غارة جوية على مدينة رفح شوهدت من خان يونس / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار الماضي عملياتها العسكرية في محافظة رفح باحتلال المنطقة الشرقية، وبحلول التاسع والعشرين من شهر ذاته، أكمل جيش الاحتلال سيطرته على المناطق الجنوبية منها.

هجَّر الاحتلال في عملياته سكان رفح والنازحين إليها، الذين وصل عددهم إلى ما يقرب مليون نازح في بداية العام الحالي، وفق تقديرات الأمم المتحدة، اضطر هؤلاء إلى ترك المحافظة والتوجه إلى مناطق جديدة بصورة عشوائية.

ومنذ توغل الاحتلال والشهادات التي تصدر منها تشير إلى تنفيذ الاحتلال عمليات هدم ممنهج لمنازل وممتلكات المواطنين، بالإضافة إلى عمليات بناء سواتر رملية وتجهيزات هندسية، كان آخرها نسف وتفجير مبنى بلدية رفح.

وأدانت بلدية رفح في بيان لها، عملية التفجير، وقالت إن "مبنى البلدية الذي جرى تفجيره مكوَّن من خمسة طوابق جميعها مكاتب لدوائر وأقسام البلدية، وهو مبنى خدماتي يقع في مناطق توغل قوات الاحتلال، وأُجبر السكان والطواقم العاملة على مغادرتها".

سياسة التدمير الممنهج لمنازل والمنشآت اتَّبعها الاحتلال في مناطق عدة أبرزها ما أصبح يُعرف بـ"محور نتساريم" جنوب مدينة غزة، الذي دمرت قوات الاحتلال المباني القائمة فيه وحولته إلى منطقة فاصلة ما بين محافظتي غزة وشمال غزة ومحافظة الوسطى وخان يونس ورفح.

خطط قديمة

تحمل رفح أهمية استراتيجية لقطاع غزة، فهي البوابة الجنوبية وجهة اتصالها الأهم مع العالم الخارجي، وخلال سنوات احتلال إسرائيل قطاع غزة حاولت في أكثر من مناسبة تنفيذ عمليات تدمير وتهجير لجزء من سكان المدينة بهدف تأمين محور فيلادلفيا والمواقع العسكرية عليه.

ومع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000 وتصاعُد المواجهات المسلحة ما بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأ الاحتلال يكثف عمليات هدم منازل المواطنين الفلسطينيين خصوصاً القريبة من مواقعه العسكرية والمناطق الحدودية، فخلال السنوات الأربع من بداية الانتفاضة هدمت إسرائيل، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش، 2500 منزل في قطاع غزة، ثلثاها في غزة.

ووفق المنظمة، فقد وافقت الحكومة الإسرائيلية في شهر مايو/أيار 2004، على خطة هدم واسعة للمباني والمنشآت المدنية على طول المنطقة الحدودية مع مصر وإسرائيل. وبموجب الخطة، أوصى جيش الاحتلال بهدم جميع المنازل التي تبعد ثلاثمئة متر عن مواقعه، أو على بُعد نحو أربعمئة متر من الحدود.

خطة الاحتلال لم تنفَّذ بعد أن انسحب من قطاع غزة عام 2005، وفشلت محاولاته للاحتفاظ بمحور فيلادلفيا تحت سيطرته العسكرية والأمنية، ما مكّن السكان الفلسطينيين من بناء منازلهم والاحتفاظ بأراضيهم.

تدمير رفح

أظهرت دراسة لمركز تحقيقات المصادر المفتوحة "بيلينجكات" حول مدينة رفح أن ما يقرب من 44 في المئة من مباني المدينة تضررت أو دُمرت. واستندت الدراسة إلى بيانات مجموعة رسم خرائط الأضرار اللا مركزية التي اعتمدت بدورها على بيانات القمر الصناعي "سنتينل-1".

ونقلت الدراسة عن المراسل العسكري لصحيفة تايمز أوف إسرائيل قوله في 16 يوليو/تموز الماضي إن جيش الاحتلال عازم على بناء منطقة عازلة حول محور فيلادلفيا على أن يصل عمقها إلى 800 متر شمال الحدود المصرية-الفلسطينية.

القرية السويدية في مدينة رفح.. القسم الأيسر من الصورة يُظهر الحي في نوفمبر الماضي فيما الأيمن له في شهر أغسطس الحالي (وسائل التواصل الاجتماعي)

وهذه المسافة كبيرة جداً لمدينة رفح، وتشكل ما يقرب من 17.5 في المئة من مساحة المحافظة الأهم، فالمناطق الحدودية مع مصر في رفح ليست مناطق هامشية بل هي مركز المدينة التي ظلت حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد ما بين مصر ودولة الاحتلال، متصلة مع مدينة رفح المصرية، ما يعني أن المناطق التي يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على ضمها وتدميرها هي في الأصل مناطق مركزية وتضم منشآت حيوية، كبلدية رفح -التي تعرضت للتدمير- ومحافظة رح وعدد من المساجد الأثرية، بالإضافة إلى عدد من المنشآت الصحية.

حي السلام في مدينة رفح.. القسم الأيسر من الصورة يُظهر الحي في نوفمبر الماضي فيما الأيمن له في شهر أغسطس الحالي (وسائل التواصل الاجتماعي)

بالنظر إلى الخريطة، نجد أن المسافة ما بين مركز مدينة رفح -ميدان العودة- والحدود المصرية لا يتجاوز 1.2 كيلومتر، وتوجد في نطاق منطقة عمل جيش الاحتلال مخيمات مركزية كيبنا والبرازيل وصولاً شرقاً إلى القرية السويدية.

ووفق دراسة "بيلينجكات" فإن صور الأقمار الصناعية تُظهر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي هدمت كتلاً سكنية كاملة على طول هذا الطريق، بما في ذلك مخيم البرازيل للاجئين وحي السلام. هذا النمط من الهدم كان سائداً على طول المناطق الحدود العازلة ما بين قطاع غزة ودولة الاحتلال، بالإضافة إلى محور "نتساريم".

مخيم البرازيل في مدينة رفح.. القسم الأيسر من الصورة يُظهر الحي في نوفمبر الماضي فيما الأيمن له في شهر أغسطس الحالي (وسائل التواصل الاجتماعي)

كما تعمل عملية التدمير الممنهج الذي تتعرض له المدينة على جعلها غير صالحة للحياة، عبر استهداف البنية التحتية والمنشآت الحيوية، ففي 29 يوليو/تموز الماضي دمّر جيش الاحتلال خزان المياه في منطقة تل السلطان الذي يغذي مساحات واسعة من غربي المحافظة.

ويرفض الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب من محور فيلادلفيا ويصر على نشر قواته فيه، فيما تصر المقاومة الفلسطينية على انسحابه. وجاء المطلب الإسرائيلي بعد أن وافقت دولة الاحتلال في مناسبات سابقة على الانسحاب، لكن شروط نتنياهو الجديدة أدت إلى تعطل وقف إطلاق النار بعد أن طالب بالبقاء في محوري فيلادلفيا ونتساريم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً