تابعنا
بعد تسعة أشهر من عرقلة مئات الترقيات العسكرية العليا في الجيش، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على ترقية ثلاثة ضباط كبار، في محاولة لكسر حصار فرضه السيناتور الجمهوري تومي توبرفيل، على تعيين قيادات القوات الأمريكية.

وكان عضو المجلس عن ولاية ألاباما عرقل عملية المصادقة على الترقيات اعتراضاً على سياسة وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، التي تقضي بمنح إجازة وتعويضات لموظفات الوزارة اللّواتي يسعين لإجراء عمليات إجهاض خارج الولاية.

ويرى خبراء أن "الحصار" الذي فرضه توبرفيل يقوّض فاعلية الجيش الأمريكي، وقد يؤثر على قدرته في التصدي للتهديدات في مناطق النزاع الحاليّة في الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي.

حلّ مؤقت

خلال ثلاث جلسات تصويت منفصلة عقدها مجلس الشيوخ، عُيّن قادةٌ في مناصب مهمة في الجيش الأمريكي، كانت أبرزهم ليزا فرانشيتي، التي أضحت أول امرأة تقود البحرية، وتنضم إلى هيئة الأركان المشتركة.

وصادق المجلس على تعيين الجنرال ديفيد دبليو ألفين رئيساً لقيادة القوات الجوية، وعلى تعيين الجنرال كريستوفر ج. ماهوني، ليصبح ثاني مسؤول في مشاة البحرية، ويعوّض كقائد مؤقت الجنرال إريك سميث، الذي أصيب بأزمة قلبية، كانت دافعاً لكسر الحصار على الترقيات وسبباً للمصادقة السريعة على التعيينات.

ومنذ مارس/آذار الماضي، يستهدف توبرفيل السياسة الإدارية التي تبناها البنتاغون وتسمح للموظّفات بأخذ إجازة، وتعويضهنّ عن نفقات النقل إذا كان عليهن السفر لإجراء عملية إجهاض أو علاجات خصوبة غير متوفرة في أماكن إقامتهن.

وجاء تبني البنتاغون لهذه السياسة في أعقاب قرار المحكمة العليا العام الماضي بإلغاء قضية "رو ضدّ وايد"، ما أدى إلى فرض قيود على الإجهاض في ولايات أمريكية عدّة.

واعتراضاً على ذلك، عطّل توبرفيل الجمهوري من ولاية ألاباما، والمناهض للإجهاض، الترقيات العسكرية لأكثر من 370 مرشحاً لمناصب كبار الضباط في القواعد العسكرية حول العالم، مع احتمالية ارتفاع العدد ما بين 650 إلى 852 بحلول نهاية العام الجاري.

قدرات ومعنويات سيئة

في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وإعلان الرئيس الأمريكي دعمه الثابت لإسرائيل، قال مكتب السيناتور تومي توبرفيل، إنه لن يتراجع عن الحصار الذي فرضه منذ أشهر على الترقيات العسكرية.

وقال ستيف ستافورد، المتحدث باسم توبرفيل، في بيان إنه "من الواضح أن البنتاغون يعتقد بأن إجبار دافعي الضرائب على تسهيل الإجهاض أكثر أهمية من الترقيات، يمكنهم إنهاء هذا الوضع اليوم وتأكيد (تعيين) الجميع بسرعة، إن هم أسقطوا سياستهم غير القانونية وغير الأخلاقية، لكنهم يرفضون".

ويؤثر الخلاف السياسي في الكونغرس على التعيينات للمناصب العسكرية الكبرى في الشرق الأوسط، وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وحماس.

وكان البنتاغون والمشرّعون المعارضون لسياسة توبرفيل عبّروا عن مخاوف تتعلق بالاستعداد العسكري للجيش، قائلين إن منع الترقيات يسمح بتدخل القادة الأقل خبرة، كما يمنع مئات الضباط من الانتقال إلى مناصب جديدة، إما كمرشحين أو معيّنين.

ويأتي هذا التعطيل -وفق منتقدي توبرفيل- في وقت تزداد فيه الاضطرابات في الشرق الأوسط، والحاجة إلى استقرار القادة في مناصبهم، إذ إن بعض المناصب الرئيسية يتولاها ضباط أصغر سناً حتى يصادق على القادة من قبل مجلس الشيوخ.

تأثيرات عسكرية

وفي هذا الصدد، يرى ستيفن والت أستاذ الشؤون الدولية ورئيس هيئة التدريس في كلية كندي، جامعة هارفارد، أنه على المدى القصير ليس لوقف الترقيات تأثير يذكر على استعداد الجيش، مبرراً ذلك بوجود قادة بالفعل حالياً.

ويضيف والت لـTRT عربي، أن ذلك "الحصار" يقوّض الاستعداد العسكري للجيش على الأمد الأبعد، من خلال تعطيل التدفق الطبيعي للترقيات وتقويض الروح المعنويّة للضباط.

في المقابل، يعتقد نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط ميك مولروي، أن تعطيل التعيينات والترقيات يؤثر بشكل كبير على العمليات العسكرية، ويعطل حياة الموظفين في الخدمة أيضاً.

وفي حديثه مع TRT عربي، يقول مولروي إن قرار توبرفيل يؤثر على الأفراد أنفسهم، إذ إن الشخص الذي يشغل وظيفة مؤقتة لا يمكنه إجراء تغييرات كبيرة، مشيراً إلى أن "تلك التغييرات قد تكون ضرورية لمواجهة التحديات الجديدة، كما تتعرض حياة الأشخاص للتعطيل، بدءاً من أماكن السكن ومدارس الأطفال إلى وظائف الأزواج".

ومن ناحية الجاهزية العسكرية، يعتقد مولروي أن "ذلك التعطيل في الترقيات وتولي المناصب الكبرى يكون له تأثير كبير للغاية، فنحن بحاجة إلى أشخاص معتمدين لشغل المناصب الرئيسية لتعديل السياسات والاستجابة للتحديات الجديدة، فمن يخدمون كمسؤولين مؤقتين لا يمكنهم ذلك".

ويشير مولروي إلى أن تعليق الترقيات قد يؤثر على قدرة الجيش الأمريكي على التصدي للتهديدات في مناطق النزاع في الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي، مضيفاً أنّ "التدخلات في القيادة العليا تتسبب في تأثير متسارع على مختلف مستويات القوات الأمريكية، وهو ما يؤثر على عمل الجيش في مناطق الصراع المختلفة".

سلطة فرديّة

على مدى أشهر حاول الديمقراطيون في مجلس الشيوخ كسر "الفيتو" الذي فرضه توبرفيل على الترقيات، لكن الأمر لم ينجح بسبب تمسّكه بقراره انطلاقاً من السلطة التي يخوّله إياها المجلس.

ويمكن لكل عضو واحد من أعضاء مجلس الشيوخ أن يعرقل الترشيحات أو التشريعات بمفرده ضد إرادة الأعضاء الـ99 الآخرين.

ويمكن التغلب على هذا التعسّف من طرف توبرفيل عبر إجراء سلسلة من عمليات تصويت على الأفراد، على عكس الإجراء التقليدي المتّبع في المجلس والذي يقضي بجمع الترقيات معاً والتصويت عليها دفعة واحدة.

لكن عملية التصويت على الأفراد تستغرق كثيراً من الوقت بسبب المئات من الترشيحات والترقيات العسكرية، إذ يفرض الإجراء النداء على المرشّحين كلّ على حدة والموافقة عليه، ما يحتاج إلى أشهر لإنجازه.

أما الإجراء الآخر الذي يمكن اتخاذه داخل أروقة المجلس، فهو تعطيل سلطة عضو المجلس الواحد وإجراء تغيير على مستوى قواعد مجلس الشيوخ، ما سيؤدي إلى تقويض سلطة توبرفيل.

لكن قراراً شبيهاً يتطلب إجماع 60 صوتاً لتمريره، ومع وجود 48 ديمقراطياً في المجلس يتطلب الأمر 12 صوتاً آخر معظمهم من الجمهوريين.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه والت أن البنتاغون لا يستطيع تغيير قوة "فرد واحد" وقدرته على تعطيل عملية حساسة ومؤثرة مثل توقيف الترقيات، يوضّح أن مجلس الشيوخ يستطيع تغيير القاعدة مؤكداً أنه "ينبغي له ذلك، وأن يراجع قواعده لمنع أي عضو من فعل شيء كهذا مستقبلاً".

ويتفق مولروي مع هذا الرأي قائلاً بخصوص مجلس الشيوخ: إنه "يمكنه ذلك بل ويجب عليه"، مضيفاً أنه "لا يجب السماح بتعريض الأمن القومي للولايات المتحدة للخطر بسبب قضية سياسيّة يدافع عنها عضو واحد".

TRT عربي
الأكثر تداولاً