.
ويبيّن الشاوشي في حديثه مع TRT عربي، أنّه لم يكن يتوقع أن يشاهد عملية بهذا التنظيم في محاورها كافة، ما دفعه لتوثيق الخبر وتفاصيله.
ويضيف أنّ القضية الفلسطينية قضية مركزية لكل مواطن تونسي مهما كانت توجهاته وأفكاره، مستذكراً ما تعرّضت له تونس في أكتوبر/تشرين الأول 1985، من قصف جوي من الاحتلال على مدينة حمام الشط بالضاحية الشمالية للعاصمة، وسقط خلالها عدد من الضحايا الفلسطينيين والتونسيين.
وتشهد المقاهي في تونس تجمعات لكبار السن، وتحوّلت الشاشات من مباريات الكرة لقنوات الأخبار، وتقول مريم ملاك (34 عاماً) إنّ الأعلام الفلسطينية تملأ الشوارع والمقاهي والمدارس التونسية، والجميع يتابع القنوات الإخبارية طوال اليوم، مضيفةً أنّها علمت بالأخبار من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأنّها لم تكن تتوقع أن ترى عملية بهذا الحجم للمقاومة.
وتتخوف ملاك من رد فعل جيش الاحتلال، إلا أنّ ذلك لم يُغيّب شعورها بالنصر، فتقول إنّ الاحتلال لن يجعل الأمر يمرّ مرور الكرام وبالطبع ستكون للعملية تداعيات كبيرة.
وتلفت إلى أنّ تونس كانت دائماً داعمة للقضية الفلسطينية، وأنّ موقفها الدولي واضح، وما زال موقفها كما هو؛ دعم القضية الفلسطينية والانتصار لها.
في المغرب.. وقفات تضامنية ورفض للتطبيع
بين دعوات الصيام والوقفات الاحتجاجية، عبّر مواطنون مغربيون عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، وطالب المشاركون في الوقفات التضامنية السلطات المغربية بوقف جميع أشكال التطبيع مع الاحتلال.
في طريقه للعودة إلى مدينة مراكش وداخل سيارته في الصباح الباكر من السبت، السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أدار سمير شوقي (60 عاماً) المذياع للاستماع إلى الأخبار كعادته، فُوجئ حينها بأخبار عن توغل لأفراد كتائب القسام داخل إسرائيل، التي بيّنت الأعداد الكبيرة للقتلى من الجانب الإسرائيلي.
للوهلة الأولى، لم يُصدّق شوقي ما يدور، وعقب وصوله إلى منزل أسرته في مراكش اجتمع معهم حول القنوات الإخبارية التي وضّحت هول عملية "طوفان الأقصى"، ويصف في حديثه مع TRT عربي، أنّ الجو كان إيجابياً في العائلة من حيث التجاوب كما يحدث كل مرة في أحداث تخص الإخوة الفلسطينيين: "نحن معهم قلباً وقالباً ضدّ المُحتل".
وفوجئ شوقي بالتنظيم المُحكم وكم القتلى والرهائن والتنوع اللوجيستي الذي اعتمدت عليه العملية براً وبحراً وجواً في سابقة لأول مرة منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، متذكراً طفولته وقت الحرب المصرية على العدو المحتل، حين كان يتابع الأخبار في المذياع.
أما سُفيان سعودي فلم يُتابع العملية منذ بدايتها، لكنه علِم بها بشكل مُفاجئ في أثناء وجوده في ندوة خاصة بالعمل، لاحظ في فترة الاستراحة حواراً جانبياً يدور بين المشاركين، وحين سألهم عمّا يحدث أخبروه بنجاح المقاومة الفلسطينية في الاجتياح واحتجاز عدد من الرهائن.
ويقول سُفيان إنّ القاعة شهدت انقساماً بين مؤيد للعملية ومعارض لها، تخوفاً من تبعاتها على سكان قطاع غزة، موضحاً أنّه حينها لم تكن السلطات المغربية قد أصدرت بياناً، ورغم إدراكهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل فإنّ ذلك لم يعكس وجهة نظر كل الشعب المغربي.
ويضيف سُفيان لـTRT عربي، أنّ هناك في المغرب مَن يؤيد حل الدولتين، وهناك من يؤيد فكرة الدولة الفلسطينية ولا شيء غيرها، موضحاً أنّ الشارع المغربي ما زال يتشبع بحب فلسطين، وعبّر عن ذلك بوقفات احتجاجية ومظاهرات تضامن مع الشعب الفلسطيني.
في الأردن.. طوفان الأقصى يُحيي حلم العودة
وحسب إحصائية لهيومن رايتس ووتش، يُشكل عدد الأردنيين من أصول فلسطينية نصف سكان الأردن، وهو ما يجعل للقضية الفلسطينية هناك وضعاً خاصاً، حيث يعيش الأردنيون من أصول فلسطينية وقلوبهم مُعلّقة على أبواب الأقصى، تُعتصر مع كل اعتداء على قدسيته.
أحمد عطية (31 عاماً)، أردني من أصول فلسطينية، يُتابع عملية طوفان الأقصى بفخر وخوف، يتردد في التواصل مع أصدقائه في غزة تخوفاً من صدمته باستشهاد أحدهم، أو أن يأخذ من الوقت القليل الذي تتوافر فيه الكهرباء للردّ عليه بدلاً من الرد على أسرته.
ويقول عطية لـTRT عربي، إنّهم في الأردن "يُسيطر عليهم الشعور بالعجز ولا يطولهم سوى الأخبار، لكن قلوبهم عالقة بين الألم لمشاهدة غزة تحت القصف والفخر لرؤية أعمال المقاومة المُشرّفة، كأنّه يشاهد تحرير الأقصى، فللمرة الأولى يشهد حرباً بين الطرفين يُعلن كل منهما مكاسبه وخسائره".
ولم يكن يعلم سُلطان الحمادنة -أردني من أصول فلسطينية- الحجم الحقيقي لعملية طوفان الأقصى قبل الساعة الواحدة من مساء السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، ويقول إنّه استيقظ على اتصالات هاتفية من أصدقائه يُخبرونه بأنّ المقاومة بدأت في عملية عسكرية كبيرة ضدّ الاحتلال، فتوجه إلى منزل صديقه وتجمعوا وباقي الأصدقاء حول قنوات الأخبار، إلا أنّهم لم يجدوا ما يبحثون عنه من تفاصيل.
وفي حديثه مع TRT عربي، يبيّن الحمادنة أنّه "لجأ وأصدقاؤه إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل قنوات تليغرام والبث المباشر على يوتيوب ليتابعوا بطولات المقاومة"، مضيفاً أنّهم توقعوا في البداية أن تكون مُجرّد عملية فردية أو هجمة واحدة، إلا أنّ الصورة اتضحت وأدركوا أنّ المقاومة تمكنت من الاجتياح البري لغلاف غزة.
ويلفت إلى إنّهم لم يصدقوا الخسائر التي تكبّدتها إسرائيل من قتلى وأسرى ودمار، وهي المشاهد التي اعتادوا رؤيتها في الجانب الفلسطيني، وكان الأمر بمثابة "إثلاج الصدر"، خصوصاً لجدته التي بكت مُسترجعةً لحظات تهجيرها مُكرهةً من منزلها الذي تحول ومُحيطه إلى مستوطنة للاحتلال.
طوفان الأقصى يرفع آمال السودانيين
أما نوال عبد الوهاب (50 عاماً)، سيدة سودانية انتقلت إلى مصر منذ 10 سنوات، إلا أنّ ذلك لم يُقلّل آلامها من إيذاء الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، خصوصاً مع عملها في مجال مساعدة اللاجئين، فقد شاهدت "طوفان الأقصى" بعيون يملؤها الأمل.
وتقول نوال إنّها كعادتها تتابع الأخبار يومياً في الصباح قبل التوجه إلى مقر عملها، وكانت سعادتها بالغة، فأول ما وقعت عليه عيناها هو مشهد الدبابة الإسرائيلية التي يعتليها فلسطينيون.
وفي حديثها مع TRT عربي، ترى نوال أنّ إقدام المقاومة على اتخاذ خطوة بهذا الحجم من الجرأة والإيجابية، "انتصار في حدّ ذاته، بغضّ النظر عمّا حدث بعد ذلك"، مضيفةً أنّ ما شاهدته جعلها تشعر ببارقة أمل يمكن أن تُصيب السودان وتُنهي الصراع الدائر فيه.
يُذكر أن وزراء الخارجية العرب اختتموا اجتماعاً طارئاً عُقد في القاهرة، أول أمس (الأربعاء)، دعوا في بيانه الختامي، إلى الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وقتل المدنيين، مطالبين بإحياء العملية السلمية وإطلاق مفاوضات جادة بين منظمة التحرير الفلسطينية -بوصفها الممثل الشرعي للسلطة- وإسرائيل.
وشدد البيان على أهمية وفاء إسرائيل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي بوصفها قوة احتلال للفلسطينيين، فيما حملت الكلمة الافتتاحية للأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، تضامناً واضحاً مع الفلسطينيين، إذ قال: "نتضامن مع الفلسطينيين في غزة؛ لأنّهم يتعرضون لمجزرة يتعيّن إدانتها ووقفها فوراً".