أعلن وزير الخارجية الهندي بدء بلاده تسلُّم أولى دفعات أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة "S-400". يأتي ذلك بالتزامن مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنيودلهي ولقائه رئيس حكومتها ناريندرا مودي.
تسليح وزيارة روسية تتزامن والخلاف المتصاعد بين موسكو وواشنطن من جهة، وواشنطن وبكين من جهة أخرى، إذ تلعب الهند الدور المحوري في النفوذ الاستراتيجي الأمريكي في شرق آسيا، ما يضع إدارة بايدن أمام مأزق كيفية التعامل مع الوضعية، فهو غير قادر على الاستغناء عن الهند، كما لا يمكنه تمرير صفقة السلاح بلا عقاب بموجب قانون "كاتسا" المنظّم لـ"مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات".
وسبق أن حذّر مسؤولون في الكونغرس من مغبَّة فرض واشنطن عقوبات على الهند، مخافة أن يضيّع ذلك على البلاد شريكاً استراتيجياً مهمّاً في منطقة شرق آسيا.
بوتين و"S-400" في نيودلهي
وقال وزير الخارجية الهندي هارش فاردان شرينغلا الاثنين، إن عمليات تسليم منظومة صواريخ أرض-جو الروسية "S-400" بدأت هذا الشهر وستتواصل، في إصرار لنيودلهي على قرارها التسلح بهذه الدفاعات الجوية رغم معارضة أمريكا للخطوة.
من جانبه صرّح سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، بأنه يجري تنفيذ اتفاق لتزويد الهند بمنظومات صواريخ دفاع جوى روسية من طراز "S-400" على الرغم مما وصفه بالجهود الأمريكية لتقويض الاتفاق. تنفيذاً لصفقة خطّطَت لها الهند منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018 وُصفت بأنها الكبرى في تاريخ مصنّع السلاح الروسي "روس أوبورون إكسبورت"، إذ فاقت قيمتها 5 مليارات دولار.
والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نيودلهي رئيسَ وزرائها ناريندرا مودي. وصرّح بوتين عقب ذلك لوسائل الإعلام المحلية قائلاً: "نعتبر الهند قوة كبرى، ودولة صديقة، وصديقاً موثوقاً".
وبحسب ناندان أونيكريشنان من "مؤسسة أوبزرفر للأبحاث" في نيودلهي، فإن زيارة بوتين "رمزية بدرجة كبيرة"، هدفها وضع حدّ لكل "التكهنات حيال طبيعة العلاقة الهندية-الروسية وما إذا كانت تتشظى بسبب تقارب روسيا مع الصين من جهة، والهند مع الولايات المتحدة من جهة أخرى".
السباق حول الهند
وتقع الهند في مفترق التوتر المتصاعد بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وموسكو وبيكين من جهة أخرى. هي الدولة الكبيرة من حيث المساحة وعدد السكان، وأحد أهمّ الاقتصادات في منطقة شرق آسيا. وفي هذا الإطار أسّسَت واشنطن حوار "كواد" الأمني مع الهند واليابان وأستراليا، في خطوة أثارت قلق الصين وروسيا على حد سواء.
فيما تعود العلاقات الدافئة التي تربط نيودلهي بموسكو إلى الحقبة السوفييتية، وصفت منذ ذلك الحين بـ"الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمميزة"، إذ يتفق الجانبان حول ما تمثّله الصين من تهديد مشترك على خلفية تنامي نفوذها في المحيط الهندي ووسط آسيا وشرقها. غير أنه يأتي في مرتبة ثانية أمام التهديد الأمريكي ووجود الناتو على الحدود الغربية بالنسبة لروسيا، أو التهديد الباكستاني للهند.
ورغم التقارب الغربي-الهندي خلال العشرية الأخيرة حسب مؤسسة "ستوكهولم الدولية للأبحاث في السلام" (سيبري)، فإن موسكو لا تزال أكبر مورّد للعتاد العسكري إلى الهند، فـ58% من تسليح الجيش الهندي "صُنع في روسيا".
من ناحية أخرى دفعت التوجهات اليمينية المتطرفة لحكومة مودي بالهند، ونهجها الاقتصادي النيوليبرالي، إلى توطيد علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب. تُضاف إلى ذلك النزاعات الحدودية بين نيودلهي وبكين، مما جعل الأولى تقع في عمق السعي الأمريكي لكبح منافسة النفوذ الصيني في القارة الأسيوية و المحيطين الهادئ والهندي.
مأزق بايدن الاستراتيجي
فيما تضع صفقة شراء الدفاعات الجوية الروسية "S-400" إدارة الرئيس الأمريكي في مأزق أمام ردين عليها لكل منهما عواقبه الاستراتيجية القاسية. وسبق أن لوحت ذات الإدارة بفرض عقوبات على الهند بموجب قانون "كاتسا" المنظّم لـ"مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات".
خطوة حذَّرت منها أصوات داخل الكونغرس، أبرزها رسالة السيناتورين الأمريكيين جون كورنين ومارك وورنر إلى الرئيس، دعوَا فيها "بإلحاح إلى عدم استخدام قانون CAATSA (حول مواجهة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات) تجاه الهند بسبب خططها لشراء أنظمة S-400 الصاروخية".
ويرى كلٌّ من وورنر وكورنين أنّ تلك العقوبات إن طُبّقت فقد تؤثّر سلباً في الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند. ويتخوفان من أن تعزّز مواقع القوى السياسية الهندية التي لا تعتبر الولايات المتحدة شريكاً وثيقاً، وأن تقوّض بذات الكيف محاولات الحكومة الهندية "لتخفيض الاعتماد على المعدات الدفاعية الروسية".
وسبق أن حذَّر الدبلوماسي الهندي السابق بيناك شاكرافارتي، من مغبة تطبيق عقوبات "كاتسا"، معللاً بأنها لن تفيد في دفع الهند إلى التخلي عن السلاح الروسي. بل بالعكس، يضيف المتحدث، "سيصبّ ذلك في مصالح الهند وروسيا المتنامية في المنطقة من خلال تقويض العلاقات الأمريكية-الهندية".