تابعنا
بعد نصف قرن من غيابها عن القارة الإفريقية، تشهد مدينة مراكش في المغرب اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بمشاركة وفود رسمية عن 189 دولة.

بعد نصف قرن من غيابها عن القارة الإفريقية، تشهد مدينة مراكش في المغرب اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بمشاركة وفود رسمية عن 189 دولة.

ويقود هذه الوفود الدولية وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية، بغية تدارس الرهانات الاقتصادية العالمية وتحدّيات التنمية وسياسات التمويل، في سياق يتسم ببطء اقتصادي حادّ فاقمه تصاعد التوترات الجيوسياسية على الصعيد الدولي.

ويرى مراقبون أنّ تنظيم هذه الاجتماعات والنقاشات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في المملكة التي تُعد باباً نحو القارة الإفريقية، ستكون فرصة سانحة لإيصال صوت القارة السمراء ومشاغلها إلى المجتمع الدولي.

تركيز على القارة الإفريقية

وصرّحت المستشارة القانونية الرئيسية في مجموعة البنك الدولي، ليلى حنفي، بأنّه "ستجتمع في المغرب نخبة الاقتصاد العالمي لمناقشة مجموعة تحديات مطروحة، إذ إنّ المملكة أحسن وجهة لمناقشة التحديات العالمية في الوقت الحالي، وبشكل خاص في القارة الإفريقية".

وأضافت، في مقابلتها مع "القناة الأولى" المغربية، (حكومية)، أنّ هذه الاجتماعات "ستركز على التحديات الخاصة بإفريقيا من قبيل إشراك الشباب، والديون التي تواجه بلدان القارة، حتى التغيّرات المناخية ومشكلات المناخ التي تواجه القارة الإفريقية، وكذلك الفرص التي توفرها القارة الإفريقية".

وحسب البنك المركزي المغربي، من المرتقب أن تُناقَش ستة مواضيع رئيسية، خلال اجتماعات المؤسستين الدوليتين في مراكش، تتمثل في الشمول المالي والرقمي، والتنمية المُستدامة، وإصلاحات المؤسسات المالية الدولية، وريادة الأعمال والابتكار، وشبكات الأمان الاجتماعي، والتسامح والتعايش.

إفريقيا تظل أولوية

وأكدت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، نادية فتاح العلوي، أنّ عودة اجتماعات المؤسّستين إلى القارة الإفريقية فرصة لأن نقول للعالم إنّ "إفريقيا يجب أن تظل أولوية دائمة، ولا يمكننا الاعتناء بإفريقيا لبضع سنوات ثم الانتقال لتدبير الأزمات الكبيرة في أماكن أخرى، فمسارنا التنموي لا يمكن أن ينتظر ولا أن يراكم التأخير".

وقالت الوزيرة، في حوار مع وكالة الأنباء المغربية (حكومية): "نأمل أن تُتخذ قرارات وتُعتمد إعلانات قوية خلال هذه الاجتماعات، وسنُذكّر الجميع بأنّنا في إفريقيا، وأنّ صوتنا يجب أن يُعبّر عنه ويُسمع خلال هذه الاجتماعات".

وتقام اجتماعات مراكش في موقع "باب إغلي" الذي احتضن قمة المناخ "كوب22" عام 2018، وهي قرية أُقيمت على مساحة 23 هكتاراً، موزعة على 4 أحياء قُسمت حسب البرامج المختلفة للاجتماعات.

اختيار المغرب.. فرصة

إلى ذلك، يمثل قرار الاجتماعات في مراكش بالنسبة إلى عدد من المراقبين، تجسيداً للثقة التي يحظى بها المغرب من طرف المؤسستين.

ويرى المحلل الاقتصادي رشيد ساري، أنّ "اختيار المغرب لم يكن اعتباطياً، بل هناك معايير أساسية لدى المؤسستين الدوليتين".

ويلفت ساري في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ المؤسستين تشترطان أن "تكون الدولة المستضيفة على استقرار اقتصادي ومالي، وأن تعرف دينامية اقتصادية، وأن تتوفر على صفاء الذمة المالية، ثم أن تكون من الدول النامية والصاعدة".

لهذا، يرى المحلّل الاقتصادي أنّ الاجتماع "فرصةٌ للمغرب؛ لتقديم خريطة طريق وتعريف بما يتوفر عليه من إمكانات، وأن يُنعش مجموعة من القطاعات الاقتصادية والقطاع السياحي بدرجة أكبر، خصوصاً في هذه الظروف بعد الزلزال".

ويشير إلى أنّ الحدث الدولي "سيتعرف ما يتوفر عليه المغرب من إمكانات للاستثمار، وهي فرصة للمملكة لتقدم ما تتوفر عليه، وأن تقدم إمكاناتها الاقتصادية والمجالات الاقتصادية التي تشتغل فيها التي اليوم أصبحت رائدة فيها".

تعزيز الاستثمار

ويرى نبيل الأندلسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أنّ "هذه الاجتماعات يمكنها تعزيز فرص الاستثمار، وتوجيه تمويل المشاريع، وإثارة انتباه المنتظم الدولي إلى مؤهلات القارة الإفريقية على المستوى الاقتصادي، خصوصاً أنّ هذه القارة التي عانت الاستغلال الاستعماري، أصبحت في أمسّ الحاجة للإنصاف، ولفرص التنمية والتأهيل، وللاستثمار الأمثل لمؤهلاتها وثرواتها الطبيعية بشكل منصف وعادل".

ويشدّد الأندلسي في حديثه مع TRT عربي، على أنّه "يمكن لهذه الاجتماعات أن تُقرّب وجهات النظر بين مختلف الفاعلين الدوليين، وتعزيز القدرات وتبادل الخبرات، ممّا يمكّن من بلورة شراكات استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة وفق قاعدة (رابح-رابح)".

كما أنّ عودة البنك وصندوق النقد الدوليين للاجتماع مرة أخرى في إفريقيا، "يؤشر من زاوية أخرى إلى توجه المنتظم الدولي لتعزيز التنمية الاقتصادية في هذه القارة بما يخدم التعاون الدولي، وتعزيز دور إفريقيا في الاقتصاد العالمي"، وفق الأندلسي.

الزلزال والثقة في تخطي التحديات

ومن أهم ما يميز توقيت هذه الاجتماعات للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مراكش، أنّها تأتي عقب الزلزال الذي ضرب عدداً من مناطق المملكة يوم الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، وهي إشارة قوية للمجتمع الدولي وعلامة على الثقة في قدرة المملكة على تخطي التحديات.

لذا، تبرز هذه الخطوة المهمة "مكانة المغرب كقِبلة مستقرة ووجهة آمنة للاستثمار وعقد الاجتماعات واللقاءات الدولية"، كما يرى الباحث المتخصص في السياسات الاجتماعية بالمغرب، هشام معروف.

ويضيف معروف لـTRT عربي، أنّ "المغرب أيضاً نموذج بالنسبة للقارة الإفريقية من خلال ما راكمه من منجزات في مجالات السياسات الاجتماعية؛ على غرار مبادرات التنمية البشرية، وبرامج محاربة الفقر، وسنّ نظامَي الحماية الصحية والاجتماعية".

ويعتقد المراقبون أنّه من خلال الكثير من الإصلاحات الهيكلية التي يواصلها المغرب على عددٍ من المستويات، تبيّن أنّه من الممكن أن تصبح المملكة نموذجاً، في تحقيق التطوّر في القارة الإفريقية.

الجدير بالذكر أنّ المملكة تمتلك شراكات اقتصادية واسعة في دول غرب إفريقيا ووسطها، وأصبح يُنظر إليها على أنّها من الدول الصاعدة اقتصادياً، وهو ما قد يتعزّز في السنوات المقبلة مع مشاركة المغرب في تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030.

TRT عربي
الأكثر تداولاً