ثلاثة أعوام مرت على ادعاء البريطانية إلينور ويليامز (22 عاماً) تعرُّضها للضرب والاغتصاب ممن وصفتهم بـ"عصابة آسيوية مسلمة" ببلدة بارو شمال غربي بريطانيا.
وقعت الحادثة المدعاة بداية جائحة كورونا وفي ظل الإغلاق الشامل الذي فرضته السلطات البريطانية عام 2020. وكانت ويليامز ادعت أن مجموعة من "الآسيويين" اعتدوا عليها مستخدمين التخدير والتهديد بالسلاح.
أظهرت صورة واحدة كدمات على وجهها كانت قد نشرتها على فيسبوك مع تفاصيل عن كيفية اختطافها وضربها واغتصابها. وقد كانت هذه الصورة كفيلة بأن تحدث ضجة هائلة بعالم منصات التواصل الاجتماعي وحصدت أكثر من 10 آلاف مشاركة من المتعاطفين معها.
اللافت كما يرى مراقبون أن الشرطة بدأت التحقيقات مباشرة مع عدد من التحفظات على أساس أن لدى المدعية تاريخاً من البلاغات الكاذبة، ولديها سجل جنائي لدى الشرطة يعود إلى عام 2016. هذا السجل الجنائي لم يمنع حدوث حملات التضامن الشعبية معها، ما يثير تساؤلات حول دور حملات التضليل على منصات التواصل الاجتماعي في تعزيز مشاعر العداء والكراهية للآخر.
مع الوقت ظهرت أدلة تثبت أن الحادثة مفتعلة. إذ أثبتت كاميرات مراقبة متجر "تيسكو" ظهور ويليامز يوم الحادثة تشتري مطرقة (الأداة التي استخدمتها لإيذاء نفسها)، كما ثبت بطلان قصة ادعائها بخصوص تهريبها إلى أمستردام للاتجار بها.
مع ثبوت الأدلة التي تدحض ادعاءاتها قضت محكمة بريستون كراون بمقاطعة لانكشاير البريطانية بحبس المدعية 8 سنوات ونصف لإدانتها بثماني تهم تتعلق بإفساد سير العدالة.
تزييف أشعل فتيل العنصرية
بعد التحقيق معها أبدت ويليامز أسفها للأحداث التي وقعت بعد منشورها بفيسبوك، لكن لم تتنازل عن ادعائها. وعقب تناقل القصة بشكل واسع على حسابات مختصة بإشعال الفتن وترويج الإشاعات توافد العنصريون إلى بلدة بارو البعيدة عادة عن المشاحنات والمشاجرات وأقاموا مظاهرات تنديداً بتواطؤ الشرطة مع من سموهم "العصابات الآسيوية"، بعد عامين من التحقيقات.
لعب اليمين المتطرف دوراً كبيراً في الأحداث، بخاصة بعد تدخل نائب مدينة بارو، إن فورنيس، لإثارة القضية مرات عدة في البرلمان والمطالبة بالعدالة للمدعية.
ووصف دوغ مارشال كبير ضباط تحقيق قضية ويليامز منشورها بأنه "روج لحالة مثيرة للاشمئزاز من العنصرية والفوضى واتهام الأبرياء. وكان الأمر أشبه بقنبلة على بلدة بارو، فجرها منشور واحد على فيسبوك"،.
تُبرز تلك الأحداث ظاهرة سائدة منذ سنوات بالغرب هي الإسلاموفوبيا، التي تتمثل بالخوف غير المبرر من المسلمين والتحيز ضدهم.
وعن ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب يقول الباحث بالشؤون السياسية والاقتصادية في بريطانيا الدكتور محمد حيدر في حديثه لـTRT عربي: "ما نراه من حملات ضد الإسلام لا يمكن وصفه إلا بأنه منظم ومدروس".
تحريض سياسي على العنصرية
يقول حيدر بحديثه لـTRT عربي إن "حملات الترويج ضد الإسلام واضحة للعيان وتقف خلفها منظمات ودول، ويُخطط لها بشكل جيد وفق أجندة لا شك أن لها أهدافاً خبيثة. وهي لا تمانع انتشار هذه الظواهر بحجة حرية الرأي".
ويضيف: "حملات التشويه هذه خطر على المجتمعات الغربية كونها خليطاً من مختلف الأديان، ما يمهد لوجود أرضية للتصادم وتصاعد جرائم الكراهية".
ويوضح: "مثلاً في فرنسا، المواطن ذو الأصول الإفريقية يواجه نفوراً من المجتمع الفرنسي، ما يسبب حواجز بين مكونات المجتمع تصل إلى الانفصال ديموغرافياً لتفادي حدوث تصادمات".
وعن تعمد الغرب بث صورة مشوهة عن المسلمين يقول حيدر: "منظومة الكراهية تلك أبرزت توجهات تسعى لمعاداة المجتمعات المسلمة بكل الأسلحة، وتتمثل بنشر مواد إعلامية واستغلال أحداث يومية وسياسية لإظهار الإسلام بشكل سيء".
وأشار الدكتور حيدر إلى إحصائية الشرطة البريطانية التي سجلت 3459 جريمة كراهية ضد المسلمين ببريطانيا عام 2022، بزيادة 24% عن 2021. معتبراً "وجود هذه الجرائم له نتائج وخيمة على مكون المجتمعات الغربية، وسيعكس حالة عدم استقرار، خصوصاً إن سُكت عنها من المسؤولين هناك".
أرقام صادمة للعنصرية
كما ذكرت التنسيقية أن موجات الإسلاموفوبيا ترتفع على نحو كبير السنة الأخيرة.
ويشير التقرير إلى أن المدارس تربة خصبة لانتشار الإسلاموفوبيا إذ رُصد 115 تقريراً فرعياً بالمدارس الثانوية و34 تقريراً بالتعليم الابتدائي و19 بالتعليم العالي.
جاء تقرير التنسيقية بعد أيام من إقدام زعيم حزب "الخط المتشدد" الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان في 21 يناير/كانون الثاني على إحراق نسخة من المصحف الشريف قرب السفارة التركية في استوكهولم.
وعلى خلفية جرائم الإسلاموفوبيا اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة 15 مارس/آذار يوماً عالمياً لمكافحة رهاب الإسلام "الإسلاموفوبيا".
كما صرح فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية لـ"الأناضول" بأن تركيا وماليزيا وباكستان تعتزم تأسيس منصة إعلامية لمكافحة الإسلاموفوبيا.
ومطلع العام الحالي عيّنت كندا أول ممثلة خاصة لديها لمكافحة الإسلاموفوبيا، وهو منصب استُحدث بعد سلسلة اعتداءات استهدفت المسلمين مؤخراً في البلاد.
وستشغل الصحفية والناشطة أميرة الغوابي المنصب "لتكون مناصرة ومستشارة وخبيرة وممثلة لدعم جهود الحكومة الفيدرالية بمكافحة الإسلاموفوبيا والعنصرية المنهجية والتمييز العنصري والديني"، حسب بيان مكتب رئيس الوزراء الكندي.